بدت وعود فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مغريةً؛ لكونها استطاعت أن تبعث روح الأمل من جديد في شعب انهكته الشعارات المزفية والوعود التي فاقت مواعيد عرقوب في أساليبها؛ فحطمت عنصر الزمن و مزقت كل المعايير التي كانت تتحكم في المكان وفي منطقه المشوش.
توقفت كثيراً عن دلالة الجملة التي قال الرئيس في خطاب إعلان ترشحه" للعهد عندي معنى" فربطتها بالذاكرة وبخريطتها الجينيالوجية للرجل؛ بحكم تخصصي في تاريخ الأولياء بموريتانيا؛ لأقتنع وقتها بالتطابق التام بين مفردات الأحفاد؛ ومبادئ الأجداد التي من أهمها الزهد والتعفف عن المال العام والتفاني في خدمة الناس لاسيما ضعفاءهم.
وازدادت قناعتي أكثر حين استطاع الرئيس إخماد فتنة الخطاب الشرائحي التي كادت أن تعصف بموريتانيا؛ فمعرفتي ببعض اللهجات الوطنية جعلتني أثمن عالياً ذلك الجهد الذي لايخلوا من لمسات روحية؛ هي وحدها التي تستطيع إطفاء نيران هذا النوع من الفتن.
كان الرئيس كيساً وحاول في صمت إسكات كل الأصوات النشاز أو احتوائها؛ والظاهر أن هذا الأمر شكل أحد أولوياته؛ لدرجة أنه طغى على بعض الأولويات التي لاتحتمل التأجيل في نظر المواطن البسيط؛ الذي فسر اهتمام ولد الشيخ الغزواني بأقطاب المعارضة التقليدية على أنه نوع من التراخي في التعاطي مع مصير فئات عريضة من الشعب الموريتاني.
هذه النقطة بالضبط جعلت قافلة تعهداتي تسير عكس السير ضمن مسار مُثقل بالأخطاء القاتلة؛ منذ اتفاقية مدريد عام 1975 إلى يوم الناس هذا.
لقد شكلت إعادة تدوير المفسدين نقطة فاصلةً في العلاقة بين الرئيس وشعبه؛ الذي اعتبر الأمر استفزازا للضمير الجمعي الخارج لتوه من صدمة رئاسة الفقراء ومحاربة الفساد والمفسدين؛ وهو الشعار الذي حطم كل آمال الفقراء في كل شارع وفي كل زنقة في عاصمتهم التي تعكس الفوارق الاقصادية الشاسعة فيها بين الشمال والجنوب نموذجا لخارطة الفساد على أرض الواقع.
ساهم تعامل الحكومة مع الموجة الأولى من جائحة كوفيد 19 في تعميق الشرخ بينها وبين الفئات الأكثر هشاشة؛ فقد أدى الإغلاق بين المدن وحظر التجوال للقضاء على مصادر دخل معظم ساكنة الأرياف والأحياء الفقيرة في المدن .
والخطير في الأمر أنه اعقبته موجات عاتية من ارتفاع الأسعار؛ التهمت -على ما يبدو - ماتبقى للطبقة الوسطى من قوة شرائية.
برزت معاناة الشعب للعن؛ ومع ذلك فقد تنكر لها الوزير الناطق باسم الحكومة الذي نفى جملة وتفصيلا وجود أي ارتفاع في الأسعار؛ وبأسلوب أشبه بإصرار النظام على تجاهل معاناة أكثر من 85 % من سكان موريتانيا.
بالتزامن مع الذكرى الثانية لتنصيب الرئيس؛ حاولت بمساعدة أصدقاء في مختلف ربوع موريتانيا قياس مستوى الأمل عند السكان الأكثر فقرا بواسطة ما يعرف "بالاستمارات الشفهية"؛ وذلك من خلال الإجابة على السؤال التالي :
هل تعتقد أن ثمة أملاً في خفض الأسعار؛ وفي تكفافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة بين المواطنين؟
معظم الإجابات لم ير أصحابها ضوءاً في نهاية النفق..مع أن البعض أصر على التمسك بالأمل؛ ربما في أجيال قادمة بحسب تعبيرهم.
في اعتقادي أن الأمل مازال قائماً؛ لكن ذلك مربوط بمدى قدرة الرئيس على تكسير سور ؛ظاهره من قبله الرحمة وباطنه تنكر واتهامات وسجون؛ مضروب عليه من قبل العناصر ذاتها التي فعلتها بعزيز وقبله ولد الطايع؛ لتحملهم في النهاية كامل المسؤولية عن ماآلت إليه البلاد؛ وليست البروباكندا التي صاحبت الذكرى الثانية سوى جزء من إستراتيجية إخفاء الحقائق التي يدفع الرؤساء ثمنها بعد خروجهم من السلطة..فهل يعي رئيس الجمهورية هذه الحقيقة قبل فوات الأوان؟ أم أن جرعات البروباكندا ستخدعه كما فعلت مع من سبقه؟.
لقد علمنا التاريخ أن صلاحية الأمل تبعث نفسها من ركام النهايات؛ لكن ما أخشاه أن يكون العنف جزءاً من دورة حياة الأمل في هذه الأرض التي لها تجارب عديدة في ذلك.