للإصلاح كلمة توضح الطريق الإسلامي الوسطي الذي لا شية فيه (5) / محمدّو بن البار

هذه الحلقة الخامسة والأخيرة مخصصة لتوضيح الطريق التي سلكها بعض الحركات الإسلامية، وما زالوا يطلقون عليها أنها الطريق الإسلامي الوسطي – بعد :

أولا : انحرافها عن أصلها ومنطلقها الأول.

ثانيا : بعد أن وجدوا إسما لطريقتهم الجديدة وهي الطريق المدني، وتبيينا للفرق بين المنطلق والمآل الآن : أقول إنه أبسط ملاحظة عن الفرق بين الانطلاق والمآل الآن هي أن الإسلام كما أنزل أو أقول الإسلامي القرآني والسني كان هو الشعار فكرا واتجاها وعملا تنفيذيا – ومن روافعه آنذاك أنه كان يسير علي خطوات من أحيوا طريقته كما هو من غير لف ولا دوران، فذلك هو أصل طريقة الإسلام أي الطريق المستقيم الذي وحده يتكرر من المسلمين طلب الهداية إليه في اليوم 17 مرة وجوبا.

فإحياء بعض الحركات للطريق المستقيم كما هو ومحاولتهم لرد حكوماتهم وشعوبهم إليه بالجهاد بالتي هي أحسن أي بالموعظة الحسنة وإعطاء المثل من عملهم اليومي الدعوي السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلي آخر كل حياة الإنسان دولة وشعبا كان هو هدفهم الأسمي ونصب أعينهم المبصرة وآذانهم الواعية، وهذا المسلك الواضح لذلك الطريق المستقيم ظلوا وما زالوا متمسكين به حتى اليوم وحالهم يقول وإلي الأبد بإذن الله،{{ فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}}.

هذه الصورة أعلاه التي لا ينحرف سالكيها يمينا ولا شمالا هي التي أشار إليها القرآن والسنة في كثير من النصوص يقول تعالي : {{فاستقم كما أمرت ومن تاب معك}}، ويقول :{{وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا}}، ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم في آخر الحديث الصحيح : ((وستكون فتن عليها دعاة إلي أبواب جهنم لأن تموت وأنت عاض علي شجرة خير لك من أن تتبع أحدا منهم)) أو كما قال صلي الله عليه وسلم، بمعني أن المسلم المطلوب منه اتباع الاسلام كما أنزل لا المصالحة فيه ولا مقاسمة الحياة معه ولا التنازل عنه ولا عن بعضه والنصوص كثيرة في هذا المعني.

فلا المسلم الداعية مطالب بهداية أهل الأرض {{إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}}، فليس في قاموس الإسلام طلب التكاثر في الإتباع حتى ولو كان طمعا لهداية الناس {{ودوا لو تدهن فيدهنون}}.

ومن هنا خوف التطويل : أًصل إلي الطريق المدنية التي أحدثتها الحركات الإسلامية الجديدة عند شيخوختها مع قرب احتياجها لحسن الخاتمة.

ففي شبابها كما نعلم جميعا كان الإسلام كما هو الفكرة والطريق المستقيم التي تسير عليه الجماعة عملا في النفس والمظهر والسلوك الفردي والجماعي المعروف لها عند الجميع، والاهتمام بأحوال المسلمين أينما كانوا.

أما الآن فلسان حال الشباب آنذاك أصبح يقول :

ليت الشباب يعود يوما       فأخبره بما فعل المشيب

فالبحث عن العمل بكل ما أمر به الإسلام في الداخل والبحث عن مشاكل المسلمين أينما كانوا ولو بالدعاء كان هذا هو السائد وهو الهدف والمصير.

فعين آنذاك للشباب عمل تحت اسم الصحبي المجاهد الأكبر "نادي مصعب بن عمير" وعمل النساء تحت اسم عالمة الصحابة زوج رسول الله صلي الله عليه وسلم الوحيدة البكر وابنة الصديق "نادي عائشة رضي الله عنها".

هذه مجرد مسميات ولكن العمل للهدف والنشاط علي هذا الضوء هو وحده مكان فكرة الجميع، وهذا مع الأسف لم يبق منه إلا كلمة واحدة في أوراق الحزب " مرجعيته إسلامية" ولا يعرف المستمع أين موضوع المرجعية وأين هي ؟ هل هي مناقشة القوانين الوضعية في مجلس النواب أو هي عقد الاجتماعات وإصدار بيان تارة ضد النظام ولكن لا علاقة بموقف الإسلام من الموضوع، أو هو الإذن الكامل للبعض في إذكاء التفرقة بين المواطنين بذكر المسميات الجديدة: التهميش أو الغبن لبعض المواطنين دون بعض ويعلم الله وأكثر المواطنين من همش وما نوع أو لون المهمش باسم المفعول، وإنما هي أوصاف سلاح بارد تكلم بها أولا من يريد بها الزعامة الدنيوية فأخذها بقوة منه كل من يريد استعمالها في غير حق.

فهذه الحركة عند ما آتاها الله من فضله من الاعتراف بها من سماع الكلمة وثقل الوزن في المجتمع جعلته في البحث عن حكامة وضعية أرضية دنيوية، ولا أري هنا أصدق مآل للحركة وفضل أولها علي آخرها من كلمة الوزير السابق سيد محمد ولد محم حيث رأي وهو الشاهد علي الانطلاق أنه لم يبق منه إلا كلمة المرجعية الإسلامية، أما باقي النشاطات فيمكنك أن تأخذ مثلا تيار يسار اليسار من سلوك حزب للمقارنة، فستراه صورة طبق الأصل فلا قيام بدعوة ولا محاضرة دينية باسم الحزب ولا أي نشاط يمكن أن ينسب إلي الدين اللهم إلا إذا كان كثرة استعمال بيانات الحزب وأفراد منه لشعارات التفرقة بين ما يجمع حدقة العين من الألوان.

وهنا أناشد القارئ أن يستمع مع إنصات إلي هذه التفرقة المكتوبة عن تجربة شخصية حاضرة ألا وهي الفرق بين أشخاص الحركة كأفراد وعملها كجماعة جديدة عكس اتجاه العملة التي تغيرت بعشرة أضعاف إلي أعلي.

فإنه من المعلوم أن الشخص له ثلاثة علاقات مع ربه :

1 – علاقة شخصية بينه وربه في كل ما أمر به في جميع أموره.

2 – علاقته مع مجتمعه حكامه وضعيفه وفقيره إلي آخره.

3 – علاقته مع مع جميع المسلمين والاهتمام بهم أينما كانوا والدعاء لهم.

 وأنا الآن سوف أتكلم عن علاقتي مع أفراد الحزب الذي أحتسب نفسي منه ولاسيما معيتي عندما يحين حينها فهي كالتالي :

فعندما كنت أحضر اجتماع قيادات الحزب الموسعة مثل مجلس الشوري فكنت أري وأتيقن أنه ما زال من يحضر يري وجوها ناضرة كلها، وأرجو لها أن تكون يوم القيامة كذلك ناظرة إلي ربها بشبابها وشيوخها ونسائها التائبات العابدات السائحات الثيبات والأبكار ولا أزكيهن علي الله.

وكنت قد كتبت من قبل في هذا المنظر أنك سوف لا ترى إلا وجوها مشرقة خلوقة فلا لحية فيها محلوقة ولا سيجارة في فمها محروقة بل كل واحد كأنه مندوب عن الإسلام يوم تمامه بسكينته ووقاره وامتثاله من فرائضه إلي مندوباته.

إلا أنه مع الأسف طرأت حركات يحسبونها موازية وذاقت حلاوة الدنيا وسماع كلماتها في الدولة وظنت أن مقاصد الشريعة مطلوب مراعاتها في كل شيء مع أنها خاصة بأماكن الاجتهاد لا النصوص الشرعية حتى جعلوا من مقاصدها السكوت عن الحكم بغير ما أنزل الله والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأعلنوا أن اعتبار المقاصد الشرعية مطلوب في كل شيء حتى الوصول إلي السلطة وكان من الأسف أن قرارات شوراهم تمرر كما تمرر قوانين الحكومة بكثرة نوابها وأترك تفصيل هذا التمرير (لسر المهنة)، و كان يلاحظ فيه النظر إلي السلوك من غير  تصريح إلي الحركات الترابية والغنوشية والكيرانية للأغراض الدنيوية إلي آخره.

والإسلام في مكانه ما زال يناديهم :{{فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}} ويقول : {{فربكم أعلم بمن هو أهدي سبيلا}} ويكرر كثيرا : {{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة}} إلي آخر الآية، وقوله {{أم حسبتم أن تتركوا }} إلي آخر الآية، ويقول : {{ألم أحسب الناس أن يتركوا ،،}} إلي آخر ا لآية ويوضح الرسول صلي الله عليه وسلم  ذلك بقوله : (( ألا إن سلعة الله غالية)).

فالآن نحمد لله أنه ما زالت نواة من الحركات تفي بما عاهدت عليه الله ونرجو لها من الله أن يعجل لها وعده بالنصر : {{ وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض }} إلي آخر الآيات كما نرجو لأصحابنا الذين ما زلنا نحتسب أنفسنا منهم  لأني أنظر إليهم كأفراد وأغبطهم لتوفيق الله لهم في خصوصية عملهم في أنفسهم كما ذكرت أعلاه، أما كجماعة فنرجو من الله أن يجعل عملهم الجديد من نوع الاجتهاد الذي لصاحبه أجر واحد، كما نرجو من الله أن يعاملهم بعملهم كأفراد ولا استثني هنا أحدا فيطبق عليهم قوله تعالي : {{للذين أحسنوا الحسني وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}}.

 

23. يوليو 2021 - 16:45

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا