في موقع " الرائد" نسأل سعادة الدبلوماسي المغاربي، من قال له إن للمواقع الأفتراضية أبوابا، ونوافذ مفتوحة لمن أراد أن يدخلها ليحشوها بميوله، وآرائه المغالطة، ثم يغلقها على هذه التخرصات الملوثة للوعي في تفكير ناشئة الأمة؟
وقبل التطرق للموضوع، أريد تجريد المغالطات، وما ألبست به من ترهات مهترئة، وإن كانت لها قيمة، فهي الكشف عن تفكيرالحاضرين من رموز قوى التخلف السياسي في مغربنا الكبير، وهي تتمدد بجذوعها السرطانية،، والهدف الأسمى، هو تقديم الحقائق التي جرت بالأمس القريب قبل استبدالها بغيرها من "الوعي" الزائف المنشور اليوم في المواقع الافتراضية، وبالتالي فإن الحديث ليس موجها بدافع الميول الضيقة التي يفسر بها الإقليميون، كل رأي يهدف الى تصحيح بعض الرؤى التي عفا عليها الزمن، واثبتت التجارب أن مكانها في مجتمعاتنا، ليس هو صفحات المواقع التوعوية التي يرتادها القراء، والكتاب من القوة الحية في الأمة، بل مكانها في زوايا التاريخ المظلمة التي يخطئ من ينبش فيها عنها، إلا اذا كان بقصد احراقها، كهندوسي،، أما من يحاول أن يوقدها بألاعيبه اللفغية زاعما أنها مشاعل قابلة، لأن يستضاء بها في أفق التفكير، فهو كمن ينفخ في الرماد، ليحوله الى جمرات في حركة بائسة لإستعادة المشاعل به..
وماذا يعني ذلك في موضوع اليوم؟
1 ـ إنه بكل وضوح يعني أن ابناء الوطن العربي في مغربه ــ على الأقل ــ، يعرفون أن لتاريخ المغرب العربي القديم، والوسيط، والحديث، خطه الواضح الفاصل بين التاريخ الاجتماعي بمحركاته الدافعة في اتجاه التقدم، والسبيل الأحد لذلك، هو الثورات الوطنية ضد الأستبداد، والأستعمار الجديد،، وبين تاريخ "المخزن" ــ كما يقال في المغرب ــ ، ومثيطاته الأرتكاسية التي تناهض متغيرات العصر، وطموح الاجيال في الأمة،، وانطلاقا من هذه الرؤية في فهم مسارات التاريخ، والاطلاع على المؤمرات التي غيرت البوصلة في اتجاهات إرتدادية، فإن الكتاب السياسيين لتاريخ المخزن، يلفقون، وينسبون لقادتهم السياسيين من المواقف المشرفة التي عبرت عن القناعة الوطنية، والقومية، لكنها للأسف من المحاولات اليائسة في إستدعاء الحقوق الواجبة للأمة على ابنائها في كل قطر عربي،، وكم كنا نتمنى أن يكون الأمر قد وقع فعلا، لكن العكس هو غير ذلك تماما، فهو ــ رحمه الله ــ سجل في تاريخه المؤامرت تلو الأخرى، ومنها تلك التي خص بها قادة الثورة في الجزائر في عملية الاختطاف الشهيرة، وهو ــ رحمه الله ــ من سجل بالصوت والصورة جلسات مؤتمر الرباط، واعطاها للكيان الصهيوني، وهو ــ رحمه الله ــ من ارتبط تاريخه بسنوات الجمر، وهو ــ رحمه الله ــ من تآمر مع " الموساد" لتقطيع جثمان المناضل الكبير المرحوم" المهدي بن بركة" في فرنسا مقابل تهجير مئات الآلاف من يهود المغاربة الى فلسطين، وهو ــ رحمه الله ــ من خطط لإتفاقية "كامب ديفيد" في مؤتمر طنجة، وهو ــ رحمه الله ــ من استقبل المجرم شمعون بيريز في القاعدة العسكرية بمكناس خشية عليه من المغاربة، وهو ــ رحمه الله ــ من استضاف قبل ذلك " شاه" إيران، بينما كان المغاربة رافضين إستضافته ، ورفعوا اصواتهم كبارا وصغارا بشعارهم الشهير " من الرباط الى طهران، يرجع بالسباط ــ الحذاء ــ "، وهو ذاته ـ رحمه الله ـ من استضاف مؤتمر" فاس" لتبني مبادرة الملك" فهد" الخيانية، وهو ــ رحمه الله ــ من ترك في خزائنه اربعين مليارا في الوقت الذي كان قادة الحركات السياسية، يدعون بلادهم ب"مملكة الفقراء"، وهو ــ رحمه الله ــ من قبل طواعية تلك "الوديعة " الموبوءة من القوى الاستعمارية حماية للمصالح الاسبانية في الصحراء وشواطئها، وبالمقابل تخلى عن تحرير أجزاء محتلة من المغرب منذ القرن الخامس عشر،، وهو ــ رحمه الله ــ من أسس الحكم على قاعدة المثلث الثابت الأركان: التحالف مع المستعمر في الخارج، والاقطاع في الداخل، وتوظيف الثنائية "العرقية" لإفتعال الصراع بين ابناء الوطن الواحد، لينام مَن في القصر حتى تخنقه الشحوم، وتستيقظ في جسمه الخلايا السرطانية، فتسري الأمراض القاتلة في شرايينه..
2 ـ أما الكتاب الذين اهتموا بتاريخ المغرب العربي في مجال نضال حراكاته السياسية، فهم المهتمون بدور الحركة الوطنية، وقادتها، كالمرحوم " أحمد بلا افريج" في مواجهة الفرنسيين، و"المهدي بن بركة "في الدفاع عن نضال الحركة الوطنية بعد الاستقلال الوطني حين وقع التآمر على انجازاتها بعد إخراج " المكلاوي" من مراكش،،
3 ـ إن قادة الثوارات في المغرب لا تحصى اسماؤهم، أو تعدد مواقعهم، لأنهم يغطيون جغرافية المغرب الشقيق من" طنجة" الى" وجدة "، وإذا كان لهذا الطابور من أول في التاريخ، فهو الآن حاصل حشود الاجيال المخلصة من جنود الوطن، وسيتمكونون من توجيه الاحداث في الحاضر، والمستقبل، وتغييرالتاريخ السياسي في المغرب، والمغرب العربي الكبير في سبيل الوحدة العربية، وإقامة المشروع النهضوي للأمة،،
4 ـ إن هذا الخط العازل، لقائم في تاريخ كل قطرعربي، فهناك خطان متوازيان لا يلتقيان الا بالثورات الأجتماعية، والسياسية، وليس تاريخ " المغرب" متفردا بهذه الثنائية بين التاريخ السياسي للنظام المتصالح مع المستعمر في قانون " الحماية" في بداية القرن الماضي الذي استبدل بالاستعمار الجديد المسيطر على أنظمة الحكم في اقطار المغرب العربي،، وبين التاريخ الاجتماعي الذي قاده ــ ويقوده ــ الثوار مقتدين بمن خلدوا هذا الاتجاه الاستشرافي، ولم يكونوا مثل الذين بقيت اساؤهم، كالقشور المتساقطة تحت جذع شجرة الأنساب الزئبقية..
فبائع الماء المتجول على حماره، حتى نال ثقة المجتمع بقيادته، وبفكره الوحدوي الرافض للاستبداد في عصر الولاة المستبدين ــ وأمثالهم لازالوا متسلقين على اغصان شجرة الحكم ــ،،
فقد عٌرٍفَ هذا القائد العظيم في بعض وثائق التاريخ المشوه للثوار ب " صاحب الحمار" الذي قاد الثورة من نواحي"طنجة" الى " سيدي بو زيد" في تونس،، إنه قدوة من القيادات المغاربية التاريخية الذين نستلهم قيادتهم في تاريخنا العام، لأنهم حدوا حركة اتجاهاته المستقبلية، واستحقوا ــ حقاــ هم وحدهم الحديث، والنشر عنهم في المواقع التوعوية، وعن أدوارهم التاريخية في كل مناسبة عظيمة، كدورعبد الله بن ياسين، ويوسف بن تاشفين، وابنه علي، وقادة معارك التحرير في المعارك الكبرى، كمعركة " نوال"، فعبد الكريم الخطابي رحمه الله هو القائد الرمز الذي فتح للمغاربة أبواب التاريخ المناهض للمحتلين الاسبان، والفرنسيين معا، وكعبد القادر الجزائري في الجزائر، وعمر المختار في ليبيا، وغيرهم من قادة الأمة، وثوارها في موريتانيا ضد المحتل الفرنسي منذ القرن التاسع عشر حتى سقط الزناد الأخير في إحدى جنبات الجبل نواحي مدينة" النعمة " في آخر كمين ضد جنود الاحتلال الفرنسي في العام 1961. فأعدم الثوارعلى شاطئ نواكشوط، واخفيت مقابرهم،،!!
ولما فاحت رائحة الخيانة العظمى للأمة، و" كاد المذنب أن يقول خذوني"، فاعتبر البعض الاشارة الى ذلك اجراما في التزوير، والسباب الذي يستحق البحث في قاموس علم السلوك، لينتقي مفرداته، ويسجلها في المفكرة اللغوية، فيجنى بها تأكيدا لما كان في عهد الشاعر" جبران خليل جبران" في الزمن الرديء الذي لم تختف مظاهره في مجالي التشريع، كقوله : " كأنما الدين ضرب من متاجرهم إن،،، واظبوا ربحوا وإن أهملوا خسرو" وفي التقييم قال " وقاتل الروح لاتدري به البشرو" !
ولكن من يستطيع أن يمتلك الشجاعة الأدبية، ليسأل نفسه عن اسم وزير العدل الذي تولت وزارته الحكم بالإعدام على ثوارنا في الواقعة اعلاه؟ وبفارق المقارنة، هل كان لعلم محمد الأمين الشنقيطي ــ آبه ولد اخطور رحمه الله ــ قيمة لولا الورع ورفضه للقضاء بما يخالف حكم الله حين طلب منه ذلك أيام كان قاضيا في مدينة" كيفة"، فاستقال، وهاجر من وطنه؟!