لو سار كل شيء كما ترجو "إسرائيل" وكما يحب أحبابها, لاستمرت الحرب على غزة حتى استئصال "حماس الإرهابية" وأخواتها في القطاع...
ولقد كان مما يغري بذلك توالي عمليات التطبيع, المكشوف والمتقنع, والذي انتشر وأسند بمواقف وتنميقات تجاوزت السياسة والساسة الى الفكر والدين عبر "الإبراهيمية" المفتعلة, ودغدغت مشاعر الجماهير, المطحونة المشغولة بهموم العيش والحرية, بوعود الازدهار والتقدم التي سيجلبها التطبيع; وشط بعضها الى الزعم بأن التطبيع سيحمي الفلسطينيين ويوقف الاستيطان... الخ.
أما "إسرائليا" وأمريكيا: فهذه ربما كانت فرصة الضربة القاضية بإنهاء المقاومة المسلحة وإحلال السلام وجني ثماره ووضع أوزار الحرب المستمرة منذ 70 سنة وتكاليفها الباهظة, من استنفار دائم وخوف ملازم, ودعم أمريكي مرهق ماديا ومعنويا...
***
فجأة ومن حيث لاحت الفرصة جاءت القرصة! فانتفض الفلسطينيون لأول مرة في فلسطين التاريخية (1948) وفي الضفة, والتحم الجميع في معركة بدأت في حي الشيخ جراح بأكناف القدس واشتعلت في غزة...
وبدا أن تدمير الأبراج السكنية وقصف المساكن والمصانع في غزة بلا هوادة لا يؤلم; بل لعبة تسلية فلسطينية تثير من الحماس ومن صواريخ المقاومة القاتلة أو المرعبة ما استحال حصره وتقدير مداه ومدده... فدخلت "إسرائيل" تجر وراءها أمريكا محبطة في حرب حقيقية, بدل مهمة تأديب وإرهاب روتينية, ملأت الملاجئ واستنفرت الاحتياط الذي هو كل يهودي في ذلك الكيان المستوطن!
وعلى جبهة المطبعين تحولت الابتسامة إلرسمية الى وجوم وسكوت وحيرة... حين بدا أن الشعوب لم تفقد الوعي تماما كما تصوروا... وإذا بها تهب في ديارها ومهاجرها البعيدة تشتعل أو تمور مورا صادحة: فلسطين... فلسطين, القدس... القدس... غزة... غزة...
وعندما ظهرت بوادر تحركات جماهيرية تتحفز نحو أرض فلسطين المحتلة من جهة الأردن ولبنان, وتُخشى من مصر ولا تُؤمن من سوريا... عندها تحركت أمريكا وحذرت نتنياهو وشجعت "أصدقاءه" العرب على تهدئة حماس وأخواتها... فكان الهدوء الحذر الذي لن يدوم ما دامت "إسرائيل"...
الخلاصة الصعبة التي يتجرعها الصهاينة والمطبعون, ومن ورائهم الولايات المتحدة...
هي أن الطريق ليس من هناك... ليس من ثغرة التطبيع ولا من بهرجاته وأوهامه...
*إذا سلكت للغور من بطن عالج*
فقولا لها: ليس الطريق هنالك!*
الآن, وردات طوفان التضامن الشعبي مع القدس وغزة مستمرة... يتساءل الصهاينة في حيرة وخوف وقلق: ماذا تغني عنا الترسانة الهائلة من أحدث الأسلحة والمعدات ووكالات وبرامج المخابرات... إلى متى سنظل في حالة حرب حتى نموت... هل لهذا هجرنا أوطاننا الآمنة وجئنا "أرض الميعاد"...؟!
ويتساءل الأمريكيون: إلى متى سنظل ننوء بهذ الحمل الثقيل... متى يتوقف إنفاق أموالنا ودَوس قيمنا وروح نظامنا الأخلاقية... من أجل هذه ال"إسرائيل"؟ وماذا سنربح من ذلك حيال ما نخسر من الشعوب العربية والاسلامية وغيرها...؟!
ولكن لا يتساءل المطبعون والمتصهينون العرب, لأنهم لا يجيدون الحساب أصلا, وإنما يتوارون خجلا أو يتظاهرون بالانسجام مع شعوبهم ريثما تهدأ, ويجدون ما يشغلونها به من جديد...!!