التعليم والكيل بمكيالين / د.يحي عابدين

لقد أظهرت وقفات المدرسين اليوم امام مباني الولايات والمقاطعات وحدة المدرسين أساتذة ومعلمين، وقد كانت وقفات حاشدة، أوصلت رسالتها للإدارة والسلطات العليا بضرورة حلحلة وضعية المدرسين المزرية في البلد، ذلك أنهم في أسفل الهرم الوظيفي رواتب وعلاوات وترقيات، مع أنهم أكثر العمال عطاء وتعبا ومكابدة في المدرسة وفي البيت.

إن على الوزارة أن تتحمل ضياع حقوق التلاميذ في التدريس طيلة إضراب هذا الأسبوع الذي أجمعت عليه كل نقابات التعليم وقامت بإخطار الوزارة به قبل شهر كما هو منصوص عليه في القانون.

إن تصامم الوزارة وسدها لباب التشاور مع المركزيات النقابية للنظر في عرائضها المطلبية الوجيهة والموضوعية، قد يضطر المدرسين لكل الخيارات المتاحة بما فيها سنة بيضاء.

ولكم ان تتذكروا ماسببه إضراب 2012 من سوء السمعة للبلد، وإلغاء مصداقية شهاداته، والالتزامات التي كانت بموجبها تتحمل بعض الدول منح مئات الطلاب، وذلك لما لاحظته من تكليف الإدارة لرجال من خارج القطاع بتصحيح المسابقات.

إن رسالة المدرسين المضربين اليوم وصلت، وكل منصف يدرك حجم المعاناة التي يتعرض لها المدرسون في كل شبر من أرض الوطن، في المدن والأرياف، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا طرق ولانقل، ولا وسائل تربوية من كتب ومقررات، مع انعدام شبكة الأنترنت، بل وشبكة الاتصالات عموما، وشح في وسائل الإيضاح من مساطر وطباشير.

إن غبار الطباشير الذي يستنشقه المدرس كل يوم في سبيل اصطباره على واقع مر، خدمة للوطن وأبنائه، وتربية للنشء، وبناء للعقول، أملا في حلم تكوين أجيال صالحة تحمل على عواتقها بسط العدالة والمساواة، وليس الارتهان إلى مكب نفايات النفس من حظوظها، والارتهان إلى ضعف همم أصحاب الحقوق، والضغط عليهم، فالضغط يولد الانفجار، وما أحداث التاريخ عنا ببعيد.

آن للمدرس وهو فرحا مسرورا ان يتنفس العدالة وهو يشاهد تلاميذه يتقلدون أعلى المناصب، وأن يكون للعلم هيبة وجلالا في عيون الناس، وأن ينال المدرس حقوقه بعيش كريم قوامه الكفاف والكفاف فقط.

لقد أزفت هذه اللحظة التي نجد فيها المكافأة بحسب الجهد، واي جهد فوق جهد تكوين الأجيال؟

إننا لانود الذهاب بعيدا لنقارن دولتنا بدول العالم الثالث رغم أنها غنية بثرواتها الهائلة من ثروة حيوانية بموجبها لدينا اكتفاء ذاتيا في مجال اللحوم، وشواطئ مليئة بالأسماك ومساحات زراعية تمتد لآلاف الهكتارات، ومعادن من ذهب وماس وفوسفات وحديد، والتي تعتبر موريتانيا ثاني دولة مصدرة لهذا الأخير عبر شركتنا العملاقة (اسنيم).

إننا مع كل ذلك لم نحتسب الضرائب والأتاوات وعوائد القطاع الخاص من مؤسسات في مجال التجارة والاستثمار والتجارة البينية.

كل هذا يجعلنا عاجزين ان نقارن أنفسنا بدول الجوار التي تمتلك مقدرات أقل، ولديها شعوب اكثر.

إننا ندرك حق اليقين ان الغاز الذي نحلم به، ومانمتلكه من آبار نفطية، لن يغير من واقع المواطن ولا الطبقة المتوسطة، مادامت سياسة الدولة تنتهج المحاصصة في الرواتب لأصحاب السلطات الثلاث، والمحاصصة في التعيينات باعتبار الولاء السياسي والاجتماعي (النسب والشرف) أهم من الكفاءة والمواطنة والمهنية.

إن ظلال السياسة العرجاء في مجال التعليم ستظل متواصلة مالم تتخذ السلطات العليا إجراءات صارمة وجريئة وسريعة في حق فئة مظلومة ومضطهدة ومقهورة في وطن يزخر بالخير والنماء.

إن أربعة ملايين نسمة، يعمل منها بالوظيفة العمومية حدود اربعين ألف عامل، يمتلك منهم حدود ألف عامل رواتب البقية، هي دولة تكيل بمكيالين (ارفود اعل لخله)، ولن يستطيع أحد

ان يقنعنا بعدالتها ومساواتها مادامت مصرة على هذه العقيدة، وتنتهج هذا النهج، بتسيير أبنائها البررة، إخوتنا الظلمة:

 

وظلم ذوي القربى اشد مضاضة@

على النفس من وقع الحسام المهند

 

 

31. مايو 2021 - 20:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا