في الحلقة الأولي تكلمنا علي عدة مواضيع، وهذه المواضيع هي التي سوف تكون بارزة في الحلقات القادمة بإذن الله تعالي، فموضوع هذا العنوان كله في الآخرة، ولكن ما في الآخرة هو نتيجة أعمال الإنسان في الدنيا منذ خلقة الله فيها لعبادته ووجهه الشيطان عن تلك العبادة إلي عبادة الشيطان باتباع خطواته في كل الاتجاهات، فالدنيا دار عمل ولا حساب عكس الآخرة.
ولنبدأ بأول موضوع لنبني عليه كل موضوع آخر ألا وهو معرفتنا بالدليل القاطع لوجود الله جل جلاله.
فالمولي قد تحدي هذا الإنسان الرافض لوجوده بشيئين أولا خلقه لجميع الأشياء وعلي رأسها خلقه للسموات والأرض والثاني إنزاله لهذا القرآن علي النبي صلي الله عليه وسلم فيه خبر ما في الدنيا صورته طبق الأصل، وما سيكون في الآخرة صورة أيضا طبق الأصل كأنها رأي العين في الدنيا بدليل قوله تعالي {{ لا يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}}.
فمن نظر إلي السموات وارتفاعها ووسعها وما فيها من النجوم ويسير الجميع سيرا منتظما من تاريخ خلقه إلي يوم إزالته يتيقن أن له خالق قادر علي كل شيء وكذلك من نظر إلي الأرض ووسعها وكثافتها يعلم كذلك قوة خالقها، والسموات والأرض المتحدي بخلق مثلهما هما فوق وتحت كل إنسان في الدنيا فليس عليه إلا أن ينظر فوقه ليري خلق السموات : {{أفلم ينظروا إلي السماء فوقهم كيف بنيناها}} ولينظر الإنسان عند قدمه وما حوله من الأرض ليسمع قوله تعالي : {{والأرض فرشناها فنعم الماهدون}}.
وهاتان الآيتان الدالتان علي انفراد الله تعالي بالخلق تحدي الله بهما كل ما سواه يقول تعالي : {{خلق السموات بغير عمد ترونها وألقي في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة}} إلي قوله تعالي : {{هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه}} وهنا اذكر بتفصيل خلق الله تعالي لهما كما قال : {{ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين}} إلي قوله تعالي : {{ وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام }}، من بحور ومحيطات وأشجار ونباتات وسمي ذلك أقواتها أي أقوات من سيخلق فوقها من الإنسانية وغيرها بدليل قوله تعالي: {{وسخر لكم ما في الأرض جميعا منه}}، وفي في آية أخري يفصل خلق السموات والأرض بقوله تعالي : {{ ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ايتيا طوعا أو كرها فقالتا أتينا طائعين}}.
أما المعجزة الثانية التي تحدي الله بها الإنسان فهي معجزة هذا القرآن الذي جاءت كثير من الآيات تؤكد صدقه مثل قوله تعالي : {{ويري الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق}}،بل في الأخير أقسم الله علي صدق آياته يقول تعالي {{فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}} والذي يذكر الله في آياته خبر ما يجري في الدنيا مقرونا بما سيجري في الآخرة فنجد ما يجري في الدنيا علي نفس ما ذكر الله في آياته، ومعني ذلك أن ما جاء في الآيات المتعلقة بالآخرة سيكون بنفس وجود ما ذكرت الآية عن الدنيا، مثال ذلك عندما ذكر الله كيف يخلق الإنسان في بطن أمه من نطفة ثم علقة ثم مضغة ففي آخر الآية قال : {{ ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون}}، فكيفية الخلق شاهدناها في الدنيا كما هي في الآية فسنشاهد البعث كما ذكرت الآية، أما الآيات الأخري المتفرقة في القرآن مثل الآيات المتتالية : {{أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون}} وقوله تعالي أن من آياته {{ خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وأولوانكم}}.
فهذا القرآن كما هو معلوم تحدي به الله من جاء بلغتهم وأسلوبهم البلاغي فلم يستطيعوا الإتيان بآية واحدة مثله.
وطلبا للاختصار : هذا المولي عز وجل أمر الإنسان بالرجوع إلي القرآن فسيجد فيه ما سيؤول له هذا الإنسان الموجود لأنه إما في نعيم كما قال تعالي : {{إن أًصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال علي الآرائك متكئون }}إلي آخره، وأما الآخرون فقد قال المولي عز وجل أنهم {{ في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم}} وسبب ذلك أنهم {{كانوا قبل ذلك مترفين}}إلي آخر الآيات,
وباختصار شديد فمن يرد أن يري ما لنفسه في الآخرة فليقرأ القرآن فسيبين له القرآن أوصافا لا تقبل الالتباس عن أصحاب الجنة وهم عباد الرحمان الموجود وصفهم في القرآن وفاعلي الأعمال الصالحات علي مختلف أنواعها سواء كان الإنسان ذكرا أو أنثي، أما الاخرون فسيجد وصف أعمالهم كما هي فهم كانوا ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض بارتكاب أنواع ما نهي الله عنه من غير توبة إلي أن يقفوا أمام الله ناكسي رؤوسهم قائلين وهم يصطرخون فيها أي النار : {{ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل }} فيقال : {{أولو نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير}}.
ومن هنا أنبه كل مسلم – لأن الإرشاد لا ينتفع به إلا المسلم – أن هذا الوضع أعلاه علي الإنسان أن يقرأه كل يوم سواء كان رحمة أو عقابا لينفذ الأولي كما أمره الله وليتجنب الثانية كما نهاه الله كذلك، فما عند الله للمسلم لا يعرفه إلا من تمتع بقراءته قبل الموت، واهتم بان يكون من أهله، ولا يخاف منه إلا من قرأ صفة المعذبين في القرآن وفر إلي الله منه.
وهنا أضرب مثالا واحدا من الآيات لينظر المسلم أي المواقف يختار أن يكون من أهله يقول تعالي : {{مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفي ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم}}.
ومن هنا نصل إلي الموضوع الثاني وهو الإنسان – الذي سيمثل أمام ربه ليس بينهما ترجمان – وإلي الحلقة القادمة بإذن الله
ملاحظة : ليعلم كل من كنت أرسل له رابط المقال عن طريق الواتساب أن الهاتف ضاع وبالتالي فقدت العناوين المحفوظة عليه وقد استرجع, ولكن راسلني مجددا فأرسل إليه رابط كل مقال يصدر.