في يوم الصمت الإنتخابي، غداة الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية لسنة 2007 ، كنت في طريقي إلي تكانت للإدلاء بصوتي. كنت يومها مستشارا مكلفا بالاتصال في ديوان المغفور له بإذن الله اعلي ولد محمد فال، رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية ، رئيس الدولة حينها - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته- ولم يكن معي غير السائق ، وفجأة رن هاتفي وإذا بالمتصل يقول:
أنا فلان من هيئة الإذاعة البريطانية BBC (وكنت أعرفه) نحن على الهواء مباشرة وأريد منكم ، سعادة المستشار ، الرد على بعض الأسئلة اذا كان ذلك ممكنا ! قلت له تفضل ، على الرحب و السهل
قال: غدا يتجه الناخب الموريتاني إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس للبلاد من بين تسعة عشر مرشحا، فمن تظنونه سيفوز في هذه الانتخابات؟
قلت انا لا أظن أنا أجزم أنه فاز بالفعل وأعرفه حق المعرفة
قال بنبرة استغراب وتعجب: كيف؟ من هو؟
قلت: انه الشعب الموريتاني؛ نعم يا صديقي العزيز، لقد فاز الشعب الموريتاني في هذه الانتخابات، فازت مؤسساته وهيئاته واحزابه وقواه الحية والتقليدية .
قال: هلا شرحتم ما تقصدون من فضلكم
قلت: لقد فازت المؤسسة العسكرية عندما انتشلت البلاد من حافة الهاوية وامنتها وعدلت الدستور وأصدرت الترسانة القانونية الضرورية للممارسة الديمقراطية السليمة وأشرفت على تنظيم انتخابات شفافة يشارك فيها الجميع ويرضى عن سيرها الجميع ، دون أن تكون طرفا فى ذلك ودون أي طموح ظاهر غير المصلحة العامة وترسيخ أسس الديمقراطية التعددية الحقة.
وفازت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى عندما تعاطت بإيجابية ومسؤولية مع خارطة الطريق المتفق عليها وشاركت بفعالية فى تعديل الدستور وإعداد النصوص القانونية وتنظيم العديد من الحوارات واللقاءات فى جو طبعته المسؤولية والديمقراطية وتقبل الآخر والاستعداد للتنازل فى إطار الصالح العام . ثم أدارت حملات انتخابية كانت بحق ميدانا لصراع البرامج والافكار مع التحلي بالمسؤولية وتقبل الآخر والحفاظ على السكينة العامة والحرص على الاستقرار.
وفوق هذا وذاك فاز المواطن الموريتاني وبرهن على نضجه ووطنيته عندما تعاطي مع هذه التجربة -التي بلغت أوجها إبان صخب الحملة الانتخابية - بحماس طبعه الهدوء والسكينة. لاحظ اخى ان هذه الحملة ، رغم ما اتسمت به من حرية وشفافية، مرت والحمد لله بسلام دون تسجيل أي حادث من أي مستوى كان.
فبكلمة واحدة ، فاز الشعب الموريتاني، فازت موريتانيا.
قال: هذا كلام سياسي بامتياز، وأعرف انكم فى الرئاسة تعلنون الحياد.
قلت: هذه قناعتي وقراءتي للواقع ، فموريتانيا فوق كل اعتبار .
لقد اردت ان أعيد سرد ما تذكرت من هذه المكالمة، لأقول إن قناعتي لم تتغير وقراءتي للمشهد لم تتبدل ورأيي فى تلك الانتخابات هو رايي في هذه الانتخابات والفائز من وجهة نظري هو نفسه: إنه الشعب الموريتاني.
فبغض النظر عن حساب النصر والخسارة على مستوى الأحزاب والأشخاص، فإن الشعب الموريتاني قد فاز حيث برهن على نضجه وجدارته بالديمقراطية الحقة واهليته لممارستها حسب قواعد اللعبة.
فاز جيشه المغوار البطل وقوات امنه الباسلة في تأمينه داخليا وخارجيا ما جعله يشعر بالطمأنينة والأمان ويمارس حقه المدني بثقة وثبات.
فازت نخبته السياسية حيث استطاعت تاطيره وتوجيهه وعرض برامجها الانتخابية بمسؤولية وتحت سقف الوطن.
فهنيئا للجميع، هنيئا لموريتانيا .
والى مزيد من الاستقرار والتنمية والديمقراطية.