ميلاد الرسول محمد: ميلاد أمة وقيام دولة / خالد ولد إسلم

من الواضح من حيث الأدلة الشرعية أن ميلاد رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس عيدا .
ولكنه ذكرى عظيمة وحدث كبير أعظم واهم من جميع الأعياد ,لأنه ذكرى ميلاد أفضل الرسل وأكرم الأنبياء وخاتمهم وسيد المتقين وإمام الصالحين والمُصلحين .

إن ميلاد حبيبنا وقدوتنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وبعثته إلى الناس أجمعين هي أفضل النعم وأجلها علينا وعلى الناس بعد نعمة نزول القرآن الكريم , ,وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث مَن كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان:أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما, وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ,وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).فيجب أن نحب نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ونفرح به ونتبعه وننصره في كل زمان وفي كل مكان .
إن نزول القرآن المجيد وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم القدوة الصالحة والأسوة الحسنة هي التي أنقذ الله بها العالَم كله من ظلمات الجهل وأنواع الظلم .
في عام ولادته عليه الصلاة والسلام أهلك الله أصحاب الفيل الظالمين المجرمين المتكبرين الذين حاولوا هدم الكعبة بيت الله الحرام .
وفي لحظات الميلاد النبوي الشريف انبعث نور عظيم من أمه آمنة بنت وهب أضاءت له قصور الشام وغاضت بحيرة ساوة و انهدمت شرفات عديدة من القصر الملكي لإمبراطور الفرس وانطفأت نار المجوس الملعونين فجأة ...
إنها أحداث عظيمة واكبت وصاحبت ميلاد أفضل الرسل وسيد المتقين تدل على أن ميلاد محمد بن عبد الله عليه صلوات الله وسلامه إيذان بأن البشرية والعالم كله سيحدث فيه تحول كبير وتغيير جذري , فهذا الرسول الخاتم بعثه الله إلى الناس كافة وليس إلى قومه خاصة 00
وحينما نزل عليه أول الوحي المبارك وأمره الله تعالى بالقراءة وتبليغ الدين الحق للناس: قالت له زوجته الشريفة الطاهرة أمنا خديجة بنت خُويلد رضي الله عنها :(والله لا يُخزيك الله أبدا إنك لتحمل الكلّ وتكسب المعدوم وتصل الرحم وتعين على نوائب الحق ) وقال له ورقة بن نوفل (وكان شيخا كبيرا على ملة إبراهيم):(هذا الناموس الذي نزل على موسى ...ياليتني كنت جذعا لأنصرك إذ يخرجك قومك ,قال أوَ مخرجيَ هم ؟ قال نعم ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا كذبه قومه وأخرجوه ...).
وكانت هاتان الشهادتان العظيمتان من خديجة بنت خُويلد وورقة بن نوفل دليلا واضحا على أن قومه عليه الصلاة والسلام الذين عاش بينهم وعاملهم يشهدون له بالصدق والأمانة والعفاف والطهارة في أكمل صُورها , وبالتالي فالقرآن الذي بدأ ينزل عليه هو وحي الله الدال على اختيار الله لمحمد ليكون أشرف الرسل وخاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
أولا:ميلاد الرسول محمد ميلاد أمة متميزة :
وبالفعل وفور نزول القرآن الكريم عليه شرع النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى الإسلام ويبلغه للناس كلهم ,سواء أهل بيته الشريف أو أصحابه وأصدقاءه أو أقاربه أو جميع من حوله فعرض نفسه والحق الذي عنده على قومه وعلى القبائل من حوله لأنه يعي ويدرك تماما أنه رسول الله إلى الناس أجمعين ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
في البداية عارضه الكثير من قومه وأهله خصوصا كبار القوم وزعماؤهم ,وآمن به وصدّق به وعمل معه جماعة قليلة أغلبها من المستضعفين ,ولكنها جماعة قوية الإيمان راسخة اليقين , ظاهرة التقوى جاهزة ومستعدة لكل أنواع العمل والتضحية لنصرة الإسلام ونشره وحماية نبيه والدفاع عنه حتى يبلغ الرسالة ويؤدي الأمانة وينصح الأمة ...
وأخذت الجماعة المسلمة المحيطة بالرسول صلى الله عليه وسلم تنمو و تتزايد تدريجيا وكانت تضم بين صفوفها كافة أنواع المجتمع وخصوصا المستضعفين والمظلومين من العرب والعجم 

والعجيب المدهش المؤثر أن كل من دخل في الإسلام من الرجال والنساء والشباب يبدأ فورا في المشاركة الفعالة في الإصلاح والدعوة إلى الله وتبليغ الدين ,فهْما منهم للواجب والحقيقة ومؤازرة منهم لأفضل الرسل في تيليغ رسالته وأداء أمانته ,(الدين النصيحة) ... 
وتدريجيا تكونت الأمة المسلمة الجديدة بعد عمل دعوي وتربوي وإصلاحي جاد طال الفترة المكية والهجرتين إلى الحبشة والبيعتين في العقبة والهجرة إلى المدينة لتبدأ مرحلة إقامة الدولة بعد البيعة والهجرة .

ثانيا: ميلاد الرسول محمد : قيام دولة
قامت الأمة المسلمة التي تضم جميع الناس من المسلمين الصادقين المتعاونين على البر والتقوى والذين لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالعلم والعمل الصالح والتقوى ,واكتمل بناء هذه الأمة الصالحة بالهجرة إلى المدينة المنورة حيث شرع النبي صلى الله عليه وسلم في تكوين وإقامة الدولة الإسلامية الأولى على أركان وأسس واضحة ومتميزة هي :القيادة النبوية الرشيدة ,والتشريع القرآني وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ,كدستور ونظام قانوني لهذه الدولة ,وصحيفة المدينة(التي ضمنت حقوق جميع مواطني هذه الدولة من مسلمين ويهود وغيرهم)...وقامت هذه الدولة على أرض المدينة والجزيرة العربية و....ومجلس الشورى فيها هو أجلاء الصحابة وخيرتهم مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد بن معاذ وسعد بن عبادة وسلمان الفارسي وبلال بن رباح رضي الله عنهم ,كما قامت على نظام المؤاخاة بين الجميع ,والارتباط الوثيق بالمسجد عبادة وتعلما ودعوة وجهادا ...وكان لها جيشها الذي يفتح البلاد ويحمي العباد من الظلم والطغيان .

وهذه الدولة الإسلامية التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفه في قيادتها خلفاؤه الراشدون قامت على التوحيد والعلم والعدل والمساواة والرحمة وفعل الخيرات وترك المنكرات, والعمل للدنيا والآخرة ومحاربة الجهل والظلم والفقر.., , (من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدين) (متفق عليه), ..

فقامت هذه الدولة المباركة على تطبيق الإسلام الشامل عقيدة وتشريعا وأخلاقا وعبادات ومعاملات في جميع مجالات الحياة , وفي السلم وفي الحرب وفي المعاهدات والمواثيق : ,. واستطاعت الدولة الإسلامية أن تقمع الشر وتنشر الخير في بقاع واسعة من العالَم ,حيث أسقط المسلمون المتقون المجاهدون أعتى الدول وأكثرها ظلما وفسادا في ذلك العهد وهي مملكة الفرس وإمبراطورية الروم ,ودخلت أغلب شعوب البلاد المفتوحة في الإسلام وتحررت من الشرك والظلم بكل صُورهما .

وامتدت الدولة الإسلامية إلى مناطق جديدة في العراق والشام ومصر و الأندلس وإفريقيا وآسيا وأوروبا لتقوم الحضارة الإسلامية الإنسانية الشاملة التي جمعت بين الإيمان والعمل والعلم والعدل والحرية والكرامة والسياسة والثقافة والاقتصاد والأخلاق في تكامل وإبداع استفادت منه البشرية كلها حتى النهضة الأوروبية الحديثة باعتراف بعض رموزها ومفكريها. 
إن ميلاد الرسول محمد كان حقا ميلاد أمة وميلاد دين وميلاد حضارة ,نحن مدعوون جميعا –لأننا مسلمون – للعودة إليها والعمل للإسلام وبالإسلام من جديد في شموله وكماله وعلمه وعمله وعدله ورحمته ,ومنعه للظلم ومقاومته للظالمين والكافرين المعتدين فالإسلام وحده هو الحل وطوق النجاة من الجهل والفرقة والتخلف والمذلة .

 

 

الأستاذ: خالد ولد إسلم

 

30. يناير 2013 - 22:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا