سر نجاح الزواج / خديجة منت سيدي محمد

كل شيء له أساس فتربية الطفل لها أساس إذا لم يُعتمد قد تضيع.

‎كذلك الزواج لا بد له من أساس فعلى أي أساس يتزوج المرء، هل يفعل ذلك تدينا أو فطريا أو ارضاءً لوالديه أم سعيا وراء مال أو منصب أو رغبة ؟

‎و لكي يكون الأساس منيعا لابد من وضوح الهدف الذي سيعتمد عليه البيت مستقبلا، وقد ركزتُ في هذا المقال على دور المرأة بدلا من الرجل لأنها هي الركيزة الأولى لصلاح الاسرة واستمرارها  وسأتعرض في المقال القادم إنشاء الله إلى توضيح بعض الإشكاليات عند الفتيات، كالمخاوف المتعلقة بماضي الشاب و مسؤوليته، فكلا الطرفين أمام شخص له تربية مختلفة ، و فترة التعارف مهما طالت لن تكون كافية، بل سيظل هناك دائما جزء مفقود، فالمعرفة الحقيقية إنما تتحقق بعد الزواج، ففي السنوات الأولى يكون هناك تعارف والتي تليها تآلف والتي تليها تعاون بين الزوجين يدل على تفاهمهما، ولذا من المعين والمكمل لفترة التعارف بين الشابين معرفة بيئة كل طرف التي تربى وترعرع فيها لأن الطفل تتشكل عنده 90% من الفهم والتقليد قبل الكلام،  قال صلى الله عليه وسلم : ( تخيَّروا لنُطَفِكم ، فانكِحوا الأكفاءَ و أَنكِحوا إليهم)، و ‎قال عثمان بن أبي العاصي ( يا بني الناكح مغترس فلينظر امرؤ حيث يضع غرسه والعرق السوء قل ما ينجب فتخيروا ولو بعد حين)

ومن الأسس الضرورية الإسلام قال تعالى «وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ»

نزلت هذه الآية في مرفد الغنوي كان يحب بنتا يقال لها عِناق ،كانا مشركين ، مرفد أسلم و أنتقل مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة كان شابا قويا حماسيا، كان يهرب أسرى المسلمين من مكة إلى المدينة، يقول بينما أنا في ليلة مقمرة وأنا مختبئ في مكة إذا بصوت ينادي فإذا هي عناق تدعوني للمجيء عندها وهي مشتاقة لي، قال لها حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الإسلام حال بيني و بينك فصرخت يا أهل مكة مرفد يهرب أسراكم فاجتمع الناس عليها فهرب مرفد فالتوت قدمه ولما وصل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره بقصته مع عناق و هل يمكنه أن يتزوجها فنزلت الآية «وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ... ».

قد يقول قائل فماذا عن الكتابيات و النصرانيات نقول يمكن الزواج منهم ولكنه غير مناسب لأن الرجل اغلب وقته خارج المنزل من الذي سيقوم بالتربية و الإرشاد، هي الأم  بل وربما اصطبتهم معها إلى دور العبادة عندها يحصل ما لا تحمد عقباه.

ومن أسس الزواج ايضا ان تكون الفتاة صالحة، ونحن نظن أن المرأة الصالحة هي التي تصلي و تصوم و تلبس حجابها و تحفظ القرآن، هكذا أنا وأنتم لكن تعالوا بنا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة الصالحة للزواج إذ قال : « ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خير له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عليها برّته وإن غاب عنها حفظته في نفسها و ماله»، أين الصلاة ؟ أين الصوم ؟ نحن في معرض الزواج الصلاة مطلوبة وهي ركن من أركان الدين قد تكون المرأة تصلي و حافظة لكتاب الله لكنها صالحة لهذا و ليست صالحة للزواج حتى تحقق هذه الأربعة.

ومن الأسس أيضا ان تكون واعية غير ساذجة إذا عرضت لها مشكلة في المنزل تقوم بإدارتها دون الاتصال بك في عملك لأتفه الأسباب وللاطلاع على وعي المرأة وقلة سذاجتها ناقشها في موضوع، قال علي ابن ابي طالب : «تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا، فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ» .

ومن الأسس أيضا الحياء، أن تكون الفتاة حيية، والحياء خلق هذا الدين في الرجال جميل وفي النساء اجمل قال تعالى في بنات شعيب (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء)، انظر إلى أخلاقها، توجد أمور لا تقتضيها المروءة مثل الأكل في الشارع و رفع الصوت... (هذا شعار يقول لنا من أنت) .

ومن الأسس أيضا أن تكون حسيبة والمقصود بالحسب سلامة التركيبة الأسرية، تربت في بيت متزن العلاقات بين أفراده، إضافة الى عمق العلاقة بين الأب و الأم،  وفي الغالب البنت مثل امها (أَكْفِ الگدْرة أعلَ فَمْهَ و نيثي تَشْبَهْ أمْهَ) كما ينبغي أن لا تكون قرابتها قريبة منك خوفا من نقل أمراض وراثية في الأسرتين، إضافةً الى أن فشل الزواج قد ينتج عنه تشاجر و إنفصال بين الأقرباء.

ومن الأسس أيضا الجمال فلابد من نسبة من الجمال و لأنه أمر نسبي فماتراه انت جميلا يراه غيرك قبيحا (فلولا اختلاف الأذواق لبارت السلع) فلابد أن تكون جميلة بالنسبة لك أنت ، وأن لايكون هذا الجمال مبذولا في الشارع تحت ذريعة طلب الزواج، فعندنا   تتزين بعض الفتيات وتخرج معللة ذلك بأنها بضاعة وتنشر صورها على مواقع التواصل الإجتماعي مثل فيسبوك و سناب شات.... هذا يكسر تابوت القِيم والعادات الفاضلة .

قد يكون الشاب محبا لفتاة وراغبا في الزواج منها دون غيرها، فنقول له للإفادة أجريت دراسات وبحوث في مصر وجدوا فيها أن 80% من حالات الطلاق ناتجة عن زواج حب، وفي سوريا 90% من الطلاق  ناتج أيضا عن نفس الحالة، فالإسلام لا يرضى بالتوغل في العلاقات قبل العقد الرسمي لأنه عَلِمَ أن هناك عواطف ستدخل وصاحبها يكون أعمى وأصم، أما الزواج التقليدي 70%  منه ناجحة ولا تنتهي بطلاق بل بوفاء، وهذا ما استنتجته دراسات عديدة وشاهدناه على أرض الواقع و أبسط مثال على ذلك زواج أبائنا و أمهاتنا.

ومع ذلك لابد من استخارة الله جل جلاله واستشارة  المجربين ، قال صلى الله عليه وسلم (ما خاب من استخار وما ندم من استشار وما عال من اقتصد)، فأخطر قرار في هو اختيار شريكة الحياة، فإن أحسنتَ الإختيار عشت سعيدا ومت حميدا،  فابحث ولا تستعجل خوفا من أن تقع في فخ شخص سيئ  يُحيل الولدان شيبا،  قال صلى الله عليه وسلم ( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)  فهل النبي صلى الله عليه وسلم يوجهنا إلى صاحبة الدين فقط دون المواصفات الأخرى؟   ف الاختيار تتصدره ثلاث معايير:

العين: وهي مصدر النظر بواسطتها يحصل الميلان لقبول الشكل العام.

العقل: للحكم على طريقة التفكير وتحليل الامور.

القلب: وهو ليس بأيدينا بل هو بيد رب العالمين.

‎وهذا ما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم  في قوله  (أنظر إليها وانظر الى ما يدعوك لنكاحها) ليحصل القبول و العفاف والحصانة ، و هذا هو المقصد من الزواج، فمعرفة شريكة الحياة مسألة مهمة و إن كان مجتمعنا القديم قد أهمل هذه النقطة، فربما لعدم يقينهم  بجدوائية ذلك ،وفي الحقيقة تلعب المعرفة دورا مهما في حصول السعادة فمثلا نحن لا ندخل بيوتنا سَباكا غير ماهر ولا  كهربائيا غير محترف ومع ذلك نقبل أن يدخل  أبناؤنا الحياة الزوجية وهم لا يعرفون عنها إلا الشروط التافهة : كالمهر، والسفر وطلبت خاتم العروس، و بونتي، وندوة اصحبات لعروس وتمراك أسبوع... فلا أحد منهم يعرف المهارة والاَلية التي يتعامل بها مع الطرف الآخر، كلاهما ليس بصورة مماثلة للآخر وسنرى كثيرا من الحقائق تثبت ذلك في المقالات القادمة.

فالزواج تعتريه أحكام الشرع الخمسة قد يكون واجبا أو حراما أو مباحا أو مكروها أو مندوبا، وعادة لا يكون التأخر راجعا للحكم بل إلى الخلل التربوي وغلاء المهور و العجز عن تحمل المسؤولية، قال الفاروق رضي الله عنه (لو كان غلاء المهور مكْرمة لسبقنا إليها الكرام) ، فقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم  بناته باليسير وتزوج صلى الله عليه وسلم زوجاته باليسير، جاءه رجل من الأنصار يريد المساعدة وأخبره أنه خطب امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وكم مهرها قال كذا يا رسول الله فأجابه قائلا كأنكم تنحتون الفضة من هذا الجبل.

ومن العقبات أيضا التوسع في العلاقات خارج الإطار الشرعي وهذا سبب لكثير من الشرور سواء تم الزواج أم لم يتم، فالشيطان الذي يجمعهم على المخالفات هو الشيطان الذي سيأتي إذا تم الزواج ليغرس الشكوك، وقد تبين أن هذه العلاقات هي المسؤولة عن نسبة كبيرة من فشل الزواج و الكثير من المشاكل، نحن من خلقناها وتركنا الطريق ميسورا أمام الحرام ، والغريب أن أمنية كل فتاة أن تكون أما، وأمنية أي أب أو أم أن تزف بنتهم أو إبنهم فإذا طرق بابهم من يريد الزواج تبدأ مسطرات التكاليف حتى أصبحوا  ينظرون إلى تزويج بناتهم نظرة مادية بحتة كما ينظر التاجر إلى سلعته التجارية التي يتوخى منها الربح العظيم و المكاسب الكثيرة.

والإعراض عن القيم الأخلاقية و الاعتبارات الدينية التي بها تسير سبل الزواج و تُأَسَسُ دعائم الأسر فالأم التي عندها بنت لها حظ من الجمال أو نالت شهادة أو ترقت في عمل تمتلكها نشوة الإعزاز و تركبها حماقات العجب و الغرور فإن تقدم لخطبة ابنتها رجل تكلمه بلهجة المستعلي و المتكبر، إن وافق طُلِبَ منه ما يثقل كاهله وينوب عن حمله فضلا عن دفعه و تقديمه وقلَّما يتحقق مع هذا النوع من الناس التفاهم أو يدوم معهم الزواج ، اللهم إلا إذا تنازل الخاطب عن شخصيته و حمل نفسه فوق طاقته، فعندئذ يخضع لكل امر ويستجيب لكل مطلب، والأمر لن ينتهي عند هذا الحد بل يتجدد مع كل مناسبة طارئة على الأسرة و الطريق طويل و ما خفي أعظم، ومجتمعنا أيضا لا يرحم إن سهلت بعض الأسر أمور الزواج قال الناس أنظروا لهذه الفتاة لا شك أن فيها مصيبة يريد أهلها أن يتخلصوا منها، لأمثال هؤلاء نقول اتقوا الله فإنكم ظالمون مستبدون بعيدون عن منهج الإسلام  وسنة المصطفى عليه الصلاة و السلام بتعقيداتكم، تسببتم في حرمان الكثير من الشباب  و الشابات من السكن و الراحة و الطمأنينة و الولد وهي مخالفة لهدى خير الأنام قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ )

المودة: للقرب والتآلف وهي المظلة الكبرى ،

الرحمة: تدفع الإنسان أن لا يكون قاسيا ولا جبارا بل عطوفا رقيقا.

 

و الزواج الناجح يمكن أن يكون مصدر للإبداع وظهور كل الطاقات الجميلة، كما يبشر الرسول  صلى الله عليه وسلم  كل والد ربى إبنته على الدين ولم يفضل عليها الولد و أكرمها و أدبها الى أن سلمها زوجة على كتاب الله وسنته لرجل مسلم، كانت تلك الليلة ليلة حجب الله بها جسده عن النار، وهذا ما فهمه ابن المسيب في قصة طويلة مع تلميذه عبد الله بن وداعة الفقير عندما توفيت زوجته زوجه ابنته وهي مطلب الملوك و الأمراء، خطبها الوليد ابن عبد الملك الذي شهدت الدولة الإسلامية فتوحات وتوسعات في عهده، فرفضه  لمواصفات توفرت في عبد الله بن أبي وداعة،  فليس الزواج بين المرأة و الرجل صراع بين فريقان بل تكامل و تضامن وتآلف يرقى بكلمة وينتهي بها ، فبالكلمة يحصل الرصيد و بها يُسحب وبها يُدخر.

‎يقول (ستيفن كوفي) مؤلف كتاب بنك العواطف: تعامل في حياتك كتعاملك مع البنك.

‎اول شيء تفتح حسابا

‎ثم تضع نقودا : إيداعٌ

‎تأخذ منها : سحبٌ

‎جمعك : رصيدٌ

ففي الحساب : الأب و الأم و الإخوان والأخوات والأبناء و الزوجة و الأساتذة و المشاييخ و كل من نتعامل معه له حساب في بنك العواطف فيه

‎إيداعٌ : الكلمة الطيبة-الهدية-الوفاء بالوعد-المساندة -الإحساس و التقدير‎......

السحب : الكلمة السيئة- إخلاف الوعد- الإساءة-الأنانية........

الرصيد يزداد بالإيداع ويقل بالسحب (أيهما تريد) ؟

‎يحكى أن رجلا سافر مع زوجته في بداية زواجهما فتعثرت وسقطت فأسندها بلطف وهو يتحسر ويتألم لما وقع لها (إيداع) وبعد مدة طويلة من الزواج في يوم تعثرت وسقطت فقال لها أليست لك عينان ألا ترين الطريق أمامك ( سحب)، فَأَكْثِرُوا من الإيداع وقللوا من السحب وحاولوا أن تكون معاملاتكم و اخلاقكم ربيعا فيه كل ما تشتهي الانفس، لا تكن صحراوي العواطف.

طرق رجل على إبن عباس رضي الله عنه ففتح الباب فإذا هو يلبس حلة حمراء فتعجب الرجل وقال يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبس مثل هذا اللباس فقال يا رجل كما تتزين لي زوجتي أتزين لها (إيداع).

وتسهيل العقبات يعين على العفاف الاجتماعي و طرفه الآخر الشاب، ماهي الأسس التي إذا توفرت فيه استحق أن يكون زوجا وشريكا و أبا و إلا؟ إلى المقال القادم بإذن الله تعالى .

18. يونيو 2021 - 10:43

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا