الحمد للّه وحده، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمد وآله وصحبه أجمعين،،
وبعدُ: فَإِنَّ الإِسَاءَةَ إِهَانَةُ الغَيْرِ، وَإِلْحَاقُ الضّرَرِ بِهِ، وَهِيَ مُحَرّمَةٌ شَرْعاً، وَمِن كَبائِرِ الذُّنُوبِ.
والإساءةُ إلى النّاسِ رِقّةٌ في الدِّينِ، وقِلّةٌ في العَقْلِ، وتَبَلّدٌ في الطّبْعِ، وانعِدامُ إنسانيةٍ.
وتَقعُ الإِسَاءةُ عادَةً بِدافِعِ الغَيْرَةِ والحَسَدِ والتّكبُّرِ، أَوْ بِهَدفِ الغَلبةِ والسّيطرةِ والاِبْتزازِ.
ولذلك نَجِدُ غالبَ إِسَاءاتِ الأرَاذِلِ مُوَجَّهةً إلى الأفاضِلِ خاصّةً، وتِلْكَ عادةُ الأشْرارِ مع الأخْيارِ في كُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ.
والإساءةُ بأنواعِها يُصَنِّفها العُلماءُ ضِمْنَ الاِنْحِرافاتِ الأخْلاقيةِ الخطيرةِ، والأمْراضِ النّفْسِيةِ المُزْمِنةِ التي تَحْمِلُ على انتِهاكِ حُدودِ الله عزّ وجلّ، والاِعْتِداءِ على حُرُماتِ النّاسِ، والتّلذُذِ بِإِهانَتِهِمْ وتَعْذيبِهِمْ.
وَالإِساءَةُ ظُلْمٌ سَواءٌ حَصَلَتْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَسَواءٌ كَانَتْ مَادّيَةً أَوْ مَعْنوِيّةً.
وَالإِساءَةُ مِنْ حَيْثُ وُقوعُها على نَوْعَيْنِ:
1) إِساءَةٌ وَقَعَتْ عَرَضاً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَلَمْ تَتكَرّرْ فَهَذِهِ تُعْتَبرُ خَطَأً، ويُقبَلُ الاِعْتِذارُ عَنْها بَعْدَ اعْتِرافِ المُسيءِ بها وَانكِسارِهِ وَنَدَمهِ.
2) وإِسَاءَةٌ تَكرَّرَتْ عَنْ عَمْدٍ، وَسَبْق إِصْرارٍ، وَتَرَصُّدٍ، فَهذهِ صاحِبُها ظالِمٌ وَبَاغٍ، وَلا يُقْبَلُ عُذْرُهُ، ولاَ يُعْفَى عَنْهُ حَتّى يَنالَ جَزاءَهُ في الدُّنيا والآخرةِ.
ذلك لأنّ العَفْوَ عَمّنِ اسْتَمْرأَ الإسَاءةَ إِلَى النّاسِ يُشَجِّعُهُ عَلىَ غَطْرَسَتِهِ وظُلْمِهِ، بَلْ إِنَّ المُسيءَ المُحْتَرِفَ يُبَرِّرُ إِساءاتهِ دائِماً حتّى يَسْتمِرَّ في غَيِّهِ، ويُحَمِّلَ الآخَرينَ مَسْؤولِيَةَ أَوْزارِهِ، ومِثْلُ هذاَ يَجِبُ عِقابُهُ والإِنكارُ عَليْهِ، وإيقافُهُ عِندَ حَدِّهِ.
ومَنْ أُسِيءَ إِلَيْهِ فَهُوَ بِالخِيارِ فَإِن شَاءَ رَدَّ على المُسيءِ واسْتَوْفَى حقَّهُ، وَإِن شَاءَ صَبَرَ، وإن شَاءَ عَفَا وأَصْفَحَ.
وَأَمّا إِذا كَانَتِ الإِساءَةُ مُوَجّهَةً إلى غيرهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَن يُنكِرَهَا، ويَنصُرَ المَظْلوم، وَيَرُدَّ على المُسِيءِ بِمَا يَزْجُرُهُ، ويَرْدَعُهُ عَن سَفاهَتِهِ وَفُجُورِهِ وَإِلّا كانَ شَرِيكاً لَهُ في الاِثْمِ العِيَاذُ بِالّلهِ تعالَى.
والرِّضاءُ بالظُّلْمِ ظُلْمٌ، وَمَن أعانَ ظالِماً سَلّطَهُ اللهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ رَضيَ بالإِساءَةِ إلى النَّاسِ طَالهُ نَصيبٌ منها.
وأمّا دَعْوَةُ المَظْلومِ فمُسْتَجابةٌ، وانتقامُ اللّهِ تعالى مِنَ الظّالِمِ وَاقِعٌ لا مَحالةَ، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.
وحَسْبُ المُسيءِ بِشارَةُ رَسُولِ الّلهِ ﷺ لَهُ بِالنّارِ وَسُوءِ المَصيرِ، حَيْثُ ذُكِرَ لَهُ كَثْرَةُ صَلاةِ امْرَأةٍ وَصِيَامِها وصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنّهَا تُؤْذِي جِيرَانَها بِلِسَانِها؟ فقال: (هِيَ في النَّارِ) رَواهُ أحْمَد وغَيْرُه.
وتَكْرَارُ الإِسَاءاتِ يَقْطَعُ الأرْحامَ، ويُقَوِّضُ السِّلْمَ الاِجْتِمَاعي، ويُخَرّبُ الدِّيارَ. فَكَمْ مِن قَومٍ فَشِلوا بَعْدَ نَجاحٍ، وضَعُفوا بَعْدَ قُوّةٍ، وتَفَرّقُوا بَعْدَ وَحْدةٍ، ولَمْ تَقُمْ لهُمْ قَائِمةٌ بِسَببِ تَرْكِهِمْ لِإِنكارِ الظُّلْمِ، ورُكُونِهِمْ إِلى سُفَهائِهِمْ.
قال اللّهُ عزّ وجلّ: (والَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب:58].
وقال رسولُ اللهِ ﷺ: (بِحسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وعِرضُهُ) [رواه البخاري ومسلم].
هَذا مَا تَيسّرَ بَيَانُهُ ، والّلهُ تعالى أَعْلَم.