يعد القرار الذي اعلنه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مبدئيا بعدم دخول الحرب العرقية والدينية الدائرة في مالي قرارا شجاعا يعيد الاعتبار إلي السيادة الوطنية المجروحة في كبريائها وشرفها ، كما يعبر عن نوع من الاستقلالية في الرأي والتصرف انطلاقا مما تمليه
المصلحة العليا للوطن لا ما تريده قوى خارجية تتصرف وفقا لأجنداتها الاستعمارية الصليبية ،وتسعى لأفغنة شبه المنطقة وإعادة التمركز فيه من جديد للتحكم في سياساته، واستنزاف خيراته ،و ذلك ما اتضح جليا من خلال إسراع الجيش الفرنسي في دخول الحرب حتى قبل أن تصل الجيوش الإفريقية المباركة لها والمتحمسة للمشاركة فيها .
و تعيش فرنسا أزمة اقتصادية خانقة زادت الأوضاع الملتهبة في شمال مالي التوجس من تفاقمها نظرا لخطورة سيطرة الجماعات الإسلامية في المنطقة التي تعتبر شريانا يغذي المصانع الفرنسية بالعديد من المواد الأولية الضرورية فضلا عن كونها تقع على مرمى حجر من مناجم اليورانيوم في النيجر والتي توفر أكثر من ثلث حاجة المفاعلات النووية الفرنسية لإنتاج الطاقة ناهيك عن الامتعاض الاليزى من الدور السياسي والاقتصادي المتعاظم للولايات المتحدة الأمريكية والصين في المنطقة وكلها أمور تفسر حرص فرنسا على قيادة هذه الحرب مما سيؤثر حتما على الموقف الموريتاني منها.
حيث يعتقد المراقبون أن قرار موريتانيا عدم المشاركة في الحرب وللأسف الشديد قد لا يعمر طويلا بعد إعلان الحليف الوحيد الذي كان يشاطرها الموقف السماح باستخدام أجوائه في العمليات العسكرية بل وجره ضمنيا إلي المشاركة فيها من خلال عملية "عين أمناس" التي باتت أهم المحطات المعلنة في حرب "القط المتوحش " او"الكلب الاليف " التي تدور اغلب فصولها في تعتيم مطبق بعد أن غيب عنها الصحفيون مما يثير مخاوف كبيرة من ارتكاب أبشع المجازر والتصفيات العرقية خاصة بعد أن أخذت هذه الحرب طابعا اثنيا وعنصريا،وهي مخاوف كادت تبددها التأكيدات الرسمية التي أعلنت بعد محادثات الرئيسين الموريتاني والتونسي بتطابق الموقفين في رفض التدخل الأجنبي في إفريقيا .
وتأتي تصريحات هولاند بعد محادثات مارتونية أجراها مع ولد عبد العزيز في الإمارات لتناقض هذا الموقف حيث اعتبر أن الأخير اظهر مرونة كبيرة في موقفه من الحرب وأكد استعداده لدخولها متى أرادت "مالي"ذلك دون أن ينتبه ولد عبد العزيز لحقيقة ان مالي الشرعية لم تعد موجودة في الواقع حتى تريد او ترفض؟ فهي مقسمة بين الجماعات الارهابية و الانفصالية الإسلامية والعربية والطوارقية في الشمال؟ و عسكريين زنوج انقلبوا على الديمقراطية و أوقعوا البلاد فيما هي فيه من ويلات؟ ولا تمتلك أي من الطائفتين الشرعية في الواقع لكن عزيز يقصد الأخيرة طبعا لان فرنسا تحتضنها ،وتتخذها ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية ل"مالي" ان جازت التسمية.
ولم يقف الارتباك وتذبذب الموقف الموريتاني عند هذا الحد بل عاد الرئيس من جديد عبر إذاعة فرنسا الدولية ليستبعد مشاركة موريتانيا فيها واليوم هاهو وزير الدفاع الفرنسي يؤكد أن موريتانيا على استعداد للتدخل متى كان ذلك ضروريا.
اما ولد عبد العزيز فقد تجاهل الحديث عن المشاركة في هذه الحرب خلال خطابه في مدينة تشيت الأمر الذى اربك الرأي العام حول الموقف الحقيقي من هذه الحرب هل هو ما يؤكده عزيز ،او ما يقوله او يتقوله الفرنسيون؟ولماذا يعتمد عزيز هذه السياسة الحربائية لمجاملة تونس وفرنسا، ومجاراة الشارع الموريتاني في قضية خطيرة تتطلب موقفا واضحا صارما وجازما.
وفي انتظار ان يستقر الموقف المضطرب اضطراب الوضع في مالي يجب أن لا تغيب عن ذهن ولد عبد العزيز خطورة المشاركة في هذه الحرب ليس فقط على الجنود الذين سيساقون إلي الموت خارج حدودهم وأرضهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ،ولا على المناطق الحدودية التي ستتحول الي ساحة للمعارك ، وإنما على شخصه هو وعلى اعز ما يملك "بقاءه في السلطة والحكم بعد ان اثبتت التجارب ان الزج بالجيش في الحروب كان وراء الإطاحة بأقوى الأنظمة التي حكمت البلاد حيث عصفت حرب الصحراء بنظام ولد داداه فيما قضت الحرب على الإرهاب وعملية تعقب بلعور داخل الحدود المالية على نظام ولد الطايع المتجذر.
فهل يفهم ولد عبد العزيز الدروس، ويعتبر بالتجارب ام انه ماض في دق اسفين حرب قد يكون أول ضحاياها؟