يعيش قطاع التعليم في بلادنا هذه الأيام على وقع أزمة كبيرة؛ بين الجهاز الإداري الوصي فنيا على تسيير القطاع وبين رحى التحصيل في الميدان ممثلة في هيئة التدريس المُؤطَّرة في حراك نقابي يرسم صورة بكرا في الساحة التربوية؛ ترى ما الذي أدى إلى بلورة هذا المشهد؟، وما الذي طرأ بعد الاعتبار الطيب الذي أعربت عنه النقابات في لقاءاتها الأولى مع وزير التهذيب أيام كان جسم الوزارة برأسين؟، وهل كان التقويم هو القشة التي يراد منها أن تقصم ظهر البعير؛ وهل مازال بالإمكان أحسن مما كان؟ وهل ما تقوم به النقابات مجرد تشويش على مسار حسن ينتشر حوله الضياء؟ أم أن الحراك مشروع ومدعوم بقوة تماسك تتمزق أمامها حبال السيطرة يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة؟.
لقد بدأ وزير التهذيب الوطني تسييره للقطاع بانفتاح كبير على الشركاء التربويين وفي طليعتهم النقابات وولّد ذلك ارتياحا كبيرا؛ كان يجب استغلاله أحسن استغلال ليس من طرف الوزير لوحده؛ بل يتوجب ذلك على كل عناصر الإشراف والتسيير والتأطير، الشيء الذي كان بإمكانه أن يكون وقود التناغم المفقود الآن بين الوزارة وهيئة التدريس، وما كان ليكون ذلك لولا تقليل بعض هذه العناصر من قيمة وأهمية الإخطارات وكل شرارة أدت في ما بعد إلى تعميق الهوة وزيادة الشرخ...
ولقد كانت هناك طرق سهلة وعديدة لإجراء التقويم بصورة لا يعتبرها المدرسون منقصة ولا تخدش عندهم القيمة المصانة لمن كاد أن يكون رسولا، ولعل أقرب هذه الطرق للأذهان وأيسرها تطبيقا في الميدان؛ أن يُباشر كل مفتش في قطاع وبإشراف وتوجيه من مفتش المقاطعة ومتابعة؛ طبعا من المدير الجهوي؛ تأطيرا شبه روتيني كالذي يحدث كل سنة اعتمادا على متابعة تقديم دروس في القسم؛ وتقييم ذلك من خلال استمارة تُستحدث فيها جوانب تحقق كشف المطلوب ويُشفع التأطير بأسئلة استكشافية يَظهر بجلاء معها المستوى وتتحدد تبعا لها الحاجة من التكوين؛ وتبقى القداح مرتبة كما كانت..
إنه مما لا يخفى على أحد أن خطوات كثيرة وإيجابية حدثت في قطاع التعليم وهناك أحسن بكثير ينبغي أن يرى النور، وطبعا مازال بالإمكان أحسن مما كان، فمثلا في إعلان فخامة رئيس الجمهورية لتعميم علاوة الطبشور لتشمل مديري المدارس ومضاعفة علاوة البعد، كان بالإمكان أن تكون الوزارة قدمت مقترحا لزيادة الراتب على غرار ما حصل يومها لوزارة الصحة ووصل لثلاثين في المائة؛ وما كنا لنكون أمام هذا المشهد لو أن شيئا مشابها حصل، التعليم هو الباب الأول الذي تُصلح منه الصحة، وهو سياج الأمن الآمن، وهو رافعة الاقتصاد الذي لا يقوم سويا على غيره، وهو مُذيب الفوارق الاجتماعية، وطارد مخلفات العبودية، وهو ترياق التماسك الاجتماعي.
أعتقد أن الوزير يحمل روحا طيبة توّاقة لإصلاح قطاعٍ ظل عصيا على الاستقامة، لكنه يحتاج الدعم والمؤازرة من الجميع وأولهم النقابات ومن يتحركون تحت ظلها؛ وما زال ذلك ممكنا، يحتاج فقط لأن يكون التلاقي بين الوزير والنقابات على طاولة واحدة يُزينها الصفاء والاستعداد للعمل المشترك خدمة الوطن؛ ولا يُشترط لذلك عدم المطالبة بالحقوق المشروعة بقدر ما يحتاج إلى استماع كل طرف للآخر؛ إيثارا على أي همسٍ قد ينفثه منتفع خفي يكون حقا هو التشويش بعينه وإن استحوذ على قناع عاكس للحقيقة!.
أرجو أن يحصل التلاقي المثمر بين الوزارة والنقابات وأن لا نضطر إلى تدخل جهات أرفع تنتهي بحتمية تدخل فخامة رئيس الجمهورية، كما أرجو أن لا تزداد معاناة الطفل بتقطع الدراسة من حين لأخر؛ فيكون كالحشيش بعد عراك الفِيّلة..
يتبع..