في العقود القليلة الماضية، شهدت بلادنا نقلة نوعية على كل الصعد، كان لها تداعياتها على مواطنينا عامة، وجيلنا الجديد خاصة.
وما يهمنا في هذا السياق، هو ما انتشر في مجتمعنا أخيرا من مسلكيات ضارة لم يألفها المجتمع من ذي قبل، ويزداد أوارها - للأسف - يوما بعد يوم وتتنوع وتتطور في مسار تصاعدي لافت.
وفي طليعة ذلك، ظاهرتان عمت بهما البلوى وأصبحتا السمتين الغالبتين على كل امتحان أو مسابقة تجري في هذا البلد، أنهما ظاهرتا الغش والتسريب، وما أدراك ما الغش والتسريب؟
لقد أصبحت الظاهرتان شائعتين ومنتشرتين كما النار في الهشيم. ففي كل تقويم مهما كانت درجته ونوعيته وأهميته، تصلك في وقت متزامن مع بدء انطلاقته - إن لم يصلك قبل ذلك - رنين الرسائل المصورة له على مختلف وسائط التواصل.
ومن لم يحصل من المعنيين على نصيبه من الكعكة، ينتقل إلى الخطة "ب" والمتمثلة في الغش بحثا عن ما يواري به سوأة ورقة الإجابة، بالالتفات يمنة ويسرة، حتى يظفر بالغنيمة على مرآى ومسمع من مراقبيه الموجودين داخل القاعة، هذا إن لم يتول أولئك المراقبون كبر تلك المهمة بأنفسهم، ضاربين عرض الحائط، بما أوكل إليهم من أمانة وثقة ينبغي أن يكونوا على قدرهما.
إن عدم شعور الجيل الجديد بوخز الضمير، تُجاه ما يرتكب من مسلكيات مشينة، وفي ظل الأجواء الرقمية الجديدة المعينة على ذلك؛ تفرض على الجيل السابق من مشرفين ومراقبين على هذه الامتحانات والمسابقات، أن يكونوا على قدر المسؤولية والتحدي.
ومن ذلك إعطاء القدوة الحسنة، واليقظة أكثر في ظل تطور الوسائل المعينة على الغش والتسريب، باذلين أقصى جهد في سبيل الاضطلاع بمسؤولياتهم والتي تعتبر الفيصل في إعطاء كل ذي حق حقه، ولئلا نغير جهة المؤشر الطبيعي للبوصلة، وما ينجر عن ذلك من ظلم (وضع الشيء في غير محله).
ولتكون المحصلة:
معلم فاشل،
طبيب فاشل،
مهندس فاشل...
والحبل على الجرار.
لقد بذلت وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي جهودا للحد من هذه الظاهرة، من خلال كم معتبر من التعميمات تحذر كلها من الغش وتعد مرتكبيه بعقوبات رادعة، لكن كل ذلك - للأسف- لم يمنع من حدوث خرقات كثيرة شابت ما تم تنظيمه حتى الآن من امتحانات.
ومن هنا، نرجو ونأمل من الجهة المعنية أن تعيَ الدرس والرسالة وتتفادى تكرار ذات التجربة في قادم الامتحانات أوالمسابقات.
إن على الجميع أن يهب هبة رجل واحد للمشاركة في نصيبه من التدابير اللازم أخذها للقضاء على هاتين الظاهرتين الغريبتين والمشينتين "الغش والتسريب" واللتين استفحلتا بدرجة أن أضحتا منذرتين بخطر يهدد حاضر ومستقبل هذا البلد الذي ينبغي علينا جميعا الحفاظ عليه، وإيصاله بر الأمان.