ظهرت الدولة الحديثة كآخر مقاربة توصل اليها البشر لتنظيم وضبط العيش المشترك طبقا لقواعد ونظم تنهل مما هو عام ومشترك بغية تحقيق عدالة شاملة يتساوى أمامها جميع المواطنين .وفي سعي الدولة لتحقيق العدالة والانصاف قد تصطدم بمن يسعى من مواطنيها إلى التغول على حقوق غيره و إلى حيازتها عبر استغلال النفوذ ومنطق القوة ، فيحاول استغلال مراكز القوة داخل الدولة لمحو والغاء ما انتهت اليه الدولة من ترسيم للحق والانصاف ، وبهذا المنطق الاعرج الذي جاءت الدولة كردة فعل عليه ، تصبح القوة هي التي تؤسس الحق ، وليس الحق هو الذي يؤسس القوة .ورغم أنني أرقت حبرا كثرا في الدعوة إلى محاربة ظاهرة النفاق السياسي المستفحلة ، وضرورة الابتعاد عن ثقافة التلميع والتسويق الأعمى ، فإن ذلك لن يمنعني من الإشادة بما أراه منسجما مع إحقاق الحق بغض النظر عن الجهة التي صدر عنها .وفي هذا السياق قرأت خبرا مفاده أن مقاطعة عرفات بنواكشوط الجنوبية تستنهض كل الجهود لمنح قطعة أرضية كانت لمسجد جعفر الطيار بتنسويلم (1) لنافذين بدل المسجد وبعد الاطلاع المكثف على حيثيات الموضوع ، وانتصارا للحق أقول إن ما ورد في موقع السراج الإخباري مجرد مغالطات وتلفيقات تصور الباغي في جلد الضحية . إن القطعة الأرضية المخصصة للمسجد لا علاقة لها بالموضوع البتة ، وقد تم إقحامها تهيجا للعاطفة الدينية ، واستدرارا للتعاطف .( وكثيرا ما تم استغلال المقدس والمتعالي ، لصالح المدنس والمنحط للأسف )!
إن هذه القطعة لأسرة ضعيفة ، لا سلطة ولا نفوذ لها ، تقيم فيها منذ زمن ، وتمتلك الوثائق الصادرة من الجهات الرسمية المخولة بذلك بقوة القانون (وكالة التنمية الحضرية ) وليست المقاطعة بالمناسبة ، أما دور المقاطعة فينحصر أساسا في التنفيذ ، بمعنى أنها لا تمنح القطع الارضية ، ولا تمنعها.
إن الذين يحاولون الاستلاء على القطعة وهم نافذون حقا، حركو جميع وسائطهم في هرم السلطة ، لكن الوثائق والخرائط والوقائع على الأرض خانتهم .أما عن توقيف بعض عناصر الجماعة فيعود إلى دخولهم على مالك القطعة تباعا ومحاولتهم الاشتباك معه وتهديم البناء فلو لم تتدخل الدولة ممثلة في المقاطعة لسفكت الدماء ولحدث ما لا تحمد عقباه ، ولقيل عندها إن لم المقاطعة لم تضطلع بالمسؤوليات المناطة بها من توفير الأمن وفض الاشتباك .يضاف إلى ذلك أن للدولة هيبة وكبرياء يجب أن تصان ، فعند ما تمنح لمواطن قطعة يجب عليها الدفاع عن ما يترتب على ذلك المنح من حق البناء ، وإلا دخلنا في حالة من التمرد والعصيان المدني .
إن مكان الاحتجاج ليس القطعة ، ولا المقاطعة ، بل هو جهة الاختصاص ،أعني وكالة التنمية الحضرية . وقد زكت أعلى جهة اختصاص في الموضوع بالمناسبة ، أي وزارة الاسكان بعد تحيين الموضوع وسبر أغواره ، قرار المقاطعة وقالت إنه يتطابق مع القانون نصا وروحا مما يعني سلامة تصرف المقاطعة من الناحية القانونية والاجرائية. فتحية صادقة لكل إداري ناجح، و لكل مسير لمرفق عمومي يوجه تحديات حقيقة ، و يقف بقوة وصلابة أمام جبروت المتنفذين والطغاة الذين يحاولون ابتلاع حقوق الضعفاء عبر علاقاتهم الخاصة !!