كسب حرب أو كسب معركة؟ / الولي ولد سيدي هيبه

لإن كانت الغلبة في ميدان المعارك الجارية بإقليم "أزواد" من دولة مالي تبدو محسومة لصالح القوات الفرنسية و الإفريقية المشاركة على استحياء، فإن المحللين السياسيين و الخبراء في الحروب الأهلية و تمرد الأقليات المغبونة و الحركات المتبنية للفكر الانفصالي، يرون  أنه ما من نار توقد و إن بلغت ألسنتها عنان السماء

 و طالت مداركها في كل الأرجاء فإنها لا محالة إلى رماد تؤول و أنه ما تحت ذاك الرماد إلا بقايا شهب لا تخبو جذوتها و لا يغيب وهجها و لا تؤمن شرارتها. و إن حصيلة القصف الجوي الدقيق بأحدث الطائرات النفاثة و الاستطلاعية المعتمدة أحدث وسائل الرصد و المتابعة بالأقمار الاصطناعية المتقدمة و المروحيات الهجومية المتطورة، لا تقر بالتدمير الكامل لترسانة كانت بحوزة كل الجماعات المسلحة المحسوبة على القاعدة و الإرهاب و التهريب و المخدرات و التحررية من الطوارق بوفرة و تنوع مكنت من قبل كل هؤلاء و في أقل من عام، من دحر و طرد كتائب الجيش المالي الذي كان متواجدا في ثكناته و قواعده الثابتة ليخلي كل الجنوب بأيدي أفرادها، بل و إن هذه التقارير الواردة من مقرري الجيش الفرنسي نفسه و دون الإعلام الحر الفرنسي و الأجنبي المبعدين - في إعادة لسيناريوهات الحروب الغربية على بلدان العالم المتخلفة و التي تعفى فيها وسائل الإعلام من التغطية الموضوعية و المحايدة - ما زالت مرتبكة و حائرة في هذا الأمر. و قد فرضت هذه الحقيقة المربكة، في حملة عسكرية عاتية سخر لها عنصر المفاجأة و المباغتة و استباق القرارات الأممية، و التي أثارها و إن على استحياء بعض ضباط قيادة المعركة في الميدان، خلقت نوعا محسوسا من القلق البالغ في كل الأوساط المتتبعة و المهتمة بالأحداث جعل كل السيناريوهات المحتملة لقيام وضع جديد أكثر اضطرابا و ضبابية و أسوأ حالا مطبوعا بختم عدم الاستقرار على نحو غير مسبوق، تثار في المحافل الإقليمية و الدولية و تعاد خلالها و بموجبها جل الحسابات و التقديرات السياسية في عموم المنطقة من النيجر إلى الجزائر.

و لم تستطع كل هذه التقارير المبتورة على شحها و لا التعتيم الإعلامي الخانق الحاصل على مجريات حرب اصطلح على أنها حرب بلا إعلام مصاحب، أن تحيد حقيقة أنه باستثناء عدد محدود من السيارات و كميات متفاوتة الأهمية من الذخائر و قليل العتاد الثقيل و أعداد متواضعة من القتلى، لم تفلح ملاحقة الطيران و توغل الجيوش البرية المدججة بأنواع السلاح و العدة القادمة دعما من كل دول صناعة آلة الموت، في عصر يتبجح فيه صناع قرارها بالدفاع عن حقوق الإنسان، أن تمنع من الاعتراف و إن ضمنيا لحد الساعة على الأقل بأن الجماعات المستهدفة استطاعت بسحر ساحر أو بتخطيط مسبق قائم على فهم أن موازين القوى تغيرت، في عودة إستراتيجية - التي وحدها ستضمن لها البقاء لحين تجميع قوتها و شحذ إرادتها و الإعداد لحرب الرمال و السراب و الكر و الفر- إلى حال سيرتها الأولى فتلاشت بعد أن انشطرت إلى فرق قليلة العدد و تفرقت في كل الاتجاهات بعمق الصحراء الكبرى الممتدة الأطراف و التي يعرف أفرادها كل شبر و موضع  منها بألفة فائقة، و بحميمية محيرة كل طباعها و أوضاع تقلباتها.. حالة تجعل الطيران يباشر مهمة صعبة و مكلفة من حيث الوقت و التزود بالوقود و تشوش و تشتت الذهن القتالي في مداءات كثيرة و آفاق رحبة فوق تضاريس يغلب عليها الغبار و السراب.. وضعية كذلك سيصعب معها إعلان نصر مؤزر أو حسم مطلق لحرب بدأها طرف على عدو قد يكون انسحب عنه حتى قبل مقدمه من منطلق ما كان يقول إنه معرفته بنفسيته الغدارة و مكره المعهود، و أفسح له حتى كسب معركة دون أن يترك له نشوة كسب حرب و أخلى له مدنا دون أن يمنحه بسط يده على أرض صحراوية بحر رمالها أمكر و أعظم غدرا و قد يصدق في هذا الاستنتاج قول الشاعر.

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا     و يأتيك بالأخبار من لم تزود.

31. يناير 2013 - 16:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا