“يعاني الرؤساء فى موريتانيا دائما – فى نهاية حكمهم – من اضطرابات فى الرؤية؛ يصابون بعمى الألوان، وبالغثيان، وكذا بعقدة الملك من السيد (Le Cid).
وهنالك سر غامض فى اللون الأحمر، يتعلق بجاذبيته الشديدة على الثور فى حالة الغضب، أو عندما يشعر بالخطر على حياته؛ ربما لأن اللون الأحمر، هو لون الدم.
يقول الكاتب الراحل حبيب ولد محفوظ، إن نيرون نجح فى كسب ود الشعب بداية حكمه عندما أعطاه الكوليزى والسرك لإلهائه عن الواقع. ونجح ولد الطايع فى كسب الشعبية حين وهب الانتخابات؛ فصفقوا له، وزغردوا ملء حناجرهم، فطال حكمه.
عندما طلب ولد عبد العزيز تعديل الدستور من أجل إلغاء مجلس الشيوخ، ظننا أنه يريد المأمورية الثالثة، لكنه عندما طلب تغيير النشيد، والعلم، كان ذلك من أعراض الإصابة بفوبيا اللون الأحمر. لأن القماش الذي يخدع لاعبُ الكوريدا به الثور لونه أحمر؛ فينطح الثور قطعة القماش بكامل قوته، وعندها ينتهز اللاعب الفرصة ليطعنه فى الخلف، ويصفق الشعب، وهكذا حتى يرديه قتيلا.
كان ملوك أسبانيا مولعين بلعبة الكوريدا، يستمتعون بقتل الثور، يرون أنفسهم فيه.
لم نجد من يتعاطف مع الثور المقتول تحت هتاف وتصفيق الجماهير، وأصوات الطبول والمزامير، إلا نزار قباني فى قصيدة الثور :
برغْمِ النزيف الذي يعتريهِ..
برغمِ السهام الدفينةِ فيهِ..
يظلُّ القتيلُ على ما به..
أجلَّ .. وأكبرَ .. من قاتليه”
الموريتانيون يلعبون دائما برؤسائهم فى السياسة كما يلعب الأسبان بالثيران؛ يستمتعون بالشد على أعصابهم، كأنهم ينتقمون لأنسفهم لما يتجرعونه من مرارة التصفيق، وقرع الطبول، والزغاريد، المغتصبة.
يضربون الرئيس الجالس الآن على كرسي الرئاسة بطعنات لا يقدر على ردها، فهو مقيد سجين في القصر الرمادي، في الكوليزى، في حلبة الكوريدا. يضربونه بالقماش الأحمر، يتحلقون من حوله “مثل الكواسر والوحوش”، وعندما ينجو الثور من السجن حيا، ويقفز خارج الحلبة؛ ينتشر الرعب في أرجاء المدينة.
وتراهم يطاردونه في الشوارع والزقاق، يهتفون بصيحات أعجمية ليست من جنس الكلام؛ هكذا يساوون في اللعب برؤسائهم بين الذي يغادر الحكم طوعا أو كرها، وبين الذي يظن أنه يجلس الآن على كرسي الرئاسة : جميعهم سواء، إلا أن الثور المقتول، يظل “على ما به ..أجل وأكبر من قاتليه”.
سيد أحمد ولد مولود
نواكشوط، 19 يونيو 2021