عندما أخذت القلم لأكتب تحت هذا العنوان – الغريب نوعا ما- لم أكن أريد التعبير عن جهة أو قبيلة معاذ الله، بقدر ما أحسست بدافع ألم يعتصرني منذ أمد بعيد بسب واقع مر ومقزز لمنطقة قد لا تستحق كل ذلك الظلم من طرف أبنائها، ولا ذلك التهاون من طرف الأحكام المتعاقبة على البلاد، وإن كان هذا الواقع لا يعبر عن جهة واحدة من وطننا العزيز، بل إنه قد يكون هو نفسه ذلك الواقع المعاد المكرور في مختلف ولايات ومناطق هذا الوطن الذي لم يعرف بعد تنمية حقيقية بمفهوم المصطلح حتى الآن.
إن الحرية في التعبير التي ننعم بها –على علاتها- ليست منحة من هذا الحاكم أو ذاك، بقدر ما هي شعور طبيعي يستحقه البشر وهو لهم، لا يمنح ولا يعطى لأنه حق طبيعي للجميع، ومهما حاول الآخرون انتزاعه من داخلنا فلن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا.
لكن الحرية الحقيقية التي أقصد هنا في هذا المقام هي أن المرء لا يجب أن يستمتع بالحرية بينما يعاني الآخرون من الظلم والاضطهاد والتهميش ... إلخ.
فالحرية هنا تعني القدرة على الدفاع عن الآخرين والسعي كي يحصلوا على ما ينعم به غيرهم.
عزيزي القارئ...
من رحم هذه المعاناة التي يعانيها سكان ولاية من أكبر وأهم ولايات الوطن الذي نؤمن به جميعا وطنا فوق كل اعتبار، من تلك المعاناة كان الدافع وراء الكتابة تحت هذا العنوان، فكيف يظلم الأهل أوطانهم ؟ وإذا ما فعلوا، فكيف يكون تعامل الغير مع تلك الأوطان ومعهم هم؟.
إشكالية تستحق منا تفكيك رموزها لاستجلاء غوامض وأسرار الواقع المزري الذي يعيشه سكان ولاية الحوض الشرقي، ولربما كان نفس الواقع الذي تعيشه مختلف جهات الوطن، وإن كان بتفاوت ليس كبيرا.
عزيز القارئ...
إن قيد السلطة قد يسلب الإنسان حريته الخاصة، وإرادته الخاصة،بل وحتى مشاعره، ويستثنى من ذلك من ضحى بحريته فإنه يحاول جاهدا أن يبتعد عن السلطة، وإذا ما ابتلاه الله بها فإنه يركلها في أول فرصة متى كان ذلك على حساب حريته وقناعاته ومعتقداته وما يؤمن به،ولا شك أن التاريخ قد سطر لنا الكثير من أمثال هؤلاء، ولكنهم قلة في وطننا الغريب الأطوار، إذ لا يتجاوزون أصابع اليد، ربما لأن أغلب الناس يرغبون في متعة ودفئ محيط السلطة والحاكم، فإذا رضي فرحوا وإذا غضب اسودت في أوجههم (الحديدية) الدنيا بأكملها، إن جاز لنا هذا التعبير...!
وإن كان المقام ليس مقام ذلك، إلا أنني أردت أن أوضح لك عزيزي القارئ فقط.
إن الحوض الشرقي ولاية من أكبر وأهم ولايات الوطن اقتصاديا وديمغرافيا أو انتخابيا وهي الأهم عندهم ربما.
عزيزي القارئ...
لقد عانت هذه الولاية الكثير ولا زالت تعاني من المآسي المتمثلة في التهميش الممنهج بسبب ظلم أهلها لها، أو بسبب أغلب الذين يدعون أنهم على واجهتها ويمثلونها، ويتكلمون بإسمها، والحقيقة أن أغلبهم إنما يعبر عن نفسه، ويمثل مصالحه الخاصة لا غير، فهؤلاء لا يتمتعون بأقل احساس بالمسؤولية اتجاه من يمثلونهم أو يدعون أنهم يمثلونهم، وأحرص هنا أن لا أعمم، فالذي يحس به منهم بهذا فذلك شأنه ، فاليحكم على نفسه بنفسه
–إن كان عادلا- على الأقل مع نفسه .
