كثيرا ما نجد أنفسنا في مواجهات إحدى تحديات الانسجام وتغليب التوافق، وساد هذا الشعور من الستينيات حتى الآن، وإن أخذ محطات ولحظات مختلفة للوصول إلى أرضية مشتركة وثوابت يُقِر بها الجميع.
وتجاوز الناس الاشتباكات العقيمة، والمظاهر المريبة، والقصف الإعلامي الذي يستعرض التخوين والطمع والتغرير.
الآن وقد أُعِدَّ لخلق جو يُمَكِّنُ من تحقيق ظروف التعاون والشراكة وتهيئة المناخ السياسي، وتغليب المصلحة الوطنية في ظل الإنفتاح والحرية واعتزاز المجتمع بتنوعه وتصالحه مع ذاته.
فإن أولى وأهم ما يستثمر فيه طليعة المجتمع ومثقفوه هو تنمية هذه المفاهيم وتقريبها، وترغيب الرأي العام في الأخذ بها واستحضارها في الخطاب والممارسة لدى متعاطي الشأن العام.
آكد هذه الركائز لبناء أي دولة هي الوحدة الوطنية، لربطها بين أبناء الوطن الواحد ببعضهم البعض واشتراكهم من حيث الشعور والعمل في الحماية والتطوير.
إن إصلاح شأننا اولا، وتقويم اعوجاجاتنا ثانيا، وتكريس أخوتنا ثالثا، أمور من قِبَلِها أُتِينا، والحقيقة الثابتة لخصتها الآية الكريمة:(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
وعلى ما تقوم به القنوات الرسمية من وضع الأسس، ودسترة الحقوق والمفاهيم، والنداء بها، لكن منظمات المجتمع المدني والهيئات المستقلة والساسة والإعلاميون وقادة الرأي يتحملون النصيب الوافر في الدفع بهذه المعاني بأصوات عالية لوعيهم بأهمية الوحدة الوطنية، وصلتهما الوثيقة بالمجتمع.
ولحمة المجتمع وسداه هي التكامل والأخلاق في النهاية.
ولقد استضاءَ بلدُنا وأهلُه بتعاليم الإسلام منذ الوهلة الأولى عند ما وفر للمجتمع قسطا من الطمأنينة النفسية والروحية، وخفف عنهم أعباء الحياة وآلامها، وكبح فيهم جموح الغرائز وشهواتها، ليؤكد في مقاصده ومنطلقاته على ضرورة أن نعمل معا ونتكاتف سويا لكي ننهض بالوطن من خلال وحدتنا الوطنية، ونرتقى بوطننا الحبيب ليكون في المقدمة، ونُخْلِصَ في كل ذلك ملتزمين بالقانون متعاهدين على عدم انتهاكه، محافظين على الأمن والأمان في جميع أرجاء الوطن، ناشرين للوعي مصرين على عدم السماح لأي جماعة أو تنظيم بالإيقاع والتفرقة بين فئات الشعب، بإحداث فتنة أو تأزيم أوضاع يخدش كيانه أو يصدع وحدته وأخوته.
وقد نجح تجسيد مبدأ الوحدة الوطنية في تحويل مكونات المجتمع إلى أسرة كبيرة نظمها الإسلام بهدم كل الحواجز، وتحطيم العُقَدِ التيتُفاضِل بين المجتمع على أساس من اللون أو العرق أو النسب، فَنَمَتْ أسبابُ الألفة والأخوة بين الجميع.
ولنا غنى في نداء المساواة الخالد في القرآن:(يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، "وليس لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى"، كما في السنة، "وليس منا من دعا إلى عصبية"، و"إنك امرؤ فيك جاهلية" ردا على الصحابي الذي عير أخاه بأمه لكونها سوداء.
والواقع أن التفاضل بالتقوى والخدمة العامة للناس، "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها"، و"الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله"، ولا امتياز لرئيس ولا لرجل دين، ولا لشريف ولا لغني.. (قل إنما أنا بشر مثلكم).
ولنا أن نعتبر بدروس التاريخ ونبتعد عن ضيق الأفق وما أورثناه من إكراهات فجرت خطابات التحقير والتبكيت، متفاعلين مع أدوات التأثيرالأصلية والأولى، كالعائلة التي يتلقى فيها الفرد المبادئ والقيم التي يجب عليه احترامها وتجعله فخورا بوطنه ومحبا لأبناء جلدته، لذلك يعد دور العائلة مفتاحا فاعلا لتحقيق الوحدة الوطنية وتنشئة المواطن على أهمية الروح الوطنية واستلهامها في تكوين الشخصية السوية.
والتعليم أيضا ليغرس حب بلدنا في نفوسنا، ويعزز تمسكنا بثوابت الهوية الوطنية.
وقديما فاخرت الحضارة الإسلامية بعباقرتها الذين أقاموا صرحها، من جميع الأمم والشعوب، أبو حنيفة، مالك، الشافعي، أحمد، الخليل، سيبويه، الكندي، الغزالي، الفارابي، ابن رشد، وغيرهم ممن اختلفت أصولهم وتباينت أوطانهم.
إننا مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى عدم خلط الجد بالهزل، وأن نعض بالنواجذ على وحدتنا الوطنية بعيدا عن تصفية الحسابات، وألانَدَعَ فرصة لعابث يريد أن يثقب سفينة الوطن، وننطلق بتفاؤل وعمل نحو ترتيب مصيرنا الواحد، وتحضير مستقبلنا الواعد إن شاء الله.