قم للمعلم وفِّهِ التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
أي منا لم يسمع بهذا البيت ,بل أي منا لم يحفظه عن ظهر قلب؟ وأي منا لم يحلم في صغره أن يكون كمعلمه في الإبتدائية؟,وعندما يتقدم في السن قليلا يمتد ذلك التأثر, والتعلق إلى أستاذه في الإعدادية أو الثانوية , وبعدذلك بأستاذه في الجامعة إذاكتب له وصولها,
فالكل يتأثر بمدرسه ,ويتعلق به ,وبه يباهي أقرانه,كل ذلك لأن المدرس في نظر الجميع آنذاك هوالشمعة المضيئة التي تنير الطريق للآخرين ,وهوالجسرالذي يقف صامدا ليعبر عليه الكل إلى بر الأمان,والتقدم العلمي,والنضج الحضاري,ويصلون إلى مبتغاهم,من وظائف,وأماكن عليا,ويحققون أحلامهم المختلفة.
ظل المدرس كما هو المصباح المضيئ والجسر المتين,لكن النظرة إليه تغيرت ,تغيرت بفعل تنامي مشكلات مادية ومعنوية طارئة ,ساهمت مجتمعة ,وبالشكل الكبيرفي ماصاريعرف لاحقا بفشل التعليم,كما يحلو للبعض تسميته.
ومن هذه المشكلات مثالا لاحصرا:
ضعف القدرة الشرائية للمدرس
صحيح أنه لا يخفي على أحد ماتم إنجازه في سبيل الرفع من مستوي الأجور ,وتحسين العلاوات التي تحفزعلى زيادة العطاء,وبذل الجهد الأكبر.............,لكن ذلك لم يصل بعد إلى الحد الكافي ,والذي يلبي حاجات الموظف العادي,والذي يعتبر المحور الأساسي للطبقة الوسطي ,والتي تعدالإرتكازالأهم للمجتمع,إذ ظلت قدراته الشرائية ضعيفة ,فمازال أغلب الموظفين ينفذ راتبه عند دخوله السوق لمرة واحدة,مع أقتصاره على أقتناء المواد الأساسية الضرورية للبيت ,والتي لايمكن التغاضي عنها,أماكونه يتطلع إلى الكماليات ,كأقتناء المواد الإضافية من البقالات مثلا فذاك سابع المستحيلات,ويفيد أكثرمن مصدرأن أغلب الموظفين مرتهن للبنوك بفعل للجوءللدين غالبا.
وكما قامت الدولة مشكورة بإجراء مالي خاص,رفعت به مستوي أجور الموظفين ,في قطاعي العدالة والإدارة,في إجراء إستثنائي,
مماكان له بالغ الأثر في رفع مستوي الدخل في هذين القطاعين, حيث وصل ذلك المستوي إلى أضعاف راتب المدرس مثلا,قد تصل تلك الأضعاف أحياناإلى عشرة أضعاف ,بين المدرس خاصة(المعلم وأستاذ الإعدادية والثانوية)وبين القاضي والإداري الإقليمي,
مماخلق هوة واسعة بين موظفين من فئات متقاربة ,من ناحية الفئوية الوظيفية,تجمعهافئة (أ)مثلا,متباعدة من ناحية التصنيف المالي,ومتباينة كل التباين.
صارمن الازم القيام بإجراء مالي خاص ,وإستثنائي من أجل النهوض بالتعليم,نظرا لما يكتسيه القطاع من أهمية وحساسية ,فهو المسؤول عن تربية النشأ,وتحديدمستقبل الدولة بل البشرية جمعا,فلاوجود لتقدم أي أمّة كانت إلى بالتقدم العلمي,
فالثروة الحقيقية ليست في مايشغل بالنا دوما ,ويسيطرعلى أطراف الحديث,من ثروة أسماك أومعادن أونفط أوثروة حيوانية.
نعم هذه ثروات طبيعية ومقدرات جيدة ,لكن الثروة الحقيقية هي العقول الأدمغة الكفاءات البشرية القادرة على الإنتاج ,الإبداع, الإختراع.
النظرة الخاطئة للبعض عن المدرس
فمن مشكلات التعليم التي يصعب حصرها,النظرة الخاطئة عند البعض عن المدرس في هذا الزمن وخاصة عند بعض رموز الإدارة إقليمية كانت أومركزية,فيخيل إليك من هذه النظرة أن المدرس قزم لايمكن أن يصل بطوله قامة الآخرين,مماينعكس سلبا على المدرس بالإحباط, وتردي العطاءمن جهة ,وعلى العلاقة بين الجهتين,إذتنطبع بطابع التوتر والنفور.
ثم إن بعض المواطنين العاديين في أيامنا هذه يسهم بدوره هو الآخر في تنامي هذه الظاهرة ,قديكون ذلك لقلة النضج ,فكريا أوحضاريا,فتراهم قاصرين نظرهم على ماديات الأشياء ,إذ يكون أعتزازهم بالتاجر الغشاش مثلاأوالمشرف المختلس أوالمديرالمرتشي,
أكثروأعمق من إعتزازهم بمربي الأجيال ,صانع العقول ,مكون العبقريات ,ومنمي الأدمغة,
همهم في ذلك دريهمات غير آبهين للطريق التي جاءت منها,أبالحلال أم الحرمات ,من الطريق الواضح أم الشبهات ,
وهذا لعمري خلل في المبادئ وأنتقاص في المثل والقيم ,وموت للإنسانية في صميم الشخص.
مركزية التعليم
كما أن مركزية التعليم وتوحيد مناهجه ,يلعب دورا كبيرا هو الآخر,ويعد مشكلا في سبيل تقدم التعليم والنهوض به,
فإسقاط مقاربة الكفايات على جميع الجهات ,والمناطق المختلفة من حيث الطبيعة البشرية ,والإنتماء الإجتماعي,والتوظيف اللغوي ,
يعد من أهم عوائق التعليم,
فمستوي تعاطي التلاميذ ,مع هذه المناهج في منطقة أنواكشوط,وأنواذيبوا مثلا,لايوازيه مستوي التعاطي,في ضفة النهر ,ولافي المناطق الشرقية ,ولاحتي الشمالية ,
والسبب بسيط ,أختلاف الخلفيات ,تباين الإمكانيات ,تجذرالصعوبات,
فكان من الأولى البحث عن طرق جديدة ,لا تعتمد على مركزية التعليم, فتراعي الصعوبات عند الأطفال ,سوءا المتعلقة باللغة او غير ذلك,معالجة الصعوبات المترتبة على إملاءات المحيط,والتركيز على هذه النقاط, ومعالجتها ,على الأقل في المرحلة الإبتدائية.
غياب التكوين المستمر
فلقد ساهم غياب التكوين المستمر هو الآخر ,إلى جانب الصعوبات الأخري في تعقيد عملية التعليم, إذلاتخفي أهمية التكوين المستمر على العطاء التربوي,وتنمية القدرات الفردية ,وزيادة الخبرات ,وتناغم العطاء مع الإحتياجات الميدانية,
وبالرغم من تخصيص ميزانيات له ,وتعيين إدارات ,يختفي دورها على أرض الواقع.
مشكل التموقع الفوضوي للمدارس
فكل ماكانت هناك أسرة ما ميسورة الحال ,لها قطيع أغنام او أبقار,أخذت لنفسها موقعا تختص به,عن مكونها الإجتماعي ,بفعل حب التفرد, والبحث عن الذات ,
وطبعا بفعل الوساطات ,وتحكم الروابط السياسية ,في العلاقات البشرية , يتدخل هذا أو ذاك ,من أجل حصول هذه الأسرة على مدرسة ,في ذلك المكان الذي تفضله لرعي مواشيها,وطبعا لابد للمدرسة من مدرس, أومدرسان ,أو ثلاثة,
وهذه بالفعل طاقة بشرية ,سيتم إقصائهاحتما من مشهد التأثيرالتربوي ,بفعل حصارها في أرض موحلة ,أوصحاري مقفرة,أو مناطق جبلية وعرة ,مع بضع التلاميذ قد لايتجاوزون السبعة أو الثمانية أحيانا,وبفعل عزل هذا المدرس ,عن المحيط الذي يسمح له بتنمية قدراته المعرفية , يبدأ في التناقص ,ويصاب بالإحباط, والملل ,الذي قد يكون سببا مباشرا في تسربه ,أوغيابه,أوهجرانه للوظيفة.
