تأبى الجغرافيا إلا أن تكون عصية على التجاوز؛ فهي على ما هي عليه من البساطة لا تجادل باعتبارها العامل الأكثر أهمية في السياسة الخارجية للدول ؛ والمفسر الأكثر دورا في إحداث دفء بالعلاقات بين الدول ؛ والأكثر ديمومة ؛ فالرؤساء يذهبون ؛ والطغاة يطردون أو يسجنون ؛ لكن نهر السينغال سيظل راسخا في مكانه ؛ فعلى الرغم من أن كلا من موريتانيا والسينغال هربتا عن بعضهم البعض ؛ حتى غاصت السينغال في دول غرب افريقيا بعيدة عن علاقة متينة مع موريتانيا ؛ وسعت بكل ما أوتيت لتجاوز محيطها المجاور الطبيعي محاولة التطبيع مع حليف بعيد عن مجالها الطبيعي ، بدلا من تعميق التعاون مع جوارها الإقليمي المجاور؛ ففشلت السينغال في تعميق علاقاتها لتجاوزها بوابتها الشمالية "موريتانيا "؛ وفرت موريتانيا إلى محيطها العربي ثم الساحلي ؛ ففشلت في تعميق علاقاتها ،لتجاوز بوابتها نحو إفريقيا جنوب الصحراء " السينغال "
وفي نهاية المطاف أبت حتمية الجغرافيا إلا أن تفرض على الطرفين العودة لمحيطهما الجواري ؛ وأثبت التاريخ و الأمثلة حاضرة اليوم من خلال استغلال الغاز بين البلدين ؛ أننا لسنا استثناءات من القاعدة الجغرافية الحتمية؛ مما يقتضي من صناع القرار الموريتانيين والسينغاليين الانتباه بقوة لحتمية الأدوار التي تلعبها الجغرافيا في تحديد نمط العلاقات بين الشقيقتين وإدراك أن موريتانيا والسينغال لا محيد لأي منهما عن الآخر ؛ فالجغرافيا كما تؤكد على ذلك الاكتشافات الغازية بين الشقيقتين عصية على التجاوز وقادرة على إعادة تشكل العلاقات كعامل أساسي في جعل الطرفين أكثر واقعية وعقلانية من ذي قبل ؛ وعاملا ثابتا ؛ فموريتانيا محاذية للسينغال على مر الزمن؛ كما السينغال في الماضي والحاضر والمستقبل تماما جارة لموريتانيا .والشعبين الموريتاني والسينغالي شعبين متجاورين في حاجة ماسة للتعاون المشترك الدائم .
الأولويات الأربعة : إلى غزواني ومكي صال
من المهم على صناع القرار بموريتانيا والسينغال ـــ خصيصا وأنه بكل مرة ومع كل نظام جديد في البلدين يثبت التاريخ عودة الجغرافيا في كل حين للانتقام ممن يتجاهلها في رسم سياساته ـــ كأولوية أولى تصفير المشكلات العالقة باعتباره عين الحكمة والواقعية السياسية ، والوعي أنه يستحيل على كلا البلدين تحقيق مكانتيهما إقليميا ودوليا في ظل تجاهل قدرهما الجغرافي وتحدياته ؛ فقدر موريتانيا الحتمي السينغال ؛ وقدر السينغال الذي لا مفر منه موريتانيا
وكأولوية ثانية : إنهاء محاولات التجاوز والحصار لبعضهما البعض التي طبعت تاريخ العلاقات البينية بين البلدين.
وكأولوية ثالثة : إعادة تعريف العلاقات الموريتانية السينغالية من جديد على ضوء الاكتشافات الغازية ؛ بما يدعم مصالح البلدين بدلا من سعيهما لتجاوز قدرهما الجغرافي ؛ في وقت نلحظ فيه فتورا وغيابا ملحوظا للمبادرة البينية لتعميق وشائج الترابط بين الشقيقتين .
وكأولوية رابعة : استثمار اللحظة التاريخية التي فرضتها الجغرافيا اليوم من خلال الغاز ، بتذليل كل الصعوبات العالقة في وجه مزيد من العلاقات الموريتانية السينغالية ؛ وإعادة تطوير للعلاقات الموريتانية السينغالية من جديد على ضوء الاكتشافات الغازية ؛ نحو مزيد من تعزيز العلاقات الموريتانية السينغالية والعودة للجوار الجغرافي الطبيعي وتصفير كل المشكلات التي تقف في وجه بناء علاقات بينية من منظور بنائي وتعاوني و تكاملي بما يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين الموريتاني والسينغالي ، وبما يدعم مصالح البلدين ويعزز سبل الحوار والتعاون ويفعل التكامل الجواري الاقتصادي .
على موريتانيا والسينغال كجارتين أن تتجاوزا توازن التهديد الذي من شأنه أن يجعلهما كجارين أقل احتمالا أن يكونا حليفين ؛ ويفضلان العلاقات مع قوى أخرى. خاصة في ظل انتصار الجغرافيا وفرضها تشابك المصالح الاقتصادية.
إن الخلاصة التي يستحسن عدم تجاهلها بالنسبة لغزواني وماكي صال النظر لبعضهما (موريتانيا والسينغال ) كأخوين مصيرهما مشترك وحتمية التعاون بأخوية السبيل الأوحد ؛ واستحالة المراهنة على حلفاء بعيدين لتحقيق أفضلية ما على حساب الجار القريب ؛ إنها مراهنة خاسرة بامتياز ؛ خصوصا حينما تتحدى الدول قدرها الجغرافي بدلا من أن تتصالح وتتكيف معه بطريقة ما .