في أهمية الوَعْظ بالنسبة للمجتمعات المعاصرة: حلقة (1) / احمد سالم عابدين

1ـ نَسَبَ الله تعالى الوَعْظَ إلى جملةِ أفعاله؛ وَرَدتْ مشتقات الفعل "وَعَظَ" بكثرة في القرآن الكريم. وتحدث القرآن أيضا أن الرسول واعظ.

2ـ تاريخ البشرية هو تاريخ الصراع بين الوعظ والغواية.

الوعظ الإلهي، الغواية الشيطانية، يتجلى الوعظ الإلهي في التذكير الدائم بالحقيقة الأولى، حقيقة الوجود: الإله الواحد، حقيقة المَعاد والمآلات، حقيقة الطبيعة البشرية النافِرة من الحقيقة غالبا واحتياجها بسبب ذلك إلى دوام الوعظ.

3ـ ما نفهمه من القرآن هو أن هناك الوعظ، وهناك مُضادّات الوعظ... سأسميها هنا "الغِواية".

4ـ يُعتبر مجال الوعظ من أهم المجالات التي يُراهن العلمانيون على إقصائها من الشأن العام.

5ـ عندما تَطلُب العلمانية منّا إخلاء الشأن العام من الشعارات الدينية، فلأنها تفهم أن تلك الشعارات هي دعوة (وعظٌ) في حد ذاتها. لكن العلمانية نفسها شعار، وبالتالي فهي دعوة (غواية).

 يريد العلماني من المتدين أن يتعامل بحيادية في المجال العام. ويوهمنا العلماني بأنه شخص منفصلٌ عن مقدساته عندما يتعلق الأمر بالمجال العام. إنها إحدى أساطير العلمانية الكثيرة التي حَدَّثَنا عنها "مرسيا إلياد".

6ـ نفهم من النقطة 5 أن الوعظ هو شكل الدعوة، والدعوة هي سبب الوعظ. ونفهم أن الغواية هي شكل الخروج من الدين، والخروج من الدين هو سبب الغواية.

7ـ لكل مجتمع روح عامة تُعتبَر المسيطرةَ على أفراده، ويسميها علماء الانثروبولوجيا ب "المَيْل الثقافي".

يسعى كل مجتمع إلى تثبيت ميل أفراده الثقافي من خلال طرق التثبيت الثقافية الكثيرة، التربية الأسرية، المدرسة، الضبط الاجتماعي، العقوبات الأخلاقية، العقوبات القانونية في بعض الأحيان.

8ـ يُراهن عالم الاجتماع "بيتر بيرغر" Peter Berger كثيرا على "الانثروبولوجيا الفلسفية" لإخراج الإنسان من حالة التّيهْ المُعاصِر التي خلفها تراجع الدين عن المجال العام بفعل الحداثة الإلحادية. يرى "بيرغر" أن العلمانية الحديثة تخلت عن الانسان وتركته وحيدا في مواجهة الحقيقة الكبرى، حقيقة الموت، بدون أن تعطيه حتى وصفات لكيفية التعامل معه بَلْهَ أن تَقِفَ معه ليعبر تلك المصيبة بسلام كما كان الدين يفعل.

8ـ الخصوصية الثقافية والدينية لموريتانيا، تجعل من الضروري الارتفاع بمهمة الوعاظ والتشديد عليها، إنها إحدى الرهانات الأهم للدخول إلى الحداثة الصحيحة، ذلك أن الصّلاح الشخصي هو بوابة الصّلاح الجماعي. أوضح "ماكس فيبر" أن الصّلاح البروتستانتي كان أساس التقدم الحديث، البروتستانتي هو شخصٌ يعمل بجد لأن عقيدته تملي عليه ذلك، والعمل الجاد والزهد الدنيوي هو الذي أنتج التقدم الحديث، هكذا يقول فيبر. لكن الحداثة كما نعرفها اليوم هي "حداثةٌ معطوبة"، لذلك لا بد لنا من صلاحنا الخاص لنصنع وندخل الحداثة الصحيحة. الواعظ هو الٌدر على جعلنا نتبنى الصلاح، وبالتالي ندخل في الحداثة.

يتواصل...

19. مايو 2021 - 23:20

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا