جرائم انواكشوط..الأبعاد والحلول / محمد المختار ولد ابيه

في ظل ما تشهده العاصمة هذه الأيام من ارتفاع ملحوظ  في معدلات الجريمة ، والتي يبدو أنها أخذت منحىً أكثر وحشية من ذي قبل ،لم يعد من الممكن اعتبار الأمر مجرد أعمال فردية يمكن  القضاء عليها بسهولة، فقد بات من الضروري وضع حد لهذا الانفلات الأمني قبل أن ننزلق -لا قدر الله- فيما لا تحمد عقباه ،ولعل أكثر الأسئلة التي  تأرق ساكنة العاصمة هذه الأيام هي :

ماهي أسباب هذا الارتفاع الصارخ في معدلات الجريمة ؟

وماهي الحلول الناجعة للحد من هذا الانفلات الأمني؟

لم يعرف عن المجتمع الموريتاني يوماً سوى السلام و الأمانة والتكافل الاجتماعي وغير ذلك من القيم النبيلة ، فقد كانت ظروف التنشئة والمناخ الاجتماعي يشجبان كل عمل لا يتماشى مع القيم الاسلامية النبيلة،غير أن هنالك عوامل موضوعية يجب أخذها بالحسبان لمعرفة أسباب ارتفاع الجريمة في صفوف الشباب ، ووضعها ضمن مقاربة أمنية محكمة ، من هذه العوامل:

العامل الاقتصادي :

هنالك مقولة ينسبها البعض لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب والبعض ينسبها لأبي ذر الغفاري رضي الله عنهما تقول (عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يخرج شاهراً سيفه )

فما تعانيه بعض أحياء العاصمة من فقر مدقع  - حوّل أحلام الآلاف من الشباب إلى سراب ،وأوصد  في وجوههم كل أبواب الأمل- جعل الكثير من الشباب ينزلق في عالم الجريمة (بدءً من تعاطي المخدرات وانتهاءً بالقتل والحرابة )، ومن هنا فإن الحديث عن الأمن دون عدالة اجتماعية  وخلق فرص للتشغيل يبقى كمحاولة جمع الماء في الغربال

العامل الاجتماعي والتربوي:

لا شك أن ما يشهده المجتمع الموريتاني  من انتشار لظاهرة الطلاق وما ينتج عن التفكك الأسري من زيادة الأعباء الاقتصادية  على الأمهات (في ظل تقاعس الدولة عن إلزام الآباء بتحمل مصاريف تربية الأبناء لتتفرّغ الامهات للتربية ) ،ساهم بشكل كبير في انزلاق جلّ المراهقين في عالم الجريمة بعد التسرّب المدرسي الذي أملته الظروف السالف ذِكرها، وهو ما يحتّم على الدولة التطبيق الصارم لقواعد مدوّنة الاحوال الشخصية حتى تضع كل فرد أمام مسؤولياته ،والحد من ظاهرة التسرّب المدرسي عبر صرف منح دراسية للتلاميذ المنحدرين من الأوساط الهشة ، وتحسين الكفالة المدرسية ،فالفراغ الذي يعيشه المراهق جرّاء خروجه من المدرسة يدفعه إلى اكتشاف عالم الجريمة الذي لن تكون أبوابه مشرعة أمامه لو كان وقته مشحوناً بالدراسة

غياب الرقابة على صرف الأدوية:

بات صرف الأدوية ذات التأثير العصبي مصدراً للثراء السريع يلجأ إليه أصحاب المستودعات الصغيرة لتعويض عدم القدرة على منافسة الصيدليات الكبيرة نظراً لضعف رأس المال ،فمثلا يبيع صاحب المستودع علبة دواء (RIVOTRIL)ب 5000 أوقية قديمة وهو ضعف سعره المحدد عشر مرّات حيث حددت وزارة الصحة سعره ب 500 أوقية قديمة ،ومع أن القانون يمنع على المستودعات الصيدلية بيع هذا النوع من الأدوية إلاّ أن غياب الرقابة وفساد قطاع الصحة يحول دون تطبيق هذا القانون ،فأصبحت المواد الطبية ذات التأثير العصبي ( الترامادول – أولانزابين....) تباع بكل سهولة دون حسيب ولا رقيب، وهو ما يفسر ظاهرة العنف  غير المبرر الذي يصاحب جرائم نواكشوط حيث أن جلّ مرتكبيها يكنون تحت تأثير مواد مخدّرة

متابعة تنفيذ الأحكام القضائية  والتكييف القانوني لبعض الجرائم

أغلب من يرتكب الجرائم اليوم  هم أصحاب سوابق حكم عليهم بالسجن لمدة تتراوح مابين 5 سنوات إلى 10 دون أن يقضوا نصفها، وهو ما يدعو للتساؤل كيف خرج هؤلاء؟

دون أن نتهم قطاع السجون بالتقاعس عن تنفيذ الاحكام يكفي أن نشير إلى مسألتين في غاية الخطورة

أولاهما : أن طريقة إعداد لوائح العفو العام تفتقر للموضوعية وتخضع للكثير من الارتشاء والمحسوبية ، كما أن بعض السجناء يمتلك نفوذا في السجن يجعل العاملين فيه يأتمرون بأوامره من الحارس إلى الطبيب ،فيشعر في السجن كأنه في منتجع سياحي بدل من إحساسه بالذنب والعار

تحوّلت السجون- بفعل الاكتظاظ وغياب التأطير النفسي والديني – من مؤسسات إصلاحية إلى معاهد للتكوين في مجال الجريمة والترقي عبر سلّمها ،فكم من قاصر دخل السجن بسبب جريمة غير متعمدة ليخرج وقد زال عنه الخوف واشتدّ ساعده في الجريمة من خلال مساكنته للقتلة وكبار المجرمين

لذلك يتعيّن على الدولة تحديث المعايير التي على أساسها يتم إعداد لوائح العفو العام وحرمان القتلة والمغتصبين من الاستفادة منه، فرز السجناء حسب درجاتهم واعتماد سياسة تأهيلية تعيدهم إلى مجتمعهم كأفراد صالحين لا كقتلة متمرّسين ،وذالك عبر برامج تربوية وتكوين مهني مُحكم

كذلك يجب إعادة الاعتبار لقطاع الشرطة القضائية وتدعيمه بالعدد والعتاد اللازم ليتناسب مع الحجم الديموغرافي  لمدينة بها ثلث سكان البلاد

ورغم أن الحل الأمثل لإيقاف القتل هو تطبيق القصاص ، فالقتل أنفى للقتل ، إلا أنّ الاعتماد على الجانب الردعي ليس هو الحل الوحيد لإيقاف الجريمة ، بل يجب أن تصاحبه ، مقاربات اقتصادية واجتماعية وقانونية  للحيلولة دون ارتكاب المزيد من الفظائع .

19. يونيو 2021 - 0:11

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا