"تآزر".. الرؤية الطموحة لتنفيذ برنامج  تعهداتي / د.أمم ولد عبد الله

كانت المعاناة ومازالت هي السمة الأبرز في كل تفاصيل خريطة هذا الوطن ؛ الذي دفع مواطنوه فواتير الاتفاقيات المجحفة بين الدولة الموريتانية والمؤسسات المانحة (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ..) .من جهة وسوء تسيير الحكومات المتعاقبة من أخرى.

فقد ارتفعت معدلات الفقر والبطالة بنسب مخيفة؛ الأمر الذي أدى لاحتقان وتوتر أصبحا ينذران بانفجار وشيك؛ خصوصا بعد أن يئس  الشعب من الشعارات الجوفاء..(محاربة الفساد والمفسدين ورئاسة الفقراء)..التي اتضح أنها تعني  خلق طبقة جديدة من رجال الأعمال في الوقت الذي يعجز فيه أكثر من 85% من السكان عن توفير قوتهم اليومي .

هذه الاختلات الخطيرة كانت السبب في تهجير الكثير من المواطنين بحثا عن بدائل في ظل الأزمات الخانقة التي تشتاح العالم برمته. كما أدت لظهور جيوش من المتسولين في الشارع العام وفي كل المرافق العمومية والخاصة.

فيندر مثلا أن تصلي في مسجد دون أن يعترضك أحدهم وهو يحمل وصفة طبية لمرض مزمن يبحث عن من يساعده في ثمنها.

لم تعط كل الأنظمة المتعاقبة على السلطة منذ 1984 إلى 2019 أي أهمية لهذه الظواهر التي عكست ضبابية في معظم المقاربات التي تبنتها تلك الأنظمة الأمر الذي رفع  أعداد الطبقات  الهشة؛  التي هي في الحقيقة نتاج لسنوات من التفقير الممنهج. 

وبحسب المهتمين بالدراسات السكانية؛ فإن المسح الإجرائي يُقسم الموريتانيين إلى ثلاث فئات ..قئة ثرية لا تتجاوز2% استطاعت جمع  ثروات هائلة عبر منظومة معقدة من السمسرة والاحتيال على كل مصادر الثروة؛ وتبدو بحسب المختصين غير معنية بآلام وأناة الضعفاء في بلد يعيش أكثر من 86% من سكانه تحت خط الفقر؛  لكونها تتعالج في أرقى المستشفيات في العالم ؛ وتدرس أبناءها في أشهر المدراس الدولية؛ ولعل هذا هو السر في ترك منظومتي التعليم والصحة ينهاران دون أن تكون هناك إرادة جادة من حكام  ماقبل 2019 لإنقاذهما.

وتأتي في المرتبة الثانية طبقة المهاجرين التي تقدر بحوالي 25% والتي دفعتها ظروف قاهرة للهجرة  لأمريكا الشمالية والخليج وأوروبا ودول إفريقية .

أما الفئة العريضة من هذا المجتمع والتي يعجز غالبية أفرادها عن توفير نصف دولار في اليوم؛ فقد تُركت فريسة للأمراض الخطيرة والمزمنة.

وتظهر سجلات الاستشارات الطبية في الداخل وفي العاصمة انتشار الكثير من الأمراض المزمنة مثل: الفشل الكلوي وأمراض القلب؛ ناهيك عن انتشار الصرطانات بكل أنواعها.

ليس سرا أن علاج هذا النوع من الأمراض يحتاج لمبالغ لا يمكن لتلك الأسر الفقيرة الحصول عليها حتى ولو وفرت  كل مداخيلها  طوال أعمارها الافتراضية.

فهي بهذا المنطق أمام احتمالين : إما التسول بطريقة قادحة في المروءة أو الموت على أرصفة الألم وأمام أعين أصحاب القرار الذين يرون  في  ارتفاع نسبة الوفيات في الطبقات الفقيرة أملا في الحد من ثورات الجياع التي تشكل خطرا محتملا؛ لكنه لايستحق بالنسبة لهم التفكير في أي حلول .

لقد أدرك فخامة الرئيس حقيقة تلك الاختلالات فأنشأ "تآز"؛ وذلك للعمل على مقاربتين في آن واحد أولهما: تقديم مساعدات عينية شهريا  للأسر الأكثر فقرا لإنقاذها من الموت جوعا. وثانبهما توفير ضمان صحي لها وليس منح تأمين صحي ل 1000 أسرة يوم أمس سوى جزء من هذه الاستراتيجية الطموحة التي تمنح أملا في حياة أفضل للغالبية العظمى من هذا الشعب المحروم من ثرواته منذ عقود.

إن الرؤية التي تباناها رئيس الجمهورية في تآزر تشمل خارطة الفقر بكل تفاصيلها وتخرجها من أدبيات السياسة التي أصبحت مختصرة فيها  على أحياء الترحيل وملح والرياض ودار النعيم ...

صحيح أن بهذه الأحياء مواطنين يستحقون الدعم؛ لكنهم محظوظون لكونهم يعشون ضمن كثافة سكانية توجد فيها أغلب منظمات المجتمع المدني والمنظمات الخيرية؛  مقارنة بفقراء آدوابه والفركان من فصالة إلى كرمسين ومن لكويره إلى نجاكو؛ ومن تناهه إلى عين بنتيلي  الذين يعيشون عزلة تنعدم فيها كل الوسائل الضرورية  للحياة.

ثمة حقيقة قدر لايدركها الكثيرون وهي أن 87% من الأسر الموريتانية تكافح من أجل تحصيل قوتها اليومي؛ بمعنى أن حالات الطوارئ؛ لاقدر الله؛  لا يمكن أبدا أن تجد موازنة للتعامل معها؛ ولعل حظر التجوال الأخير بسبب جائحة كورونا قد أظهر تلك الحقيقة؛ حيث زاد عدد المتسولين وكثر الحديث في الأحياء الشعبية عن الأسر التي لم تعد تجد ما تقتات به.

بعيدا عن المزايدات السياسية وعن أساليب التلميع غير المنهجي؛ تبقى فكرة تآزر رائدة نتيجة لأسباب منطقية منها تسخير وسائلها للتعامل مع الظرفية واستجابتها لمطالب جوهورية تمس حياة المواطنين الأكثر فقرا؛ وستشكل نقلة نوعية في خدمة القئات الأكثر هشاشة  ان استطاعت تمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة لهم على المديين المتوسط والقريب؛ وتمكنت في الآن نفسه من تجاوز نظم المحسوبية التي وأدت كل مشاريعنا الطموحة رغم ميزانيتها الضخمة.

 

29. مايو 2021 - 14:29

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا