تمر هذه الأيام ذكرى 30 سنة علي دستور 21 يوليو 1991، ورغم اجراء تعديلات عليه مرتين، إلا أنه لا يزال لا ينص بشكل مفصل وصريح علي غالبية الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية (الحق في التعليم ، الحق في الصحة ، الحق في العمل ....الخ ) علي عكس كثير من دول العالم، وهو أمر مفهوم نتيجة لغياب المطالبات بهذا الموضوع .
تهدف هذه الورقة الي تقديم مقترح عملي لتعزيز دسترة هذه الحقوق من أجل مواكبة مسيرة التنمية الوطنية، ولفت انتباه النخبة المحلية لهذا الموضوع.
خصوصية دستور 1991
خضعت موريتانيا لتطورات سياسية هامة، حيث عرفت ثلاثة دساتير، صدر الأول منها سنة 1959. وما أن حصلت على الاستقلال التام حتى بادرت إلى وضع دستور جديد سنة 1961 والذي أكد في ديباجته على تعلق الجمهورية الإسلامية الموريتانية بالمبادئ الديمقراطية لكن سرعان ما عمل على التضييق على هذه الحريات واتجه نحو إقرار الحزب الواحد.
واستمر العمل بهذا الدستور إلى غاية إلغاء العمل بمقتضياته عندما استولى الجيش على السلطة لتدخل البلاد في فترة استثنائية استمرت إلى حدود وضع دستور جديد سنة 1991 والذي يمكن اعتباره أهم تجربة دستورية وسياسية عرفتها موريتانيا، حيث أعاد الأمل إلى نفوس المواطنين بالعيش في ظل تجربة ديمقراطية تصان فيها كرامة الفرد ويسمح له بممارسة حقوقه وحرياته العامة.
وقد تم تعليق العمل به 2005، و تجميده 2008 علي اثر انقلابات عسكرية كما أجريت عليه تعديلات سنة 2006 و 2017 .
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في دستور 1991
رغم ان دستور 1991 و ما تلاها من تعديلات (2006 و 2017) تضمنت غالبية الحقوق والحريات الفردية أو المدنية (حق الملكية، حرية التنقل ...الخ) و السياسية (التعبير ، انشاء الأحزاب ...الخ ) لكنه جاء فقيرا فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية حيث :
تمت الإشارة اليها في ديباجة الدستور فقط (يعلن الشعب الموريتاني على وجه الخصوص الضمان الأكيد للحقوق والمبادئ التالية: - الحقوق الاقتصادية والاجتماعية) من دون أي تفصيل
و قد تم تفصيل فيما يتعلق ببعضها كحق الملكية، تكوين اسرة، تشكيل النقابات و الإضراب ، حرية التجارة و الصناعة هذا بالإضافة الي حماية الاسرة .
لم يتم ذكر أي شي يتعلق بالحق في العمل، الضمان الاجتماعي، التعليم، العلاج، السكن ....الخ
ولم يتم ذكر أي شي فيما يتعلق بالحقوق التضامنية كالحق في التنمية، الحق في البيئة السليمة.
الحقوق الاقتصادية في الدساتير العالمية
جاء هذا الصنف من الحقوق للإجابة عن أهمية الحقوق السياسية والمدنية، فهي امتدادات ضرورية لإعمال الحقوق المدنية والسياسية، وبدأت تأخذ مكانتها في سجل حقوق الإنسان نتيجة للتطور الذي لحق بفكرة الحرية ذاتها منذ الحرب العالمية الأولى. وأكدت على قانونيتها مختلف المواثيق الدولية لحقوق الإنسان لما بعد الحرب العالمية الثانية، وفصل العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مضمونها.
ويطلق عليها حقوق الجيل الثاني، وتتطابق مع المساواة. وتتمثل في حق ، العمل وفقا لأجر عادل، العلاج، التعليم، الدخل المناسب، الضمان الاجتماعي ، تشكيل النقابات ،الإضراب، الحق في الحياة الثقافية ومنافع التقدم العلمي، الحق في مستويات معيشية مناسبة .
تحتل هذه الحقوق خلال العصر الحالي مكانة أساسية في جل دساتير الدول الحديثة التي عملت التنصيص عليها، وعلى هذا المنوال سارت دساتير بقية العالم وكمثال قامت المغرب بتعديل دستوري عام 2011 لإدراج نصوص تخص هذه الحقوق.
مقترح تعديل دستوري.. لإدراج الحقوق الاقتصادية
من أجل تعزيز التنمية في موريتانيا نقترح اجراء تعديل دستوري لإدراج الحقوق التالية علي غرار بقية دول العالم:
الحق في العمل:
حق لكل فرد في أن يكون أمامه فرصة كسب معيشته أو رزقه عن طريق العمل الذي يختاره أو يقبله بحرية والذي يكفل له العيش وتأمين حياته وأسرته ويجعله مطمئنا على حاضره ومستقبله. وهو حق نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتولى العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية بتفصيل وتبسيط حق الإنسان في العمل وتمكينه من كسب عيشه ومن وسائل التكوين المهني والتدريب التقني اللازمين لتنمية قدراته وتطوير معارفه.
الحق في الضمان الاجتماعي:
يعتبر من الحقوق التي استحدثت لتغطية المخاطر الحياتية والآفات التي قد يتعرض لها الفرد أو من هم تحت كفالته كالمرض، الشيخوخة، العجز أو كل ما من شأنه أن يحرم العامل من الاستفادة من أجره. وقد ورد هذا الحق في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية عملت مختلف الدول على تكريس الحق في الضمان الاجتماعي على صعيد النصوص الدستورية، و لا يزال بدون ذكر في دستورنا
الحق في الرعاية الصحية:
أقر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حق كل إنسان في التمتع بأحسن مستوى من الصحة البدنية والفعلية، وعلى هذا المنوال سارت غالبية دول العالم حيث اقرت هذا الحق في دساتيرها، فمثلا يعترف القانون الجزائري هذ ا الحق منذ 1976 والمغربي و كذلك السينغال. ولم تكتف بهذا الحد، بل قامت بإعادة صياغة السياسات العامة بما يضمن حصول الجميع عليه.
الحق في التعليم والتربية:
يقصد به تعليم العلوم المختلفة وما يتفرع عن ذلك من نشر العلم. ويحتل هذا الحق مكانة مركزية بين مجمل الحقوق الثقافية، بحكم أن المشاركة في الحياة الثقافية والتواصل الثقافي يفترضان توافر الأفراد على مستوى معين من المعرفة. وقد ورد هذا الحق في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 26 بقولها: “لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يوفر التعليم مجانا على الأقل في مرحلته الابتدائية والأساسية ويكون التعليم الأساسي إلزاميا، وأن يكون التعليم الفني والمهني متاحا للعموم، المنحى نفسه ذهب إليه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في المادة الـ13 بقولها: “تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم”...
ـ الحق في التنمية :
الحق في التنمية بجميع مستوياتها، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية من حقوق الإنسان التي لاقت اهتماما منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة سنة 1945، والتي تؤكد أن الاستقلال الحقيقي هو استقلال الدولة من التبعية الاقتصادية وإقرار حقها في السيادة على الموارد الطبيعية. وتعود الإرهاصات الأولى لهذا الحق إلى مؤتمر باندونغ لحركة عدم الانحياز سنة 1955. وفي سنة 1977 دعت لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة إلى تبنيه كحق، وفي سنة 1979 تم إقراره من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة كحق من حقوق الإنسان، وبتاريخ 4 دجنبر 1986 صدر إعلان عن الجمعية المتحدة تشدد على الحق في التنمية كحق للإنسان الفرد وللشعوب على السواء.
الحق في البيئة السليمة:
يعتبر الحق في بيئة صحية ونظيفة ومصونة من التدمير حق فردي وجماعي، نشأ كرد فعل على المخاطر، النفايات السامة والإشعاعات النووية…الخ، التي تهدد الإنسان والتي فجرها التقدم العلمي في ظل نظام دولي شامل متسم بعصر الذرة وتعدد الأقطاب.
ظهر هذا الحق نتيجة الاهتمام الدولي بالبيئة وبالقضايا والمشاكل المتمخضة عنها، وظهور هيئات جندت نشاطها لمحاربة التلوث، وقد ظهر لأول مرة على المستوى الدولي في إعلان ستوكهولم حول البيئة الإنسانية سنة 1972 تضمن حق الإنسان في بيئة سليمة ومسؤولية الدولة والإنسان معا على حماية البيئة لصالح الأجيال القادمة . ومن بعده إعلان ريو دي جانيرو عن البيئة والتنمية سنة 1992، المسمى بمؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالبيئة والتنمية، الذي تضمن حماية البيئة البحرية والبرية والجوية من التلوث، والحفاظ على البيئة الطبيعية بعناصرها المتوازنة والحق في التمتع بالثروات الموجودة في أعماق البحار والحق في بيئة صحية متوازنة .
خاتمة
كانت هذه مقترحات نظرية لن تكون لها قيمة ولا لغيرها من دون تحويلها إلى إجراءات وتدابير ملموسة تتيح للمواطن تلمس أثارها في مختلف نواحي الحياة اليومية وفي دواليب المؤسسات والإدارات المختلفة. وهذا الرهان يتطلب انخراطا واسعا من لدن مختلف الفاعلين ومن مختلف مكونات الدولة.