ومهما يكن من أمر ذلك كله، فإن الظلم يتمثل في عدم الإحساس بالمسؤولية اتجاه الآخرين، فعلى مر الأحكام السابقة لم تشهد الولاية غير وعود، ووعود لم ترى النور بعد، بل إن الغريب في الأمر أن من يدعون التمثيل وهم بارعون فيه لا تسمعهم يتكلمون، ولا يطرحون أي مشكلة يعاني منها السكان، وكأنهم ينوبون أو يمثلون سكانا آخرين في كوكب آخر...!!
فالولاية تفتقد إلى أبسط المرافق الضرورية للإنسان الذي يحترم نفسه، وتحترمه سلطته، على الأقل هذا ما ينبغي في الدول المحترمة، على سبيل المثال لا مرافق خدمية: صحية، زراعية، صناعية، ثقافية، رياضية،... إلخ.
أما البُنى التحتية الطرق مثلا فلاتوجد على الإطلاق، صحيح أن هناك محاولة لتعبيد عدة كلومترات داخل عاصمة الولاية (النعمة) ولكنها باءت بالفشل الذري لأنها لم تدرس دراسة فنية دقيقة، حيث أنها اصطدمت بأماكن مرور بعض الأودية وتضرر منها الكثير من المنازل داخل المدينة، هذا من جهة ومن جهة أخرى تجب الإشارة إلى أن الطريق الرابط بين العاصمة نواكشوط والولايات الشرقية مقطوع منذو ما يقارب الأربع سنوات نتيجة للخسار البالغ بين مدينة كيفة والطينطان، مما يعيق بشكل كبير حركة الأشخاص والبضائع.
عزيزي القارئ...
قبل ثلاث سنوات ونيف، أي مع مجيئ هذا النظام الحالي تفاءل البعض بأن أغلب المشاكل ستحل خلال فترة وجيزة ، وخاصة بعد زيارة السيد رئيس الجمهورية إلى الولاية، حيث وعد بإنشاء مصنع للألبان ومشتقاتها، ووعد بحل مشكلة الماء الشروب، فهي مشكلة كبيرة يعاني منها سكان الولاية بصفة عامة على الرغم من أن هذه الولاية تحتضن بحيرة (اظهر) التي يمكن أن تسقي كل الولايات الشرقية، فضلا عن ولاية واحدة، فسكان ولاية الحوض الشرقي أشبه ما يكونوا ب"العيس في البيداء": يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول، فإلى متى يا ترى!!؟.
أما المصانع التي تكلم عنها السيد الرئيس أثناء زيارته للولاية لم ترى النور بعد، ربما تنتظر فرصة أخرى، فلا ندعي علم الغيب فهو لله وحده سبحانه وتعالى، ولكننا نقول بأن هذه المصانع أولوية اقتصادية قبل غيرها، فهيمنة القطاع السائد "الرعوي والتنموي" يتطلب وجود مصانع للأعلاف، ولتعليب الألبان ومشتقاتها، وربما لتعليب اللحوم وتصديرها إلى دول المنطقة بعد الاكتفاء الذاتي، فالمعروف أن الولاية تغذي سوق العاصمة وأغلب الأسواق الوطنية بمادة اللحوم، وخاصة في ظل هذه الظروف التي تشهدها جمهورية مالي المجاورة والتي كان المنمون في الولاية، والولايات الشرقية الحدودية يذهبون بقطعانهم إليها طلبا للمراعي الخصبة والتي هي الآن في خطر بعد نشوب الحرب الحالية.
هذا الوضع يتطلب من السلطات النظر فيه أكثر من أي وقت مضى.
أما الألبان فتذهب هدرا لا مصانع لها ولا شي ء يشبه ذلك هناك، فنرى من الأولى أن يفتح مصنع للألبان بدل فتح مركز مهني ومدرسة للتكوين في مجال الصحة، على الرغم من وجودها في انواكشوط ولم تكتمل الطاقة الاستيعابية لها في العاصمة بعد...!!
هذه المرافق ضرورية فعلا، إلا أن الأنشطة السائدة أو المهيمنة على اقتصاد الولاية هي الأولى والأجدر، وإذا كان برنامج السيد الرئيس حسب التصريحات الإعلامية قد تحقق منه ما يزيد على 70%، فإنه على مستوى الولاية لم يتحقق منه إلا ما قل وربما دل،
اللهم إلا إذا كان البرنامج لا يشمل ولاية الحوض الشرقي، أو الولايات الأخرى، وعندها تكون الكارثة، فالتنمية يجب أن تكون متوازنة وليس ذلك على مستوى التسويف والاستهلاك الإعلامي، فينبغي أن تكون هناك أقطاب للتنمية فعلا وليس كلاما، فالأقوال آن لها أن تدخل حيز الأفعال، فالشعوب لم تعد تريد شعارات، وأصبحت واعية بما يجب أن تكون عليه أوطانها، وما تؤول إليه ثرواتها.
إن المواطن في هذه الجهة أو في أي جهة أخرى من وطننا المترامي الأطراف من حقه أن يشعر بأن السلطة في يد أمينة وصادقة، لا أن يُسرق وهو نائم، وتُبتكر الطرق والوسائل والأساليب لكي تُستنزف مدخراته وخيراته لتوضع بين أيدي ثلة قليلة من العابثين والفاسدين، فلم يعد مكان لذلك على الإطلاق.
وعلى الرغم من كل ذلك فالمواطن العادي في هذه الولاية لا زال عنده بصيص أمل يمثل ربما نقطة الضوء التي توجد في آخر النفق المظلم...، إلا أنه مع قلة أمله لم يعد مستعدا بأن يُهدر حقه، ولم ولن يظل متغاضيا عنه أبدا.
عزيزي القارئ...
يجدر بنا التنبيه إلى أن الانتخابات على الأبواب كما يقال، وما تعوّد عليه الوجهاء أو من يدّعون ذلك من أبناء الولاية ربما لن يكون طريقهم هذه المرة مفروشا بالورود، فالواقع تغير ويتغير بين اللحظة والأخرى فاليضعوا ذلك في حساباتهم الخاطئة أصلا.
هذا على الأقل نتيجة للوعي المتزايد بخطورة التهميش والظلم لسكان الولاية من طرف أهلهم وذويهم وهو الأكثر ألما على حد قول الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على الحر من وقع الحسام المهند
هذا من جهة، ومن جهة أخرى تهاون السلطة بوعودها الكثيرة والتي لم يتحقق منها أي شيء، فيجب أن تعيد النظر هي الأخرى في حساباتها لأن الحال تغير ولم يعد على حاله.
فالأصلح من وجهة نظري أن يتم تجديد الطبقة السياسية ليتم رسم خريطة سياسية جديدة، ويتم التعامل معها بالمستجدات والآليات الجديدة التي تمليها الظروف الحالية التي يمر بها العالم المتحضر اليوم، هذا ليس على مستوى الولاية فقط بل يجب أن يُنظر إليه على المستوى الوطني، لأن من كان ينهب خيرات هذا البلد لازالت أمامه فرص لنهبه، ويبقى شرفاء الأمة، والغيورين على مصالحها على الهامش دائما، إلا أن الغد المشرق قريب إن شاء الله، فنرجوا من الله أن يعين هذا الرئيس على إدارة هذا البلد إلى بر الأمان وأن يبعد عنه الفاسدين والمفسدين ممن حوله، ويهديه الله على اختيار الخيرين من أبناء هذا البلد حتى يساهموا بأفكارهم النيرة في بناء هذا الوطن بصفة عامة.
وفي الأخير فإن هناك طبقة كبيرة صامتة على المستوى الوطني لا تنتسب إلى موالاة ولا إلى معارضة، ولا إلى أي حزب، إنما هي صامتة تنصر الحق وتطالب به دون تطبيل ولا تمجيد لحاكم أو سلطة، فيجب أن يطرح لها حسابها، ولا يمكن لأي كان أن يتجاهلها،وستحظى بمكانها اللائق بها إن شاء الله لأن المسرحيات الهازلة، واللغة الخشبية المقرفة، لم يعد لكل ذلك مكان اليوم، في زمن قد وعى فيه الناس حقوقهم وواجباتهم بلا رجعة.
الأستاذ: مولاي عبد المومن ولد الشيخ العافية
حقوقي