حين أقول "لا للعنصرية" فإنني أقولها كمواطن موريتاني دون أن أتقيد بلون او فئة او جهة؛ بل أقولها كإنسان خلقه الله للاستخلاف في هذه الارض و إعمارها بالحق فعلا و قولا.
و ليست لائي هنا لاء سياسية او ديمقراطية ديناميكية يمكن أن تتحول إلى "نعم" تحت ضغط ظروف إجتماعية أو صروف زمانية؛ بل هي لاء جامدة صامدة ثابتة راتبة لا تقبل الرجوع و لا الخنوع و لا الخضوع.
" لا للعنصرية و ألف لا"
لا لتلك العمياء الحاقدة الحاسدة الشاردة التي لا تعرف خلقا ولا تحترم منطقا و لا تزرع خير و لا تعرف مبدأ و لا تفرق بين حق و لا باطل.
لا لتلك الشيطانة التي يحاول البعض أن يلبسها لبوس المظلومية أو الحقوقية أو المسؤولية و هي أبعد ما تكون منهم.
إن العنصرية هي أخت توأمة للحسد؛ فلا تذكر إلا ذكر معها و لا يذكر إلا ذكرت معه.
فقد ولدهما الشيطان في لحظة واحدة قائلا.
"أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ"
يمكنك أن تميزها عن غيرها بسهولة فهي نتنة الرائحة
تبحث دوما عن مكان لتعشش فيه؛ بين الإخوة الأشقاء بإسم الأفضلية
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ
و بين الاخوة لأب بإسم التمايز في الام و في الحب
إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ
و بين بني العمومة بإسم التمايز في الاجداد.
و تبيض و تفرخ حين تجد تمايز في اللون و الفئة و الجهة و القبيلة و الصفات و الحال من يسر و عسر وجمال و قبح و فقر و غنى.
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
أما إذا وجدت العنصرية مظلومية أو فخرا أو بغضاء أو تشجار أو تنابز أو غيبة أو نميمة فإنها تنام هناك نومة هنيئة مطمئنة.
و تجعل من صاحبها أصم و ابكم عن كل حقيقة إلا ما في قلبه من ضغينة يكابر بها في كل موقف.
لا يعرف حقا و لا يتقبل صلحا و يفهم نصحا.
وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ
إن العنصرية هي داء بغيض يقتل القلوب قبل الأبدان و الأفكار قبل النطق باللسان، و يمزق أواصر المجتمعات كما يمزق الوحش الجائع فريسته.
و حين تسكن النفوس؛ تفعل كما يفعل السم بآكله. فلا يستقر لصاحبها قرار و لا يسلم له أهل و لا جار؛ حتى يخرجها من قلبه؛ أو تقتله شر قتلة و تقتل كل معنى للإنسانية فيه.
قد يكون الإختلاف الكبير في الرأي سببا لخروج الصواب؛ و قد يكون النقد اللاذع سببا لتصحيح المسار؛ اما العنصرية فإنها لا تجر للمجتمعات إلا الحقد و البغض و الحسد و الظلم و الفسق و الفتنة و الدمار.
فتجد صاحبها حين يناقشك يحكم عليك قبل الكلام و يخاصمك قبل السلام و يفندك في كل مقام و يرميك في كل ما تقول بسيئ الاتهام و يجعل الفوضى محل النظام؛ و الحلال محل الحرام؛ و كل ما صفحت عنه قابلك بالصدام.
إنها شيطانة ماردة؛ تنخر جسم الوحدة و تتغذى على الأخطاء و المظالم و الشرور.
و أي دولة أو نظام أو مجتمع عليه أن يطرد العنصرية عنه و يحاربها و ينبذها و يطفأ نارها و شررها قبل أي بناء او تنمية.
إن الذين يلعبون على وتر العنصرية الجهنمي، بحجة الحقوق و الديمقراطية و العدالة و المساواة ؛ إنما يخربون بيوتهم بأيديهم.
و يتمردون على مبادئهم و قيمهم دون أن يشعروا؛ تحت تأثير مخدر العنصرية الذي يجعل الشخص يقرأ الكلمات بأضدادها و يحكم على الأشياء قبل فهمها و يصور الأمور بغير حقيقتها.
و حين يجلسون مع أنفسهم جلسة تأمل بعيدا عن الأهواء و البغضاء و يخاطبون عقولهم و مبادء الانسيانية فيهم؛ و يستحضرون إسلامهم و ايمانهم دون مكابرة و لا محابات.
سيدركون فعلا أنهم كانوا بعيدين كل البعد عن مقاصد الحق و مسالك الخير و مفهوم الحياة السليم و مدار الإصلاح القويم.
إن "لا للعنصرية" ليست محاضرة و لا شعارا و لا عبارة تردد من أجل مجادلة الآخر و مقارعته أو تصفيق لمنجز أو رفض لمزعج.
و إنما هي صفة ذاتية في ماهية دولتنا و مجتمعنا لا يمكن تصورهما من دونها.
فإسمنا العلم مورياتنيا لا حظ فيه لتلك الفاسقة المفسدة المهلكة المسماة بالعنصرية
و أي مظهر لها أو دعوة من فرد أو جماعة هو مرض عضال في جسم البلد لا بد من علاجه و القضاء عليه في أسرع وقت ممكن و بما أوتينا من قوة حتى لا يستشري في جسم الوطن، و حتى نستطيع ان نخطوا خطوة إلى الأمام في مجال الإصلاح و التنمية بأريحية و بسلام و أمان.
حفظ الله بلادنا و بلاد المسلمين من كل الشرور و جعلها آمنة مطمئنة تنعم بالخير و السلام و الأمان شعبا و جيشا و نظاما و سلطة و أرضا و سماء في كل زمان و بانسجام و وئام .