أَصرَّ مدير ثانوية اركيز الوليدة مع بداية السنة الدراسية 1995- 1996على افتتاح القسم السادس شعبة العلوم الطبيعية بعدد يزيد قليلا على العشرة من التلاميذ.
وكان طاقم تدريس المواد الأساسية على النحو التالي: أستاذ العلوم الطبيعية معلم عربية نجح في مسابقة داخلية للوزارة لتتم ترقيته أستاذا، وأستاذ الفيزياء لم يسبق له تدريس الأقسام النهائية، وأستاذ الرياضيات حديث التخرج، يدرس المادة لأول مرة. هذا إضافة لعدم وجود أستاذ لمادة الفلسفة التي أعطيت لأستاذ اللغة العربية.
خلال الشهر الثاني طلبت من المدير الصارم تحويلنا -وكنا القسم النهائي الوحيد- إلى ثانوية روصو، نظرا لصعوبة الدراسة، وعدم توفر المراجع، والعبء الثقيل الذي يقع على طاقم التدريس، وقلة الحضور الذي يقتصر في الغالب على ثلاثة تلاميذ أو أربعة. لكنه رفض الموضوع رفضا باتا، مما اضطرني للمبادرة بقيادة إضراب عن الدراسة استمر قرابة الشهر.
وقد استجاب المدير أخيرا لمطلبنا الوحيد بالتحويل بعد علم السلطات الإدارية بالموضوع، لكن وكيلي رفض التوقيع على التحويل باعتباره قرارا غير صائب من وجهة نظره، ولأنه ربما كان من نصيبنا أن نكون "ضحية" عزوف أبناء المقاطعة عن ثانويتهم لصالح ثانوية روصو وطفرة المدارس الحرة في نواكشوط.
سافرت إلى نواكشوط في العطلة الشتوية بحثا عن المراجع لكنني لم أحصل إلا على قاموس عربي-فرنسي وعلبة من أوراق التسويد، ونصحني بعض التلاميذ بالمرور بفرع المعهد التربوي الوطني بروصو لكنني لم أعثر لديهم إلا على كتاب لترجمة مصطلحات العلوم الطبيعية، فمخزون المعهد الوطني والمكتبات التجارية من الكتب المدرسية قد نفد مع افتتاح العام الدراسي.
بعد سنة من المثابرة والاعتماد على دفاتر التحضير وبعض المراجع باللغة الفرنسية لدى الأساتذة الكرام، خُضنا امتحان الباكالوريا كأي امتحان تجاوز مما كنا نمر به كل سنة، وكان الفرق بالنسبة لنا أن مواضيع الامتحان هذه المرة موحدة على جميع التراب الوطني، وأن بعثة من الوزارة هي من ستتولى فتحها بعد عرضها علينا في ظرفٍ مغلق حتى نتأكد أنها مغلقة بإحكام، وأنه لم يتم العبث بها، وأن النتائج سيعلن عنها في مكبر صوت في نواكشوط أمام حشد من الجماهير، أو عبر أثير الإذاعة الوطنية عن طريق برنامج "البلاغات والاتصالات الشعبية".
مرت الأمور بشكل مقبول بالرغم من أننا لم ندرس الفصل المتعلق بالوراثة من مادة العلوم الطبيعية، وأيضا باستثناء موضوع الفيزياء التي عرفت بفيزياء الجمل والخطأ المتعلق بالمسافة بين السيارة والجمل المحددة بوحدة cm بدل m. وقد نبهت رئيس المركز -مع غياب أستاذ الفيزياء- عليها عدة مرات دون جدوى، لكنه استجاب أخيرا في نهاية الوقت ومنحنا نصف ساعة إضافي.
نفد صبري -أنا وصديقي- بعد أيام من انتظار خروج النتائج وقررنا الذهاب إلى نواكشوط للحصول على النتيجة، وفي الساعة العاشرة صباحا ومع توقف السيارة (سيارة أهل حندي الكرام) في سوق "سوسيم" أطلت علينا الأخت الكبرى حفظها الله ونحن لا نزال في حوض سيارة "تويوتا بيكاب" لتخبر صديقي بنجاحه، وكان قد هم بالنزول لكنه لم يتمكن من ذلك من شدة الفرح وهو يردد "آن انجحت.. آن انجحت.." ليبادرها الوالد، الأستاذ: محمد عبد الله ولد سيد محمد حفظهم الله -بلغة الواثق- وكان ضمن الركاب "أهيه أران اعرفن عنك متروشه وماذا عن فلان" فأجابته "الحمد لله انجح".
ولم أدرك أهمية "الإنجاز" إلا من فرح صديقي الذي كان يدرس في مدرسة حرة في نواكشوط، أو من خلال مباركة الجميع التي لم أعهدها خلال امتحانات التجاوز في السنوات السابقة، وكذلك عدد الناجحين في الدورة الأولى من شعبة العلوم الطبيعية الذي وصف حينها بالقليل تلك السنة، على ما أذكر لم يتجاوز 376 تلميذا.
جزى الله خيرا أستاذي عبد الله ولد القرشي الذي أعطاه والدي رضي الله عنه وكالتي، وكلفه بتدريسي "لغن الحساني"، وبالمناسبة فقد طمأن الوالد في إحدى الزيارات بالگاف (عاظ راصو):
الفوگ البوي واعتبار
وِامِّ والحد اوخر نبغيه
انج في الوقت والاختبار
امنين ايجين ننجح فيه (الفوگ)
أخيرا، أذكر أنني حصلت في مادة الفلسفة على نتيجة 8.88، وكنت الناجح الوحيد في الباكالوريا على مستوى المقاطعة من ثانوية اركيز لعدة سنوات.
تحية للطاقم التربوي للثانوية ولزملاء الدراسة ولجميع الأهالي في اركيز.
أتمنى التوفيق لتلاميذ الباكالوريا في ظل ثورة الإمكانيات والمعلومات والاتصالات!