تزييف أعداد التلاميذ
ومن بين المشكلات البارزة التي تعيق التعليم ,تزييف أعداد التلاميذ,إن لم يكن هو المشكل الأبرز والأهم,
فعادة مايعمد بعض المشرفين الإداريين ,على تنظيم وتوزيع الكفالات المدرسية,إلى تزييف أعداد التلاميذ,من أجل الحفاظ على بعض المصالح الضيقة,فيقوم هؤلاء بمضاعفة عدد التلاميذ لهذه المدرسة أوتلك,من أجل إستفادة أكبرمن الحصة الموجهة إليها من الكفالة المدرسية,وبهذا الفعل يكون لهم الضغط على مدراء المدارس ,فيلزمونهم بدفع إيتاوات فصلية,وأخري عند مجيئ الكفالات المذكورة ,تتنامي هذه الإيتاوات تبعا لحجم الكفالة,وعندما يتعذر دفع الإتاوة نقدا ,يعمدون إلى أخذ المقابل قيمة ,بخنشات من الأرز, أوأكياس من الزيت القادمة في تلك الكفالة.
هناك غاية أخري من زيادة ,وتزييف أعداد التلاميذ ,متمثلة في بقاء مدرسة ما مفتوحة رغم أفتقارها لمقومات البقاء كمدرسة تستحق ذلك.
إذيقوم بعض الوجهاء ومسؤولي القري بالتنسيق مع بعض المشرفين السالفي الذكر,إلى زيادة أعداد التلاميذ,ليس لغرض الإستفادة من حجم الكفالة الواردة فقط,وإنمالغاية أخري مصاحبة هي :توفر العدد الكافي للحفاظ على بقاء المدرسة مفتوحة,وبتلاميذ وهميين ,كي يظل مذكورا في الأوساط ان آل فلان لهم مدرسة ,ولها مدرس أو مدرسان,وبفعل نفوذه وعلاقاته مع الإدارة ,وتنسيقه مع المشرفين على الكفالات المدرسية ,يحصل له مايريد,
والمشكك في ما سبق ,يمكنه التحقق منه ,والوقوف على عين الحقيقة ,وذلك بعملية إحصائية بسيطة ,يقف فيها على بعض المدارس المكفولة ,خصوصا في الأرياف ,والمناطق النائية ,ويقوم بعد التلاميذالموجودين أمامه .
هذا إذا لم يتم إشعار تلك القري قبل ذلك ,فحين إشعارهم سيجد أمامه أمهات الأسرالصغار,يجلسون مكان التلاميذ لتغطية الخلل .
حينها سيكتشف مباشرة, أن العدد المسجل في اللوائح الرسمية ,يقوق العدد الموجودعمليا ,وقد يكون بالنصف او الضعف غالبا,ممايعني أن العدد الإجمالي للتلاميذ في البلاد سيكون مبالغ فيه حتما,وطبعا هذا العدد هو الذي على أساسه يتم تقييم العملية التربوية,أناجحة هي أم فاشلة,ومن هنا أكاد أجزم أن ثلث إجمالي التلاميذالراسبين, في اللوائح التقييمية الوطنية ,إن لم يكن أكثر من ذلك,هوفي الأصل غير موجودعلى أرض الواقع ,وإنماهو ملفق لأسباب ذكرناهاسابقا,مما يرجح كفة فشل التعليم في الإحصائيات على حساب نجاحه.
إنطلاقا مماتم عرضه في هذه النقاط التي تضمنها هذا المقال ,وأنطلاقا من نقاط أخري لم يتعرض لها ,
أرجوا أن يرفع الملام عن المدرس, في كل ما يكتنف العملية التربوية ,وعدم تحميله المسؤولية لوحده في ذلك,فهو طبعا أحد اطرافها المبنية عليهم لاكنه ليس المقصر ولاهو ايضا بمكمن الخلل.
عثمان بن جدو –كاتب وناشط حقوقي -