إن من يتأمل في وقائع الجرائم الأخيرة يلاحظ أن أبطالها مجموعة من الشباب لا يزالون في طور المراهقة، وهي فترة تتسم بالحساسية المفرطة والخطورة الجامحة, ففيها يصل الإنسان إلى ذروة اكتمال نمو جسمه، ووعيه بمكانته الاجتماعية والأسرية، وتوقه الشديد إلى إثبات الذات أمام الآخر، وتحقيق تصورات مثالية للحياة الفردية الكريمة والسعيدة استنادا ألى المعايير الاجتماعية السائدة، لكن ذلك مرهون بامتلاك شروط مادية ليست في متناوله، فيحدث حالة من الانفصام والصراع النفسي والحقد مع وسطه الخارجي، عادة يتم تجاوز هذه الصدمة بفضل التربية الاجتماعية والدينية التي تقبل بالفروقات الاجتماعية والاقتصادية كظاهرة بشرية كونية أزلية، وقد تفشل عملية العبور الآمن عندما تكون آلة التنميط الاجتماعية مفككة ومختلة، ومن مظاهر هذا الاختلال ومصادره:
- التفكك الأسري واستقالة الآباء من رعاية أطفالهم لأسباب شخصية واقتصادية،
- الفشل المدرسي وغياب التأطير التربوي والتكفل بالطلاب الذين يواجهون صعوبة في تعلمهم،
- الفقر والأمية المصاحبان أحيانا لنشأة الأسرة،
- وجود تجار مخدرات يعملون لخلق قاعدة من الشباب المدمنين لتسويق منتجاتهم،
- وجود جماعات من الشباب المنحرف تعمل كخلايا سرطانية لاجتذاب وصنع شباب على شاكلتهم وينتجون قيما إجرامية في السلوك واللغة والزي والعلاقة مع الآخر وإشباع غرائزهم المتفجرة، يؤجرون المنازل ويشكلون النوادي الرياضية. تصبح هذه الجماعات كالغدد الصماء لا يصل إليها الخطاب الوعظي والديني والأخلاقي.
وهناك اعتبارات متعلقة بهذا التشخيص:
- كل سنة تبرز طبقة جديدة من الشباب لم تحتك بعد بخشونة السلطة وسلطة القانون، فهي جاهزة للتحدي والمغامرة،
- انتشار البطالة وانعدام فرص العمل،
- ازدياد متطلبات الحياة وإغراءات الاستهلاك، فيزداد الإحساس بالحرمان والمعاناة من الفقر،
- بعض الأسر إذا خلق لها الطفل مشاكل بسبب انحرافه تقوم باستبعاده أو طرده، فيعاني عندها من الحرمان والعزلة والجوع والضياع، يهيم على وجهه بلا سند وبلا مأوى، ويصبح عندها لقمة سائغة بالنسبة لعصابات الإجرام،
- لقد تحولت السجون إلى ورشات لصناعة المجرمين وتكوين الشبكات الإجرامية،
- الشباب المتنازع مع القانون الخارج من السجن لا يجد من يأويه ويوظفه وينظر إليه بعين الريبة فيعود من جديد إلى السجن.
أما والحالة هذه فقد أصبحت المشكلة مشكلة اجتماعية بنيوية معقدة يحتاج حلها إلى معالجة عدة عوامل: تفكك أسري، فقر وأمية، مخدرات، عامل تربوي، وسط إجرامي، بطالة ...
ومن هنا يظهر غباء الحل الأمني، فمن السذاجة أن نطلب من السلطات الأمنية أن تضع في كل شارع وفي كل زقاق فرقة مدججة بالسلاح، ولا يمكن أن نقضي عليها بصب جام غضبنا ولعناتنا على هؤلاء الشباب الضحايا ونقسو عليهم في أحكام القضاء.
إذن لا يمكن منع التفكك الأسري لاعتبارات دينية كحق الطلاق وتشكيل الأسر الفقيرة،
من الصعب تدارك الخطأ التربوي لمن تقدم به العمر،
لا يمكن غلق الحدود في وجه تهريب المخدرات فذلك حلم عجزت عنه أمريكا،
من الصعب توفير العمل لكل فرد في السياق الحالي ليعيش حياة كريمة.
ما الحل؟
حسب رأيي المتواضع والمفتقر للتجريب يمكن معالجة المشكل بالإجراءات التالية:
- سن قانون ينظم الأطفال ما بعد الطلاق وإنشاء هيئة تتابع حياة هؤلاء الأطفال وتحاول مساعدتهم عند تعرضهم الإهمال،
- الرفض مبدئيا لخروج الطفل عن مساره الدراسي، فلا يكون الحصول على معدل عشرة أو عدمه هو ما يقرر مصير هذا الطفل والقذف به إلى الشارع بدون رحمة،
إعطاء شهادات وطنية معترف بها حسب المستوى لكل من تابع إلى السنة الرابعة إعدادية أو إلى السنة الأخيرة من التعليم الثانوي حتى لا تذهب سنوات حياته الدراسية الطويلة عبثا وبدون نتيجة،
- التكفل بالشباب المدمن ومعالجته في مراكز خاصة،
- تجفيف الوسط الحضري من عصابات الإجرام بالقضاء على أوكارها والعمليات الاستباقية، والتقاط الأطفال والشباب المشردين وتسوية وضعيتهم بشكل كريم ومستدام،
- العمل بالخدمة العسكرية الإلزامية ابتداء من المرحلة الإعدادية نظرا لفوائدها الوطنية الكثيرة كالتمازج بين كل الفئات الاجتماعية والتعرف إلى الوطن والانضباط والتشيع بهيبة القانون والسلطة واحترام الآخر ..الخ.
ونظرا لإمكانيات البلاد الاقتصادية الحالية يمكن للدولة إنشاء مزارع ومصايد للسمك تحت سلطتها لاستقبال الشباب الخارج من السجن أو المحتاج إلى دخل سريع، ولا يخفى المردودية الهائلة لمثل هذه المشاريع السهلة وذات الطاقة الاستيعابية الكبيرة.