كم من مظاهرة إنطلقت من تلك الساحة العباسية؛ و كم من مهرجان خرق صدى صوته ثراها، و كم من خطب و منابر تعاقبت في ذلك الحيز الجغرافي الضيق في مساحته، الواسع في معناه؛ الذي كان و ما يزال متنفسا للإحتقان السياسي في البلد أكثر بكثير؛ من كونه متنفسا جغرافيا كساحة عمومية.
ساحة إبن عباس، معلم سيبقى يؤرخ لسياسة بلد شابت فيه الديمقراطية قبل أن تشب؛ و بحت فيه حناجر الساسة المناضلين و هم يواجهون الأنظمة البوليسية؛ و أرتسمت فيه ملامح أحلام المستقبل على وجوه شباب لا حدود لطموحاتهم.
اليوم يراد لساحة ابن عباس أن تتزين بنوافير مياه لطالما انسكبت لتفرق جموعها؛ و تحوي منصات لطالما نصبت ليعتليها نخبة ثائرين على الفساد و نهجه.
يراد لها أن تلبس ثوبا أخضر بلون الوطن الذي صرخت من أجله عقودا رافضة للظلم والاستبداد؛ و تُعد لزوارها مقاعد نموذجية للجلوس، بعد أن تعبت أقدامهم من الوقوف و أعناقهم تشرئب منصتين لخطابات ساسة يحاولون التعبير عن همومهم.
ربما لأن بوادر أمل التصالح مع الذات و ملامح أفق محتمل لتنمية رائدة ؛ أملت عليها بأن تحتفل بمنظر جديد؛ لحقبة جديدة لا صخب فيها و لا نصب.
أم أنها تقاعدت عن الخدمة لتفسح المجال لساحات أخرى للتعبير؛ و تتوج هي كزعيمة روحية للساحات.
و رغم ذلك ستبقى ساحة إبن عباس عنوانا لأحلام و آلام و أقلام و كلام الباحثين عن الأمل الرافضين لسوء العمل و طريق الفساد و الزلل.
و ستُحدث الأجيال أنه لطالما اغبرت أقدام آباءهم بترابها و أمعنوا فيها النظر محدقين يبحثون عن أمل يواسيهم و لو في سرابها.
و سيكتب المؤرخين أن 1100متر مربع من تراب الوطن الحبيب، سجلت على أمتارها المربعة القليلة، صرخات و أنين و طموحات و أحلام المواطنين لعقود خلت؛ و أنجذب إليها راغبا و غاضبا كل معارض للفساد في وطننا الغالي.
و سيكتب أيضا أنها ملأت صفحات المواقع بأحداثها منذ بثوق أول بارقة أمل للديمقراطية و الحرية في موريتانيا.
و أنها أرغمت رؤساء و حكومات على تغيير سياساتهم رغم أنوفهم؛ و كانت عقبة كؤودا في طريقهم.
تستحق ساحة إبن عباس الخلود في التاريخ و الجغرافيا؛ و تستحق التكريم و التسطير في صفحات الزمن بحروف من ذهب.
و سيظل جيل ساحة ابن عباس ينشد آماله في آفاق الوجود و ينثر آلامه فوق ساحات الخلود؛ حتى يتحقق الحلم المنشود.
عندها فقط يحق له أن يلبس خضرته و يجلس متوسدا وسادته؛ و يحتفل و يتزين كما يراد لساحة ابن عباس أن تكون الآن.