تأمل في نظرية الواحد والصفر/ القاضي محمد عينين

نظرية الصفر والواحد نظرية شهيرة، تقوم عليها جميع العقول الألكترونية، وأمور أخرى غيرها .. إلى الآن لا جديد ولكن الجديد لدينا هو أن نظرية الصفر والواحد أكتر من ذلك وأقدم من ذلك .. فالواحد والصفر هما الرقمان الموجودان في الحقيقة الفعلية. فلا يوجد اثنان ولا ثلاثة. فكل رقم مها كبر فهو عبارة عن مضاعفات الواحد. يعني 1+1+1+ ... إلى ما لا نهابة. وهذا أيضا قال به بعض الفلاسفة، ولكن دون انتباه لما سأقول لكم. أما الصفر فهو العدم، ونقيض الوجود. أي نقيض الواحد. والواحد هو الفاعل في الكون (والواحد هو الله)، وما عداه مفعول به. أي صفر. ما لم يكن الواحد بداخله (أي مؤمنا بالواحد) .. فالإنسان على سبيل المثال لا الحصر، صفر من ثلاث اتجاهات، والكون في حد ذاته صفر. ولا تكون له قيمة إلا بوجود الواحد. (تماما كالأصفار مهما تعددت لا قيمة لها بدون الواحد. أو مضاعفات الواحد، كما ذكرنا سابقا، ويظل الواحد هو كل شيء).

أولا: صفرية الإنسان الأولى

لك أن تنظر في عمر الإنسان الممتد من لحظة ولادته، حتى وفاته. وقدره بما شئت من طول أو قصر .. ولكن تذكر أن وجوده في علم الله تعالى قبل ذلك بما الله أعلم به (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (صدق الله العظيم)) ويعني ذلك من الزمن، ما لا يستطيع العقل البشري الإحاطة بتقديره. فإن أضفت عليه عمره الذي قدر له ثم حياته الأبدية ما بعد الموت (في قبره ثم بعثه وحسابه أو عدمه .. وإما جنة أو نار)، فستلاحظ أن فترة الحياة الدنيا تحدد مصيره الأبدي. وهي فترة قصيرة مهما طالت .. وفي علم الرياضيات أن أي عدد مهما كان كبيرا، إذا قسم على ما لا نهاية، تكون النتيجة صفرا .. إذا فعمره مهما طال، إذا قسم على ما قبل وجوده في الدنيا، مرورا بحياته ثم أبديته بعد الموت، فستكون النتيجة حتما صفرا. وهذا الصفر يتحكم في مصيره؛ ومنه فعمر الإنسان صفر. ومن كان عمره صفر فهو صفر.

ثانيا: صفرية الإنسان الثانية

لو أن أحدا صعد برجا عاليا. ونظر أسفل منه إلى الشارع، للاحظ أن البشر تحته صغار كالنقاط المتحركة .. ولو أنه كان في طائرة، بادئة في الصعود لرآى البرج العالي الذي كان ينظر منه وكانه قطعة قش على الأرض تبدأ في الاختفاء كلما ابتعدت الطائرة إلى الأعلى حتى يختفي البرج تماما ومعه المدن بأكملها لتبدأ رؤية الأرض مبقعة. حسب تضاريسها، وغطائها النباتي .. والسؤال أين الإنسان؟. ولو ابتعد في صاروخ، أو مركبة فضائية، لرآها ككرة زرقاء. تدور في بحر فضائي، تسير بسرعة كالهارب من مكروه .. والسؤال المتكرر هنا أين الإنسان؟ .. أما إذا نظر من تلسكوب عملاق، فإن المجرات البعيدة، والتي تكبر كثيرا مجرتنا (درب التبانة)، والتي تحوي ملايين المجموعات الشمسية العملاقة، والتي تبعد عنا ملايين السنين الضوئية؛ تبدو كنجوم متناثرة .. أين الأرض؟. وأين مجموعتنا الشمسية؟. بل وأين مجرتنا بالكامل؟ .. لأعود وأسأل أين الإنسان؟ .. والجواب الذي لا مراء فيه، إنه صفر إنه معدوم الحجم والوزن.

ثالثا: صفرية الإنسان الثالثة

يتكون جسم الانسان من أجهزة. وتتكون الأجهزة من أعضاء. والأعضاء من أنسجة، والأنسجة من خلايا ومواد بينية. أما الخلايا والتي هي الوحدة الأساسية لبناء الجسم. فتتكون من عضيات. ويتم على مستواها بناء البروتينات، حيث تمثِّل بدورها وحسب أنواعها، الإنزيمات والهرمونات وغيرها. وكلها عبارة عن ترجمات لشفرات وراثية، موجودة على الأحماض النووية الريبوزية (RNA) والتي تمثل بدورها رسولا، مُستَنْسَخا بطريقة معينة من (DNA) حيث يعتبر الأخير المادة الوراثية الأساسية لكل الكائنات الحية. (ما عدا بعض الفيروسات وليست كائنات حية عموما حسب العلماء). إلى هنا والأمر طبيعي. لكن لكل شريط (DNA) مكونات ثلاث هي سكر خماسي، وقاعدة نيتروجينية، وفوسفور. وكلها مكونة من ذرات كيميائية. (بها ألكترونات وابرتونات ونيترونات تحدد وزنها ونوعها وطرق تفاعلها من عدمه وارتباطها بغيرها).

إذا تصور معي أن ألكترونا واحد لذرة ما من الذرات المكونة ل(DNA)  غاب. فماذا سيحدث؟.

تتبدل خصائص الذرة، وتفاعلاتها، ووظائفها. وبالتالي تتبدل خصائص (DNA)  ومن ثم خصائص (RNA)  ثم البروتين مما ينتج عنه حتما بروتين عاجز عن تأدية المهمة التي صنع لتأديتها ومن ثم مرض وراثي قد يكون قاتلا. وإن كان طارئا على الخلايا بعد الولادة، قد يتولد عنه سرطان قاتل، أو يؤدي في أحسن الأحوال، إلى عاهة مستدامة. تأمل أن تغييرا وقع في ألكترون حجمه ووزنه صفر تقريبا قد يودي بالإنسان قبل وبعد الولادة .. أليس هذا دليل على أن الإنسان صفر؟.

من ناحية أخرى وبعد ما تبين لنا أن الانسان صفر في هذا الكون. ما لم يملأ قلبه بالواحد، فالكون كله نشأ من الصفر ويعود صفرا كما بدأ بفعل الواحد الذي هو البداية والنهاية.

فتأمل أن كل ما استطاع الإنسان إدراكه من هذا الكون الفسيح بحواسه، أو بعوامل مساعدة كالمناظير، والتلسكوبات وغيرها. كل ذلك من كواكب، ونجوم ومجموعات شمسية، ومجرات عملاقة، كله في حيز السماء الدنيا قال تعالى (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)؛ وموسعون من الخالق لا يمكن للمخلوق الإحاطة بها. وقال تعالى (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) قال بعض العلماء سلطان العلم؛ وقال تعالى (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) صدق الله العظيم.

يقول علماء الطبيعة، إن الكون نشأ من العدم. أي من لا شيء، والصفر هو اللاشيء. ولكن بعضهم تساءل - وحق له ذلك - ما الذي رجح وجود الكون على العدم؟ أي أن هناك قوة دفعت بالكون إلى أن يوجد ولا يظل في حالة العدم .. الذين لا يؤمنون بالواحد (الله) .. وضعوا إشارة استفهام أمام السؤال، ولا تزال بالنسبة لهم باقية. أما الموحدون فالجواب لديهم واضح إنه الواحد فالكون كان صفرا ولا يزال صفرا وسيعود للصفر مرة أخرى، أي أنه سيعود لأصله قال تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه). وبالتالي فالكون بدون الواحد صفر، والإنسان ما لم يكن الواحد في قلبه صفر.

ومن خلال الصفريات الأربع، يتضح لكنا جميعا، أخي الكريم أختي الكريمة أن الواحد هو كل شيء والباقي صفر بدون الواحد.

14. أبريل 2021 - 16:53

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا