إن ممارسة الإجراءات المنصوص عليها في القانون والتي تكفل حق الإضراب المضمون بموجب الدستور الموريتاني هو حق معترف به للنقابات ذات الشخصية المعنوية المحددة بدقة في القانون لكن في المقابل هناك واجب يجب التوقف عنده ونظرا للأهمية القصوى للعملية التعليمية فإنه ليس من المقبول تعطيل العمل في المؤسسات التعليمية التي تعد مرافق حيوية للدولة فالمدارس العمومية التي يعتبر جل مرتاديها من الطبقة الهشة في المجتمع يتحمل الجميع الدولة ممثلة في وزارة التهذيب والنقابات التعليمية مسؤولية جسيمة مشتركة في ضمان استمرارية عطائها فمن غير المعقول أن يستمر الضمير النقابي في سباته العميق في الوقت الذي يقاطع فيه المدرسون المدارس العمومية ويحرصون كل الحرص على عدم تفويت دقيقة واحدة من جدولهم الزمني في التعليم الخصوصي إن هذه الوضعية غير سوية وتتطلب تفكيرا جديا ومراجعة عاجلة للقوانين المنظمة لحق الإضراب فممارسة هذا الحق دون ضوابط قد لا قدر الله ينتج عنها فساد عظيم لا قبل للمجتمع بتحمله.
إن التعليم اليوم إن لم ننزله منزلة القطاعات التي يمنع فيها الإضراب بشكل كلي فأضعف الإيمان أن ينزل منزلة القطاعات التي يكون فيها الإضراب وفق مسطرة تلزم الجهات المضربة بالحفاظ على المستوى الأدنى من مزاولة المرفق العمومي لوظيفته كما هو الحال في قطاع الصحة فلا يعقل ولا يقبل أن يكون الإضراب وسيلة لتعميق الشرخ الاجتماعي كما هو حاصل فطبقة أبناءها لا تقصير في حصولهم على حق التعليم وطبقة اجتماعية أخرى هشة أبناءها يعتبر تمتعهم بحق التعليم محل مساومات سياسية أو مزايدات وظيفية.
إن المعلمين ينوء كاهلهم بكم هائل من المطالب التي يسعون لتحقيقها من خلال التفاني في العمل والتضحية والنضال بطرقه القانونية المختلفة وقد وجدوا أخيرا أذن صاغية وقلبا واعيا وإرادة جادة وأفقا واعدا لتحقيق تلك المطالب وفق استراتيجية محكمة تتوخى تثمين مهنة المدرس وفق نظم ومعايير شفافة وهم واعون ومقدرون لحجم التحديات التي ستواجه مسار الإصلاح والمطبات والعراقيل التي ستعترض سبيل تحقيقه الذي هو خلاص المعلمين من دوامة الظروف المادية والمعنوية الصعبة واليأس من الإصلاح والاستسلام للإهمال وازدراء المهنة وهي أفات تخلصوا منها للأبد بفعل تلاقي وتلاحم إرادة الإصلاح والوفاء بالعهد لدى رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مع رغبتهم وتطلعهم واستعدادهم التام للمساهمة في انتشال قطاع التعليم من الوضعية التي كان فيها إلى وضعية أحسن وتتحسن باضطراد أتحدث هنا عن فئة متنامية أمنت بالإصلاح وزادهم تشبث به ما لمسوا لدى معالي وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي السيد محمد ماء العينين ولد أييه من عزم وحزم وصدق وإخلاص يحفهما بإذن الله توفيق وسداد.
إن المعلمين الميدانيين قد قطعوا على أنفسهم عهدا أن لا يكون أبدا وقودا لطموحات شخصية لدى أفراد وجماعات معروفة ومطية لأولئك الذين تسللوا تحت جنح ظلام التسيب من قاعات الدرس وتوجهوا لممارسة أعمالهم الخاصة دون الحصول على سند قانوني لتفريغهم ومن عكر الإصلاح مزاجهم بعد سنين عجاف كانت فيها الحقوق ( التحويل , الأرقام الوطنية , التبادل , لمُّ الشمل .... إلخ ) بالمقابل ولمن يدفع أكثر فأين كان من يفترض فيهم التشهير بهذه الممارسات ومواجهة أصحابها ولماذا أمضوا سنوات على وضعية الصامت, لأسباب معروفة فقد كانوا مجرد سعاة بريد أو بعبارة أكثر دقة يلعبون دور (سماسرة) في تلك العمليات المشهودة وها هو الجمع من هؤولاء وأولئك يتصدر المشهد دفاعا عن تلك المصالح الضيقة التي يعترفون على أنفسهم أن الإصلاح المقام به صار خطرا محدقا بها, حيث لم يعد ممكنا مع الإستراتجية الجديدة لعقلنة ورقمنة تسيير المصادر البشرية إبقاء العناصر المتخفية في الثوب النقابي وتلك المختفية والمحمية من لوبيات الفساد البائدة محسوبة على قطاع لا تقدم له أية خدمة وتشكل عبئا ماليا على موارده, واليوم ويا للمفارقة أصوات المستفيدين من تلك الوضعيات السابقة هي الأكثر ضجيجا وجعجعتا ضد الإصلاح .
لقد تحول الإضراب بفعل تضافر تلك العوامل السلبية السالفة من كونه حق مشروع يضمنه الدستور الموريتاني وينظمه القانون إلى مسار يفتقد النضج النقابي فالإضراب يجب أن يتوفر فيه شرط عدم الإضرار بالمصلحة العامة وهي هنا متعلقة بحق أساسي ومقدس لأجيال المستقبل تكلفة المساس به باهظة بالنسبة لتحصيلهم الدراسي في عام دراسي مثالي إنشاء الله عدى عن أن الإضراب يتسبب في تعميق الهوة بين المستهدفين بعملية التعليم ويخل بمبدأ المساواة في هذا الحق والذي يعتبر جوهريا وأي إخلال به سيوسع دون شك الفوارق بين المتمدرسين بتالي فإن وقفة متأنية مع الحق والقانون والضمير كفيلة بأن تعيد الأمور إلى نصابها وبالعودة بالجميع إلى جادة الصواب ولن يكون ذلك دون تغليب العقل على العاطفة وعدم الانسياق وراء انفعالات غير منضبطة يغذيها شحن موجه سياسيا على وسائل التواصل الاجتماعي.
إن إضرابا غايته هي إرسال رسالة واضحة على القدرة على عرقلة عملية الإصلاح وليس وسيلة لتحقيق مطالب مهنية واضحة سيكون مجرد وقت ثمين مهدر في لحظة تاريخية تستوجب جدا واجتهادا وتوحيدا وتكثيفا للجهود من أجل بلوغ مرامي الإصلاح.
إن على القادة النقابيين التمتع بمستوى عالي من المسؤولية والروح الوطنية وعدم تضييع حقوق المعلمين بالانشغال عن الحوار مع الوزارة في معارك وهمية فالإضراب في الوقت والظروف الراهنة فكرة في غير محلها مادامت الوزارة جسدت رغبتها في الجلوس على الطاولة باستدعائها للنقابات وسعيها لوضع إطار تشاوري دائم معها والذي سيكون قيامه تحول هام على طريق تسوية وتحقيق مطالب هامة للمعلمين.
إن على المعلمين الذين أبانوا عن مستوى رفيع من فهم غايات الإصلاح وضرورة مواكبته طرح السؤالين التالين بإلحاح وحزم وعلى النقابات الداعية إلى الإضراب أن تمتلك الشجاعة في الحق عند الإجابة عنها:
1- هل لمست النقابات إرادة جادة وصادقة مع إستراتيجية واضحة المعالم ومبشرة لدى وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي السيد محمد ماء العينين ولد أييه بخصوص مسار الإصلاح ؟
2- هل يدعم الانخراط في مسطرة الإضرابات مسار إصلاح المنظومة التربوية الوطنية بعد عقود من الفساد الإداري والتربوي ؟
إن أية إجابة موضوعية على هذه الأسئلة كفيلة بالتفريق بين الإضراب كوسيلة لتحقيق المطالب الجماعية والاضطراب كغاية تستثمر للحفاظ على المصالح الشخصية وتجديد الولاء والبيعة السياسية.
وحتى لا يطول انتظاركم لإجابة قد لا تأتي هبوا أيها المعلمون للذود عن حياض مهنتكم التي صارت مرتع للذين لا يريدون أن تقوم للإصلاح قائمة فأنتم قد اخترتم طريق الإصلاح وعليها ستكملون مسيرتكم.
لــيــس مــن يــغــمــر الــبــلاد بــزيــفٍ ... مثل من يــعمــر الــبــلاد نــجــاحــا