يعد الظلم أكثر ظاهرة تجذرا في الدولة الموريتانية ؛فهو يطحن كل الشرائح الاجتماعية في هذا البلد. و ينتشر تفسير لدى أوساط المثقفين أن هذا الظلم مرده هو نفوذ المؤسسة العسكرية منذ سيطرتها على مقاليد السلطة في البلاد عام 1978 وما عقب ذلك من انقلابات .. لكن المؤسسة العسكرية أيضا ليست في منأى عن الظلم الذي يمارسه جموع الضباط على أفراد المؤسسة ناهيك عن الظلم الذي يمارسه كبار الضباط على بعضهم.
إن من ما يستدعي الوقوف عنده علاقة الدولة بالمال عند الموريتانيين فالسلطة بدءا برئاسة الجمهورية إلى أدنى مركز في المناصب العمومية قد أفرغت من كل معانيها غير التكسب وجمع المال.
لقد عاش الرئيس الموريتاني الحالي سنينا من عمره مرافقا عسكريا للرئيس الدكتاتور معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع..واستطاع ولد عبد العزيز أن يكتشف خلال حراسته لولد الطايع ؛كيف أن الأخير منح أهله ومقربيه وبعض أنصاره حظوة في المال ويدا في الأعمال المدرة للأرزاق الضخمة المعروفة في القانون بالإثراء بغير سبب، أو الاستحواذ على المال العام و سرقته.. هنا أريد أن نقف عند مصطلح أساسي هو "الفساد" الذي يتبادر إلى الرأي العام أنه يتعلق بسوء التسيير في المرافق العمومية وميزانياتها ويغفل في هذا الصدد الامتيازات التي يمنحها رجال الدولة لمقربيهم أو شركائهم من رجال الأعمال ،وفي هذا الجانب الأخير خلق الرئيس محمد ولد عبد العزيز أوسع مساحة لإمبراطوريته المالية ولمقربيه ،حيث انتسب للائحة الأثرياء في موريتانيا عدد من الأسماء خرجت من مدائن الفقر؛ كالغالبية العظمى من الشعب الموريتاني مع اعتلاء محمد ولد عبد العزيز لعرش السلطة...فمن لم يسمع بالإمبراطورية المالية الجديدة لابن خالة الرئيس المدعو أفي ولد اللهاه. وغيره من الأثرياء الجدد. .. ومن لم يسمع كذلك بمشروع بنك الشباب الذي رصدت له "مليارات" لم يعرف العرق ولا الأفكار طريقا لصناعتها.. بقدرما هي مرتبطة ارتباطا عضويا بالقرابة من الرئيس ..هذه الظاهرة شبيهة لحد بعيد بما عرف في تونس بالمال "الطرابلسي" وشركات ملكة قرطاج عقليلة زين العابدين بن على ؛ليلى الطرابلسية.
أطاح محمد ولد عبد العزيز رفقة عدد من الضباط بالرئيس ولد الطايع ؛ وقد عرف عن بعض هؤلاء الضباط جشعهم بالثروة وجمعهم لها بطرائق جنونية ؛وليس محمد ولد عبد العزيز عنهم ببعيد...لكن محمد ولد عبد العزيز وهو رئيس اشتهر بالأنشطة الاقتصادية ومنافسة رجال الأعمال...واستثمر الجنرال في قطاعات عديدة ذات صلة بكبريات شركات استخراج المعادن في "أكجوجت" و "تازيازت" كما عرف الرئيس محمد ولد عبد العزيز بعلاقته بمندوبية رقابة الصيد والتفتيش البحري والتي بدأت العمل لحسابه ،منذ الأيام الأولى من انقلاب أغسطس 2005. و ما عقب ذلك من عقود مشبوهة أجريت مع شركات صينية لاستنزاف خيرات "المحيط " بحماية من الرئيس محمد ولد عبد العزيز لصالح رجال أعمال مقربين منه.
لقد بدأت معركة محمد ولد عبد العزيز مع رجال أعمال صنفوا خصوما له في نوفمبر 2009..وقد اعتقل حينها محمد ولد نويكظ، و اشريف ولد عبد الله، و عبدو محم، لما قيل إنه ارتباط لهم بمليارات من الأوقية؛ تحصلوا عليها أيام حكم ولد الطايع .. ونجى في ذلك الحين عدد من رجال الأعمال كانوا أنصارا للانقلاب الذي قاده محمد ولد العزيز ولم نسمع يومها عن الميارات الذي نهبوها هم أيضا ..وطوي ملف رجال الأعمال بـ "وساطات قبلية" ..
واليوم؛ انفرط العقد الذي كان يربط الرئيس برجل الأعمال ولد بوعماتو فسلط الأول على الأخير سوط الضرائب... فإما أن يركع أو أن تذوب امبارطوريته المالية .. وكان نفس السوط قد وجه إلى شركات تابعة لرجل الأعمال عبد القدوس ولد أعبيدنا.. لينتهي به المطاف باللجوء الاختياري في باريس؛ كما هو حال ولد بو عماتو في المغرب .
أعتقد أن العلاقة بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز ورجل الأعمال محمد ولد بو عماتو يجب أن تخرج من إطارها القبلي : رجل أعمال يدعم ابن عمه العسكري في انقلابه ،ويمول حملته الانتخابية... ثم يحاول الرئيس أن يدخل في "شراكة" مع رجل الأعمال؛ مقابل امتيازات الدولة وفرصها، وعقودها، وحين يرفض "رأس المال" الانصياع لرغبة الرئيس يتعرض للانتقام ؛وتسلط عليه الضرائب "المجحفة".. وفي الأخير تتدخل القبيلة للوساطة بين أبناء العمومة....لقد اختفت كل معالم الدولة ومعانيها.
نريد وطنا، يسوده القانون.. وطنا يحمي فيه القانون الجميع؛ القوي والضعيف. نريد وطنا يحمي فيه القانون المواطن من جشع رجال الأعمال. وطنا يحمي فيه القانون رجال الأعمال من بطش الرئيس وطمعه. جبريل جالو يوميات جانفي 2013