رأى آخر فى إصلاح التعليم / السالك ولد الشيخ

فى هذه الأيام تتشاور النخب الموريتانية ،وتكتب، وتعبر عن ما يمكن أن يعتبر مساهمة فى أيام تشاورية للرفع من مستوى تعليمنا ، الذى نرجو له الشفاء العاجل ، أظن من الطبيعى أن لا أحد يشكك فى أن تعليمنا النظامى مصاب بممرض مزمن منذوا زمن بعيد ، ولا أحد يشكك أيضا فى أن موريتانياحققت نجاحا كبيرا على المستوى المحلى والعالمى فى مجال التعليم المحظرى 

الأصلى ؛ فاشتهار شنقيط  التى أصبحت منارا يبصر ضوأَه كلُّ العالم ـ لم يتأسس ولم ينشأ البتة على المدرسة النظامية ، بل تأسس ونشأ على المحاظروطريقتها البدوية التقليدية ، التى اتخذت من ظهر الجمل مدرستها المتنقلة التى أبهرت العالم كما يشير ابن بونا فى أبياته التى سارت بها الركبان : ونحن ركب من الأشراف منتظم *** أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا             قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة  *** بها نبين دين الله تبيانــــــــــــــــا

لذا فإنه من المقزز أن لاتجد أحدا يتكلم ـ على الأقل فى هذه الأيام ـ عن هذا الجانب سواء من الذين له عليهم حق بأن نشأوا فيه وغرفوا من معينه الزاخر فضلا عن الآخرين الذين لم يساعدهم الحظ  فى الاتحاق بالركب المحظرى ، وأى مواطن موريتانيا لايجد نفسه مدينا للمحظرة فهو على سنن شائك وطريق معوج لأن الموريتانى طالب محظرى عن قصد أو عن غير قصد ؛فا لجهابذة الذين يفتون فى الإذاعة ،والتلفزيون ،والأسواق ،والبوادى ، والأريا ف ، ويفقهون الناس فى أحكام دينهم ، وتستفيد منهم الخاصة والعامة ، ـ  ليسوا إلا من نتاج محظرتنا التى نُسِّيناها أو تنا سيناها .

إلى متى نظل فى طور القفز غير المسؤول ، وغير المؤسس فى جميع المجالات ، قفزنا عن البادية إلى المدينة مع أننا لا نعرف أدنى مقومات المدنية ولم نؤسس لها حتى الآن، وقفزنا عن التعليم الأصلى ، لذى نُجمع على إيجابيته ومدى فعاليته إلى تعليم ، أقصى ما قطفنا من ثماره فرنسية تلوكها ألسنة مثقفينا ، فى المخاطبات العادية ، وفى مجالات الحياة العامة .                                 صحيح أن هناك تخصصات مختلفة ، توجد فى المدرسة النظامية كان لا بد منها يفرضها الواقع والحداثة وسنن التطور  وليس من شك فى إيجابيتها ، وقيمتها العلمية ، والاقتصادية وقد سدت هذه التخصصات ثغرة كبيرة فيما يعتبر فجوة فى تعليمنا المحظرى ،  لكنى استخدمت تلك  الفقرة العنيفة إلى حد كبير لأبنى عليها شيئا آخر هو أن أى شخص  يجيد العربية فى بلدى   يكون الاستفهام التقريرى العادى الموجه له هل درست فى المحظرة؟         وأى متحدث بلغة الأجنبى يكون الاستفهام التقريرى العادى أيضا الموجه له :هل درست فى المدرسة ؟؟ ـ يعنون النظامية .

معاشر المنصفين : ألا يعتبر هذا أقرار ضمنى من المواطن الموريتانى بأن   المحافظة على شخصيته وثقا فته ، ولغة دينه ، جاء من هناك ، ولم يأت من هنا ؟ اسمحولى فقد تعمدت الإشارة بهناك إلى المحظرة مراعاة لما يقولون إنه    مطابقة لمقتضى الحال لأ ن مقتضى حالها أن يشار لها بالبعيد لأننا ابتعدنا منها كثيرا واستبعدنا ها .

إذا كانت المحظرة تمثل شخصية ثقافية ولغة دينية للمواطن الموريتانى فلما ذا تعمد السياسا ت العامة فى بلدى إلى تجاهل دورها الريادى وقيمتها الوطنية      والعالمية ؟ لا أشك أن الداخل لوزارة الشؤون الإسلامية ، والتعليم الأصلى   يجد هناك قوائم كبيرة وكثيرة تلف جدران حيوط الوزارة وكأنها إعلان أبدى يؤدى غرضا ما ،ــ بأسماء المساجد والمحاظر التى يفتعل كثير   منها هى الاخرى للاسف الشديد ، لكنك إذا طرحت سؤالا على أساتذة المحاظر   والقائمين عليها عن مدى استفادتهم من هذا التقييد والتسجيل ستغطى وجهك  خجلا من إجابتهم !.

أترك هذا لمجال وأنساق إلى نقطتين اثنتين مهمتين عندى للغاية

الأولى :  أن هذا الواقع المزرى والتناسى المتعمد للمحظرة الشنقيطية لا يكاد يجهله      أحد ومع ذلك تطوى مواقعنا الإخبارية من البداية إلى النهاية ، ولا تجد من يتحدث عن هذه المشكلة ، معارضا كان أومواليا ، ألا ما أسرع تناسينا وتجاهلنا ، وياليت هذا المقال أيقظ نائما أوحرك ساكنا ، وقمنا بحملة إعلامية  من أجل دعم المحظرة ، لما ذا لا نهتم بهذا الجانب المهم ولماذا لا تصرف له ميزانية ضخمة خاصة به ، فليست جامعة انواكشوط ولا المعهد العالى ، ولا جامعة العلوم الإسلامية بلعيون ـ بأكثر أهمية من المحظرة

إن المحاظر الشنقيطية توجد من بينها محاظر جامعة ، تدرس النحو ، والادب   واللغة ، والتفسير ، والحديث ، والفقه ، إضافة إلى الحساب والمنطق وغيرها من العلوم الجليلة ، فلما ذا تترك على الجهود الفردية والشخصية : إن هذا لهو البلاء المبين !!

قد يقول البعض الدولة تدعم المعهد العالى وتخصص له كذا وكذا ... 

لكنى أقول له : المعهد العالى من ثمار المحظرة لكنه ليس هو المحظرة  فلنحذر من هذا اللبس وما ينبنى عليه من تشويش ، فالمعهد تختلف طريقته التدريسية اختلافا جذريا عن الطريقة المحظرية الر ائعة والمبهرة ،كما تختلف مقرراته اختلافا نسبيا عن المقررات المحظرية ، فالمعهد لا يلزم بالحفظ الذى هو العمود الفقرى الذى نهض عليه نجاح المحظرة ، ولا يلزم      أيضا بطريقة أخذ الفن الواحد ، والشيخ الواحد ... إلخ

الثانية :

أما النقطة الثانية  فقد اخترت أن أدون فيها شيئا من واقع أساتذتنا النظاميين المر؛ إن أغلب الأساتذة ـ إلا من رحم ربك ـ لا يعتبر نفسه صاحب رسالة ، ولا صاحب دعوة أو وطنية على الأقل : همه الوحيد هو رمى الطلاب بالدروس   والمذكرات العلمية الجافة ، وهذه طريقة غير صالحة تما ما ، فينبغى على  الأستاذ  أن يكون مربيا ومرشدا بالدرجة الاولى قبل أن يكون معلما ،لأن الطالب إذاوجه وتوجه سيطلب العلم بنفسه ، ورغم أنفه ، بينما إذا اعتمدت له الطريقة الأخرى سيظل متثاقلا متكاسلا يرى أن التعليم هو العذاب الأليم والبلاء المبين ، وقد سألنى أحد زملائى الطلاب يوما ونحن ندرس بالمعهد العالى ، وقارن لى بين أستاذين أيهما أدرى بالمادة ؟، فكانت الإجابة :

فلان أدرى بالمادة ، ولكن فلانا أكثر اهتماما بتربية الطلاب ، وتوجيههم ،

والأخير بناء على الرأى السابق أحسن؛ لأن الأساتذة كثر وأما المربون :   فقليل ماهم  !!

وخلا صة القول أن المحافظة على الموجود ، أولى من البحث عن المفقود 

وتشييد قصور ، لا يكون بهدم أخرى ، فلنحافظ على محظرتنا أولا، ثم النبحث عن مكاننا فى التعليم النظامى الحدث ثانيا .                                             

5. فبراير 2013 - 22:15

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا