كلمة الإصلاح هذه المرة ستتوجه إلى الحرب في مالي ولكن بطريقة سلمية لتناقش وتوجه وتشرح أبعاد تلك الحرب التي لم تبدأ اليوم ولكنها انتفاضة تحررية بدأت سنة1961 بعد استقلال جمهورية مالي مباشرة وقام بها آنذاك الشعب الأزوادي بأكمله عندما تحكمت أكثرية نسمات وأقلية أرضا وخيرات في أقلية نسمات وأكثرية أرضا وخيرات وقامت الأولى باحتكار جميع مناحي الحياة في الدولة سياسيا واقتصاديا وثـقافيا...الخ .
ومنذ ما بعد الاستقلال والحرب والمناوشات لا تهدأ في شمال مالي بين الحكومة الجنوبية والشعب الأزوادي في الشمال.
وقد أسفرت تلك الحروب والمناوشات عن كثير من المآسي من القتل والتشريد في حقوق سكان الشمال ولم تحرك ــ آنذاك لأجل تلك المآسي أي دولة إفريقية ولا أوربية ــ ساكنا في الموضوع والجميع ما زال يتذكر أنه في سنة 1992 وقعت مذابح وتشريد وصل فيها إلى موريتانيا 120.000 لاجئ دخلوا الأراضي الموريتانية مثخونين من الجراح ومسلوبي جميع الممتـلكات.
وبعد كثير من التفاوض بين الحكومة المالية والجبهات التي تكونت آنذاك لطلب الاستقلال أو الاستقلال الذاتي عن جمهورية مالي الجنوبية أسفر ذلك التفاوض عن كثير من الوعود بالإصلاحات والشراكة في الحياة الوطنية وكانت دول الجوار مثل: الجزائر وموريتانيا وليـبـيا هي الوسيط في تلك المفاوضات، ولكن الحكومة المركزية في مالي لم تـقم بأي خطوة إلى الأمام في شأن الإصلاح والاشتراك الفعلي للشمال ولو بحضورهم الفعلي في الإدارة فوق أرضهم ولم تـنـفذ التزاماتها التي التزمت بها أمام تلك الوساطــــة.
وبما أن الجيش المالي لا يحسن مقابلة الرصاص بالرصاص ولكن يحسن قـتل الأبرياء العزل بوحشية لا دين فيها ولا إنسانية كما فعل بجماعة التبليـغ الدعاة العزل، فإنه في الآونة الأخيرة عندما علم أن الجبهات الأزواديـة التي كانت تطالب بالاستـقلال، حصلت على بعض التسليح من أحداث ليـبـيا وثورتها فإن الجيش لم ينـتـظر المفاوضات ولكنه انسحب دون عتاده فورا بمجرد أن رأي الأزواديـين يحملون السلاح.
وقبل هذا الانسحاب من مدن الشمال كانت الإدارة والقوة المالية في الشمال تعلم أن هناك حركات تـنـسب إلى القاعدة وتسمى نفسها القاعدة في المغرب الإسلامي تنشط خارج المدن وتبحث عن الأوربـيـين لخطفهم لتساعد بذلك القاعدة في نظامها العالمي، إلا أن الجيش المالي لم يكلف نفسه بملاحقة حركة القاعدة بل تركها تـنـشط كما أرادت فهو لا يستطيع مجابهة أي مسلح.
أما الجبهات الأزواديـة الاستـقلالية فهي التي دخلت المدن ولكن بمجرد ظهورها في المدن بسلاحها ترك الجيش المالي الشمال لأنه من الآن وكما كان وإلى الأبد لا يستطيع بمفرده مجابهة الأزواديـيــن إلا إذا كانوا عزلا من السلاح فهو يحسن عندئذ قـتـلهم بلا رحمة وتشريدهم وسلب أموالهم بدون أي عاطفة ديـنــية أو وطنية.
ونظرا إلى أنه من الصدفة أن الجبهات الأزواديــة المتكونة من الحركات الاستـقلالية من شعب الطوارق وحركة الجبهة الإسلامية العربية المتكونة من الجنس العربي الناطق باللغة الحسانية والذي هو في الواقع امتداد للشعب الموريتاني لغة ونسبا كل هذه الجبهات التي كانت تطالب بالاستـقلال عن جنوب مالي عندما مكنها الله في الأرض وهي جميعها تدين بالإسلام أرادت إقامة حدود الله فوق أرض الله على عباد الله وسمت نفسها بأنصار الدين ، وهناك مسميات لها أخرى مثـل: أنصار الشريعة...الخ.
وهي التي كانت تتوسط لها دول الجوار موريتانيا والجزائر بالحل السلمي بينها والجنوب على أساس إعطاء حكم ولو ذاتي لها فوق أرضها، وعندئذ سوف تكون لها الكلمة والقوة التي تمكنها من الدفاع عن نفسها فوق أرضها وإخراج كل دخيـل فوق أرضها لم يلتزم بأفكارها وبمسالمة جيرانها وعندئذ تــقوم بتــنمية شعبها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا،
إلا أنه مع الأسف فإن تسمية بوش أمريكا للقاعدة التي كانت تحارب أمريكا لمساندتها لإسرائيل على جرائمها في فلسطين بالإرهاب أصبحت جميع الدول بما فيها الدول الإسلامية تسمى أي حركة إسلامية تطالب بالاستـقلال بالإرهابـيــين ولا سيما إذا طبقت تلك الحركة حدود الله فوق الأرض التي تسيطر عليها كما فعلت جبهة أنصار الدين وكما هو مطلوب من كل مسلم مكن الله له في الأرض.
وبما أن الأوربيــين صنفوا إقامة حدود الله بأن ذلك عمل إرهابي فقد ظهر في ذلك صدق حديث النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين الآن و ذلك عندما قال صلى الله عليه وسلــم: "ستـتبعون سنـن الذين من قبـلـكم شبـرا بشبـر وباعا بباع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" فمساعدة أي مسلم الآن ولو برضاه بما تـفعل فرنسا بالمسلمين هو تصديق لذلك الحديث.
فإن تداعى الأوربيـين الآن لتحرير شمال مالي من قبضة أبنائه المسلمين الذين حاولوا على امتداد عشرات السنين تحرير أنفسهم من سيطرة حكومة لا تقوم لهم وزنا ولا تشاركهم في أي حياة يحياها البشر الآن فوق أرضه ــ لهو دليل على أن حرب فرنسا على شمال مالي لا أقول صليـبـية لأن رئيس فرنسا الآن لا دين له بل رئيس إباحي سيجعل عن ما قريب قضية اللواط والسحاق ضمن قوانيـنه المعمول بها، وإنما أقول إنه حقد أوربي على الإسلام مطبقة أحكامه على الأرض وقد اتبع سنـنهم في ذلك كثير من الدول الإسلامية وأحزابها وأفرادها.
فلو كان المحرك لفرنسا وأوربا باتجاه تحرير شمال مالي هو قطع جزء من أرض دولة مستـقلة ذات سيادة فلماذا لا يتوجهون إلى قمع ثوار الباسك على إسبانيا وإيرلندا الشمالية على بريطانيا وثوار وسط إفريقيا والكونكوا الديمقراطية على دولهم.
وإنما المحرك الرئيسي لتلك الدول الاستعمارية هو استمرار نهب خيرات تلك المنطقة والإجهاز على أي حركة إسلامية أصحابها يرجون رحمة الله ويخافون عذابه.
ومن المهازل في التفكير الإسلامي أو الرضي بحكم الله أن تقوم هيئة أو جماعة أو حزب أو فرد يسرد النصوص الإسلامية الواردة في قـتال أصحاب الغلو والتطرف والحرابة في بغاة المسلمين على إباحة هجوم الفرنسيــين بطائراتها وقـتـل أبرياء المسلمين فوق أرضهم ومناصرتها لجيش دولة يعلم الجميع علم اليقين أنه لا يعرف إلا قـتـل الأبرياء وسوف يظهر ذلك للعالم عن ما قريب أن كثيرا من الأرواح البريئة أزهقت وكثيرا من الحرمات انتهكت وإن غدا لناظر ذلك لـقريب، وهؤلاء المستدلون بالنصوص الإسلامية في الموضوع لم يحققوا المناط الذي استدلوا به على نفس القضية المطروحة في الحين.
فصحيح أن أصحاب الغلو والتطرف والحرابة على المسلمين يجب على المسلمين القضاء على كل ذلك الانـحراف ولكن بالإسلام وعتاد المسلمين والقائم بذلك لا يخاف في الله لومـة لائـم في الدنيا ولا في الآخرة.
فمعلوم من النصوص القرآنية أن الشيطان عدو للمؤمنين وسوف لا يترك أي حركة إسلامية تحاول تطبيق ما جاء في القرآن والسنة سواء كان جهادا أو إقامة حدود أو نشرا للعدالة الإسلامية بإقامة تربية إسلامية تعين على ذلك إلا وأجلب الشيطان عليها بخيله ورجله وشاركهم في الأموال والأولاد ووعدهم حتى يخرج ما استطاع منهم عن الطريق المستقيم الذي أقسم ليقعدن لهم عليه حتى لا يوجد أكثرهم شاكرا لله.
ولا شك أن تـنـظيم القاعدة الذي بدأ تــنظيمه بمجابهة إسرائيل ولو على المدى البعيد قد دخل الشيطان في قـلب كثير من مفكريه ومنـتـسبــيه حتى أباح لهم بذلك التـفكير الفاسد كثيرا من ما حرم الله وارتـكـبوا بذلك كثيرا من الموبقات من قـتـل الأبرياء وتكفير المسلمين واختطاف الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين.
ومن بين ما عرف من الإسلام بالضرورة أن قـتـل البريء سواء كان مسلما أو غير مسلم من ما حرمه الله تحريما لا يمكن إباحته من أي وجه.
فالجماعة المنسوبة للقاعدة التي أباحت لنفسها قـتـل حامية لمغيطي وغيرها من الجنود الموريتانيين في حين أن موريتانيا لم تـقم بأي تحرك ضد القاعدة آنذاك فقد كانوا يدخلون ويخرجون كما شاءوا بأي نص إسلامي سوف يلقون الله به وهم يحملون على ظهورهم دم أولئك الجنود الأبرياء.
وكذلك كما كنا نسمع في الجزائر من نصب كمائن مزيفة على الطرق وتصفية جميع الركاب من رجال ونساء وأطفال أبرياء، والله إن هذا لمن عمل الشيطان إنه عدو مضــل مبــيـــن.
ولكن بالمقابل فأين تضع الدول الإسلامية نفسها الآن بمواقـفها العدائية من كل ما يسمى بالقاعدة أو بالمجاهدين وهم يخوضون الحروب ضد أعداء الله في أفغانستان وباكستان واليمن وقد تألب عليهم جميع دول الكفر وهم مسالمون لها.
فلماذا جيوش جميع الدول الأوربية فرنسا ـ ألمانيا ـ انكلتراــ إسبانيا ــ الدانمارك إلى آخره تـقـتل الأفغانيـين بسبب أنهم آووا جماعة القاعدة التي هاجمت أمريكا ظنا منها أن ذلك سيثـنيها عن مساندة إسرائيل عسكريا وسياسيا...الخ ولم يهاجموا آنذاك أي دولة أوربية فلماذا لا تقوم الدول الإسلامية بالتفاوض مع كل حركة إسلامية تحمل فكرة الجهاد لتـناقش معها الموضوع حتى تـفرق بين من منهم على الحق ومن أضله الشيطان عن الطريق المستـقيم فتعين الأول وتـقيم الحدود في الثاني ولا تـتـرك الأوربيـين هم الذين يقـتلون الجميع والله يقول (فلنسـألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين، فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين، والوزن يومئذ الحق... الخ).
وخلاصة كلمة الإصلاح هذه هو ما يلي:
أولا: أن حرب فرنسا في مالي ليست حربا على القاعدة وإنما هي حرب على إنشاء شعب مسلم لدولته الإسلامية فوق أرضه.
ثانيا: على الدول الإسلامية أن تترك الخلط بين الغلاة المتطرفين وبين المجاهدين بأموالهم وأنفسهم، كما قال تعالى (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين...الخ).
ثالثا: فليعلم رؤساء الدول الإسلامية أن عدم تطبيق حدود الله لا ينفع في تبعتها يوم القيامة قانون حقوق الإنسان الدنيوي لأن ذلك القانون يحفظ للمجـرم حقوقه وهو لا حق له ويترك حقوق الضحية سواء كان فردا أو جماعة أو دولة،والله يقول للمسلمين (تـلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون).
الأستاذ / محمدو ولد البار