لن أتطرق لأهمية الزكاة ومكانتها في الإسلام لأنها معلومة لدى الجميع، (يكفي أنها واسطة عقد أركان الإسلام وهي قرينة الصلاة) ولن أتكلّم كذلك عن أهمية تنظيم الزكاة في بلادنا التي تجاوز التفاوت الاقتصادي فيها كلّ التصورات وتمتلك الكثير من المقدرات الاقتصادية التي لو جمعت منها الزكاة وتم صرفها على الوجه المطلوب لما بقيَ في موريتانيا فقير (يكفي أنّ عائدات التنقيب التقليدي عن الذهب وحده في تيرس زمور وحدها يقارب 400 مليون أوقية يوميا حسب تصريح المدير العام لمعادن موريتانيا)
لذا فإنّ تنظيم هذه الشعيرة في بلادنا أصبح من الضرورات الملحة والمطلوبات الأكيدة، على أنّ تنظيمها يحتاج للكثير من الاحتياط والحذر في الجباية والصرف كي لا يؤدّي نتائج عكسيّة لا قدّر الله.
وقد حضرت في الأيام الماضية مؤتمرا تحضيريا لإعلان انطلاق هيئة الزكاة في بلادنا بعث فيّ أملا بإمكانيّة نجاح هذه التجربة نظرا لحجم ونوعيّة الحاضرين وطبيعة المشاركات القيّمة التي قدّمت فيه، وبما أنّني باحث مهتم بهذا المجال وأحضر رسالة دكتوراة بعنوان: (دور الزكاة في تقريب الفوارق الاقتصادية "حالة موريتانيا") فإنني أردت أن أشارك أصحاب الرأي العام بعض النقاط المهمة التي قد تساهم في إنجاح التجربة الموريتانية المنشودة في تطبيق الزكاة حال أخذها بعين الاعتبار بإذن الله تعالى.
لذا فأنني سأدلف إلى الموضوع مباشرة فأقول:
- أولا : لابد من النظر إلى تجارب الدول الأخرى في تنظيمها للزكاة دون استنساخ تلك التجارب لأنها ضعيفة أو دون المأمول منها على الأقل في كثير من الأحيان بل ولأن عقلية الشعوب ومساحة الدولة ونوعية الموارد وطبيعة المصارف تختلف.
- ثانيا :لابد من إصدار قانون للزكاة يتضمن إنشاء هيئة تعنى بجمع وتوزيع الزكاة ويكون على رأس هيكلتها مجلس أعلى للفتوى يضم في عضويته كبار العلماء في البلد وهو الذي يحدد بالتفصيل أنواع الأوعية والنصب والمقدار الواجب في كل منها ويحدد الرأي الفقهي المأخوذ به في كثير من الإشكاليات مثل إشكالية نقل الزكاة ماهي مسوغات النقل؟ وهل العبرة فيه بمكان المال أم بمكان صاحبه؟ وإشكالية التوزيع بين المصارف، ماهي المصارف الموجودة الآن؟ وكيف سيتم التوزيع عليها؟ وكإشكالية استثمار أموال الزكاة هل يمكن أن توظّف في مشاريع تدر دخلا للفقراء مثلا؟...الخ هذه الأسئلة وغيرها الكثير يجب أن يجيب عليها مجلس الفتوى دون أن يقتصر في ترجيحاته على مذهب فقهي واحد .
- ثالثا: تشجيع دافعي الزكاة بإعفاء مقابلها من الضريبة وذلك لغرض تخفيف الأعباء على المزكين لأنّهم من المتوقّع أن يتعاملوا مع الزكاة تعاملا مختلفا يتّسم بالارتياح والاستعداد بل والرغبة في دفعها للهيئة المكلفة بها لأنّ في ذلك رفعا للحرج عنهم في الاختيار والتمييز بين الفقراء من جهة وسترا أيضا لحجم الممتلكات وإراحة من مشاكل حساب الزكاة وتعقيداتها المختلفة.
- رابعا: اتخاذ بعض الإجراءات من أجل ضمان الشفافية في الجباية والتسيير ويتطلب ذلك استخدام الكثير من الوسائل مثل :
الاستقلالية التامة للهيئة عن الجهات الحكومية.
انتقاء الأكفاء المشهود لهم بالاستقامة للعمل فيها.
إشراك دافعي الزكاة والمستفيدين منها في الجباية والتوزيع.
إصدار تقارير دورية عن الجباية والصرف.
الإنفاق على هيئة الزكاة من الميزانية العامة للدولة والنظر من طرف مجلس الفتوى في إمكانية تعطيل مصرف العاملين على الزكاة سدا لذريعة الفساد أو الاقتصار على نسبة 12.5% إن اقتضى الرأي الشرعي ذلك.
- خامسا : كخطوة عملية يجب تقسيم هيئة الزكاة إلى إدارتين منفصلتين تعنى إحداهما بالجمع والأخرى بالتوزيع ويمكن لكلّ منهما أن تستفيد من مؤسسات الدولة التي تعمل معها في نفس الإطار ومن ذلك مثلا في مجال الجباية:
أ- زكاة الزروع : - جمع المعلومات - مراقبة الأسواق - التعاون مع إدارة الزراعة.
ب- زكاة عروض التجارة والنقود : - جمع المعلومات - التعاون مع إدارات الجمارك والضرائب - التعاون مع البنوك التجارية ومؤسسات الادخار.
ج- زكاة الأنعام : - جمع والمعلومات - مشاركة الهيئة في توزيع الأعلاف والقيام بالحملات البيطرية - التوزيع المباشر على الفقراء ( تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم).
د- زكاة المال المستفاد: - جمع المعلومات - التعاون مع إدارة المعادن ومراقبة نقاط بيع الذهب - التعاون مع موثقي العقود - التعاون مع الإدارة العامة للعقارات وأملاك الدولة.
هـ . زكاة المستغلات : - التعاون مع سلطة تنظيم النقل العمومي - التعاون مع إدارة الضرائب - التعاون مع سلطات المرور.
و- زكاة المهن الحرة والمرتبات: - التعاون مع الإدارة العامة للميزانية - التعاون مع الإدارة العامة للضرائب - التعاون مع مكاتب الجاليات في الخارج.
أما في مجال الصرف فإن هيئة الزكاة يمكنها أن تستند إلى سجلّات الفقراء الموجودة لدى إدارة السجل الاجتماعي لأنّها أعدت بطريقة شفّافة ونزيهة - حسب اطلاعي - سوى أنّ هنالك بعض الملاحظات البسيطة التي تُعاب على عملية الإحصاء يمكن للهيئة أن تأخذها بعين الاعتبار بغية تصحيحها والقيام باللازم من ذلك:
أ - أنّ هذه العملية استندت في أصلها على المسح الذي أٌعدّ سنة 2014 حول الظروف المعيشية للسكان، وهذا المسح يعتمد على العيّنات وبالتالي فهو لا يصدُق على باقي السكان 100%.
ب - أنّ منهجيّة تحديد أصحاب الفقر المدقع انطلقت من مبدإ أنّ نسبة الفقر في جميع القرى داخل البلديّة واحدة وهو ما ليس صحيحا البتّة.
ج - أنّ عملية الإحصاء اعتمدت على الاستبيان الذي يعتمد على أجوبة المستجوَبين ومن المعلوم أنّ ذلك لن يكون دقيقا في بعض الأحيان.
سادسا: أخيرا وليس آخرا يتطلب تنظيم الزكاة أولا وقبل كل شيء بناء جهاز إعلامي قوي وفعال ينطلق عمله قبل انطلاق المؤسسة ويواكب كل صغيرة وكبيرة تتعلق بها مستخدما في ذلك كافة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ويقدم منتوجا إعلاميا متنوعا ومتكاملا ويتضمن كافة أدوات التعبير من كتابة وصورة وتسجيل ...الخ كما أنه يجب أن يخصص جانبا للدعوة ينظم المحاضرات والندوات والكتابات ويكون ذلك بمشاركة جميع الفقهاء والدعاة والمرجعيات والمشائخ حتى يقدمون المؤسسة باعتبارها محل إجماع من جميع الموريتانيين
تلك إذن بعض الخطوات والتوصيات التي أرى أن القائمين على الشأن العام أخذها بعين الاعتبار بغية إنجاح هذا المشروع الإسلامي الكبير والطموح
وقد حاولت أن أستفيد فيها من تجارب الدول الأخرى دون أن أتقوقع في واحدة منها، كما أنني حاولت أن اتدرج في أسلوب فرض الزكاة مراهنا على حضور الوازع الديني في مجتمعنا من جهة ومراعيا لانعدام الثقة بين المواطنين والجهات الرسمية بخصوص تسيير المال العام من جهة أخرى؛ وهو انعدام له ما يبرره بالنظر إلى حجم الفساد الذي انتشر في هذا البلد في العقود السابقة للأسف الأمر الذي أدى الى انتشار الفقر والجهل وأدى إلى انعدام الأمن والعدالة والمساواة...إلخ
نسأل الله العلي القدير أن يرفع عن بلادنا تلك الأمراض وأن يجعل تنظيم الزكاة فاتحة عهد جديد وبداية إصلاح حقيقي ونمو وازدهار ومساواة
والسلام عليكم ورحمة والله وبركاته
إسلم لمرابط محمد الامين
طالب في مدرسة الدكتوراه بجامعة نواكشوط - كلية العلوم القانونية والاقتصادية