لاقى مصطلح العائلة الإبراهيمية رواجا كبيرا في الأوساط الغربية عندما أطلقه المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون في مقال كتبه سنة 1949 تحت عنوان الصلوات الإبراهيمية الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام وهي ديانات تعتبر إبراهيم عليه السلام مرجعا روحيا لها.
وأصبح موضوع هذه المقالة، حقلا أكاديميا يدرس في الغرب إلا أن الدعوة إليه في البلاد العربية والإسلامية لم تجد صوتا مسموعا من شخصيات وازنة وإن بغلاف مختلف الشكل ى الأقل إلا بعيد انكسار موجات ثورات الربيع العربي ، ورغم مسايرة بعض الشخصيات في البداية لتلك الثورات إلا أن سفينها لم يحمل ما يغري محاولي ركوبها فتركوها وشأنها ، واتجهوا إلى الدعوة إلى ما يسمى بالعائلة الإبراهيمية التي لاقت أو تلاقت مع موجة العلو التي ظن الصهاينة وأعوانهم من الأعاريب أنها محت القضية الفلسطينية مع صفقة القرن إلا أن البيضة لم تستبح رغم التكالب والضعف والوهن ، ومع تهافت الفكرة من أساسها لأنها دعوة للسلم مع محتل غاشم يقتل الأطفال ولا يمكنه استحياء النساء عكس ما وقع لأسلافه ، ولأنها تناقض صريح القرءان الكريم في سورة آل عمران "ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين " وحتى مع اعتقادنا بسلامة قصد أصحابها وطهارة نياتهم إلا أن مآلاتها خفيت عليهم وهم الأذكياء العالمون بمقاصد الأمور وبواطنها وقديما قيل:
قد يحرم الذكي من فهم الجلي إن لم يكن من حظه في الأزل
ولو كانت الدعوة دعوة إلى حلف فضول حقيقي يستنكر الجرائم الصهيونية ويسعى إلى رد المظالم إلى أصحابها لكان صوت أصحابها مسموعا ومقبولا، لكن ما لفت انتباهي إليها وأوردت فيه المثل الحساني الذي ترجمه الشاعر الفحل محمذ ولد السالم الحسني عليه رحمة الله "ولا الكلى والعجى يجمعن في شدق" وما يعني أن الإنسان لا يستطيع أن يضع في فمه كلية شاة ويضع معها فرنسنا في شدق واحد فإما أن يأخذ أحدهما أو يترك الآخر.
فأصحاب هذه الدعوة التي تشبه كثيرا نظرية الفيض ـ التي لم ترض الدين فهاجمها الإمام الغزالي ولم تقنع الفلسفة فوصفها شيخ الفلاسفة ابن رشد في كتابه تهافت التهافت بأنه فكرة تافهة أو إن شئت فقل إن مناصريهم أو مناصري مناصريهم يقومون في بلادنا حاليا بحملة علاقات عامة يحاولون من خلاله إظهار أصحاب هذه الدعوة في مظهر المصلح الذي لا يألو جهدا لخدمة القضية وما المقالات والتدوينات التي عرفتها صفحات التواصل الاجتماعي عنا ببعيد. فالمرء إما يكون مع القضية الفلسطينية التي تشهد حاليا أصعب ظروف من تقتيل وتهديم للبيوت على قاطنيها...
ولم يصدروا بيانا باسم هيئاتهم المعروفة ومع ذلك تلاحظ تناميا ملحوظا في تزكيتهم من طرف بعض النخبة والكتاب والمدونين مما يبعث على الريبة من أن هناك حملة منظمة من طرف جهات معينة تريدونا أن يتعايش مع مفاهيم تمكن من تخدير الشعوب تمهيدا لنسيان أولى القبلتين و تبليدا لشعوبها تجاه هذه القضية ، ومن المعروف أن المؤسسات الغربية تعمل بصمت وتدرج منذ عشرات السنين ولا ينقصها إلا أن تجد من له رصيد من الثقة حتى تبث من خلاله أفكارها وقد يكون ذلك عن حسن نية منه وطهارة قلب لكن كما قال الفاروق رضي الله عنه لست بالخب ولا الخب يخدعني.
ومع ذلك لو كان الجو هادئا ودولنا معافاة حرة متروكة تحكم نفسها بنفسها و لا يديرها وكلاء الاستعمار الغربي لكان للحديث عن الحوار مع الآخر من مسوغ لكنما الوقت الحالي هو وقت حديث الحراب والأسلحة والدعم المادي والمعنوي مع أنننا في الواقع لا نحتاج إلى دعوة تعلمنا التسامح والحوار مع الآخر لأنه ركن ركين من ركائز ديننا جعلنا نحن المسلمين نتقبل الآخر بل ونحميه وهو المجرد من كل وسائل القوة إلا من رحمتنا وعدلنا وما الأندلس وبغداد ودمشق عنا ببعيد فما وجد ضعفة أهل الكتاب ومعوزوهم من موطئ يعيشون فيه حرية دينهم والأمن على أموالهم وأعراضهم إلا حيث كانت راية الإسلام خفاقة ، فمن المعلوم ضرورة أن المسلمين ما كانوا يستخدمون العنف ضد غير المقاتلين أبدا وما وصية الصديق رضي الله عنه لقواده لما عقد الأولوية إلا مثال على ما سبق ذكره.
ولكن المضحك المبكي هو تباكي البعض على القضية الفلسطينية وسيره في فلك العائلة الإبراهيمية التي تمهد للحق اليهودي حسبما يراها منظروه الغربيون باعتبار أن اليهودية هي الأصل والنصرانية مجرد هرطقة يهودية والإسلام نسخة معربة من اليهودية تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، فالمرء إما أن يعلن دعمه للقدس دعما لا لبس ولا مراء وهو الأمر المرجو من كل مسلم صادق وأي حر في العالم، أو أن يكون سائرا في فلك الصهاينة ومشروع.
ورحم الله الإمام سلطان العلماء الذي قال إن من جاء إلى بلدة يكثر فيها الربا وتحدث عن خطيئة الزنا فقد خان الله ورسوله وسيجل التاريخ كل المواقف ويبدو أن زمن العلو الذي يعتمد فيه الأعاريب وأعوانهم على دعم الصهاينة قد قارب الزوال لأن المعتمد عليه ما عاد في وسعه حماية نفسه وهو الحريص كل الحرص على حياة أحرى حماية تابعيه بغير إحسان.
وفي الأخير يحز في نفسي ثناء بعض حاخامات الصهاينة على بعض علماء المسلمين الأجلاء ووصفهم بأوصاف جليلة ـ وهؤلاء العلماء أهل لتلك الأوصاف ـ لكنما مدح المرء من قبل أعدائه الذين لا يتمتعون بخصلة إلا الإنصاف وهم من وصفوا الحبر عبد الله بن سلام بما وصفوه به من صفات ثم غيروا تلك الصفات إلى أضدادها في مجلس واحد صلى الله وسلم على صاحب ذلك المجلس.
