سنتان أوشكتا أن تنتهيا منذ قدوم النظام الحالي، حسبها البعض حسابا سريعا وعسيرا حيث أتمها قبل تمامها بكثير حتى لكأنها عدة سنوات.
و في السنتين حصيلة محددة، يختلف المحللون في تقديرها ما بين مقدر و مؤمل و منتقد و متشائم ، و هو أمر طبيعي يتناغم مع إختلاف أذواق الناس و بيئاتهم و إنتماءاتهم.
و لعل إلقاء رؤية حيادية منصفة لا تتأثر قدر الإمكان بالانتماء و لا الأهواء، يعطي صورة أكثر وضوحا لتلك الحصيلة.
إن من أهم ما يمكن أن ننصف به تلك الحصيلة هو مقارنتها بحصيلة النظام السابق منذ إنتقاله من صفته الإنقلابية لصفته الانتخابية، إلى أن أكمل سنتين(أغسطس2011).
و مما يسهل تلك المقارنة ان محرك البحث " Google " ما يزال يحتفظ لنا باللقاء الثاني مع الشعب، بعد سنتين من تولي الرئيس السابق الحكم عن طريق انتخابات "توافقية"
و السبب في وجاهة هذه المقارنة هو أن غير الداعمين للنظام الحالي هم إما جماعة تشيد بالرئيس السابق أو بعض المعارضة الذين حين ينتقدون النظام الحالي يلوحون نسبيا بالنظام السابق.
خصوصا أن النظام السابق بدأ بداية متميزة، رافعا شعار محاربة الفساد و محاربة المسلكيات السيئة في التسيير؛ و قام بقطع العلاقات مع اسرائيل.
في اللقاء كان الحوار السياسي نقطة حاضرة بعد أن كان وعدا توصل إليه المتصالحون في دكار؛ فقد طرح سؤال الحوار بقوة.
كانت المعارضة غير واثقة البتة في الحوار مع النظام دون شروط مسبقة لضمان نتائج الحوار.
و كان النظام يرفض تلك الشروط؛ مما شكل أزمة سياسية حادة؛ و قد أصر النظام على الحوار مع المعاهدة بدل المعارضة ليبدد تلطعات الطيف السياسي حينذاك.
أحد الصحافة ذكر أن المواطن مستاء و الأغلبية و المعارضة مستاءتان على حد السواء.
و طرح آخر سؤالا حول الأرتفاع الصاروخي للأسعار ذاكرا أن البنزين مثلا صعد آنذاك من 306 إلى 312 في ظل إنخفاض عالمي لسعر برميل البنزين.
أذكر و الشاهد موجود بالصورة و الصوت أن الجواب كانت خلاصته "أن الاسعار فعلا في تصاعد و لا نستطيع التحكم في الأسعار و نحن مازلنا ننتج فقط حوالي 30% من المواد المستهلكة.
اما البنزين "فينبغي زيادته لأن الدولة تتحمل أعباءا كبيرة لدعمه بتكلفة 56 أوقية قديمة للتر الواحد؛ و آن الأوان لرفع الدعم عنه."
و فعلا رُفع الدعم عنه و زاد سعره حتى بلغ ما هو عليه الآن.
أما الاستياء فكان الجواب "أنه ناتج عن الإصلاح؛ فالمستاؤون هم المفسدون فقط و سبب استيائهم هو غلق باب الفساد عنهم"
وعد النظام السابق في اللقاء بمشاريع قادمة تتمحور أساسا في الطرق؛ و ذكر إنجازات من قبيل تقسيم الأراضي و محاربة الفساد ....
كانت الآفاق حينذاك محدودة جدا.
فالجو السياسي مشجون بإرهاصات الربيع العربي الذي تحول إلى صيف بسبب الرياح الحارة التي جاءته من الغرب.
و لاشك أننا كنا نخشى تلك الرياح التي هزت دولا أقوى إقتصادا و منعة من دولتنا.
يمكننا أن نجري لقاءا إفتراضيا مع النظام الحالي و نطرح نفس الأسئلة.
و يمكن للنظام الحالي أن يجيب بنفس الأجوبة؛ و يزيد بعاملين تبريريين جوهرين مقنعين.
الأول: هو عامل جائحة كورونا الذي أنحنت له أقوى دول العالم و أضر كثيرا بدول جارة لنا أقوى منا.
و الثاني : هو الأزمة السياسة الحرجة و الأولى من نوعها و هي وجود رئيس سابق كان بالأمس القريب هو كل شيئ في المشهد ؛ يحاول جاهدا أن يلعب دورا سياسيا معارضا تماما للنظام.
كما يمكن للنظام الحالي أن يذكر إنجازات؛ من قبيل:
- الإدارة الجيدة لأزمنة كورنا
- الجو السياسي التصالحي
- الدور الجيد لمؤسسة تآزر في خدمة الطبقات الأكثر فقرا
- رفع شعار العدالة و محاربة الفساد و العمل على تطبيقه.
- العمل على تأمين 600الف اسرة
- اللفتات الكريمة للمتقاعدين و المعوزين؛ و أصحاب التصفية(و هم فئات في منتهى الحاجة لأي لفتة كريمة)
- إدارة الأزمات بشكل متريث و متبصر(أزمة الحمالة مثلا)
و لا شك ان النظام الحالي يعد بكثير من المشاريع الكبيرة الواعدة.
إننا حين نحاول أن نكون منصفين؛ سنرى أن هناك كثير من المبالغة في التقويم السريع و المتشائم لأداء النظام الحالي.
و من الخطأ الفادح أن نلوح بإنجازات نظام سابق لمدة عشر سنوات في وجه نظام لما يكمل بعد عامه الثاني.
إن أي بناء جاد و متقن يحتاج إلى عوامل ثلاثة أساسية هي اهم الخطوات في مسيرته الإصلاحية .
أولا : وضع أساس منيع و صلب يمكن ان يحمل ما يبنى عليه.
ثانيا: إدارة الأزمات و المخاطر المتوقعة و وضع الإحتياط الكفيل بذلك من خلال ترتيب الاولويات و مراعات أسوء الاحتمالات.
ثالثا: العمل على الإنجاز و المحافظة على البناء أو المنجز من الضياع و الانهيار و العمل على صيانته و تطويره.
و لاشك أننا حين نتصفح أداء النظام الحالي نجد بصمات تلك الخطوات جلية فيه.
فقد بادر إلى خلق جو توافقي كادت تذوب فيه المعارضة؛ و ما يزال يعمل على وضع الأساس المتين لتأمين جو مناسب للعمل و البناء.
و قد بدأ ينجز و يبني مع مراعات الأولويات و مع التصدي المناسب للتحديات إثناء ذلك.
إننا حين نتكلم عن بناء موريتانيا و ما ينبغي أن تكون عليه و كيف و متى ستصل موريتانيا إلى تحقيق الأهداف الكبرى التي تسكن احلام كل مواطن غيور على وطنه.
حين نتكلم عن ذلك علينا أن ننتظر سنوات و سنوات حتى تنتشر ثقافة المواطنة الفعلية؛ و حتى نغير مسلكيات سلبية تراكمية عاشها المسير الموريتاني عقودا من الزمن حتى ترسخت في ذاكرته.
أي أنه لا بد من التحلي بقدر من الأناة و العقلانية و متابعة الأمور بشكل إيجابي دون أن نكون مصفقين يلهثون لأجل أهداف شخصية فقط؛ و لا معارضين تعودوا على قول "لا" حتى لم يعد في قاموسهم كلمة"نعم".
لقد خرجت موريتانيا من عنق الزجاجة بعد مجيئ هذا النظام حيث كان خيار التمديد للنظام السابق يفرض نفسه بقوة و هو خيار يعارض دستورها و يخلق أزمة حادة لا ندري كيف نخرج منها.
و قد عمل حكماؤها و بأسلوب رزين و متأني على تخطي ذلك الخيار دون أي ضجيج يضر بالسلم العام.
و ستتجاوز موريتانيا بإذن الله كل التحديات و تنتصر على كل العقبات و تعيش و تنعم بحياة كريمة آمنة مطمئنة؛ و تكون قدوة لجيرانها و محيطها الإقليمي.
و نرجو أن يكون ذلك في أقرب وقت ممكن بحول الله.
و إنا لنحمد الله على ما نحن عليه و نرجوه مزبدا من عطاءاته و تيسيره مع دوام الأمن و العافية.