تسود الحيرة والشك نظرة قطاع عريض من الشارع الوطني إلى أداء الحكومة، ويبدو من الصعب إقناعه بجدوى ما تقوم به هذه الحكومة من عمل، وما تنفذه من برامج، رغم مرور سنتين على تنصيب السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئيسا للجمهورية، وهو الذي قدم وعدا كبيرا وأملا عريضا للشعب بالتنمية والتطوير على كل الأصعدة، ويجادل كثير من المهتمين بالسياسة والمثقفين، ومن رواد مواقع التواصل الاجتماعي في أن السنتين الماضيتين اتسمتا بالحضور الباهت للحكومة، وغياب الرئيس عن المشهد، مما وسم عمل الجهاز التنفيذي بالفوضى، بل يذهب المبالغون في التشاؤم إلى أن ما ينجز من مشاريع هو مجرد وسيلة لنهب أموال الدولة، ويستدلون ببعض التعيينات لشخصيات كانت قد عملت تحت أنظمة الفساد السابقة، وكذلك بالإنفاق الباذخ على برامج الورش والتدريب والبحوث، والأيام التفكيرية، وغيرها من الدراسات التي تسعى لوضع خطط ومشاريع لعمل الحكومة، والحاصل -حسب هؤلاء- هو أننا لم نتقدم قيد خطوة خلال هذه الفترة، بل تراجعت أوضاع الشعب وتردت وازدادت الأسعار ارتفاعا.
لسنا هنا بصدد المجادلة في مدى خطإ أو صواب تلك النظرة الناقدة المتشائمة، لكننا نريد أن نسجل عدة ملاحظة قد لا يضعها أصحاب هذه النظرة في الاعتبار، وأول هذه الملاحظات وأكثرها موضوعية هي كون التغيير في أي دولة مهما كانت قوة الخطط التي ترصد له، ومهما كان توفر وسائله ومواتاة ظروفه، ومضاء عزائم أصحابه، لا يمكن أن يغير أوضاع تلك الدولة في ظرف أربع وعشرين شهرا، ولا يمكن أن يصل إلى أهدافه الكبرى في تلك الفترة الوجيزة، ومن المعلوم أن الهدف الأكبر لكل تنمية هو تسحين ظروف الشعب وتسهيل وسائل العيش الكريم له، بما في ذلك جعل أسعار السلع الأساسية في متناول عامة الشعب، وغاية ما يمكن أن يصل إليه العمل خلال تلك الأربع والعشرين شهرا هي أن يجهز الأرضية لمشاريع وخططا واقعية واضحة المعالم، هي التي ستوصله لنتائج المرجوة، بعد تنفيذها، وهذا التجهيز يكون في العادة عن طريق الدراسات والبحوث والورش والاتفاقيات والقوانين تأسيسا لأرضية ملائمة للعمل.
على ذلك يمكن القول إن النقد الموجه لما يقام به من دراسات وبحوث وورش واتفاقيات وقوانين، ينسى أو يتناسى كون تلك الإجراءات أساسا لا بد منه، ومرحلة لم يكن من ممكنا تجاوزها، لأنه بدونها سيصبح العمل فوضى، بلا هدف ولن يصل إلى نتيجة، وإذا صدقت التوقعات فإننا سنشهد خلال الفترة القادمة انطلاقا فعليا لعدد من المشاريع التنموية الكبيرة، وقد انطلق فعلا بعضها في عدة مجالات، كما هو حال مشاريع البنية التحتية، والتنمية الاجتماعية.
الملاحظة الثانية هي أن جائحة كورونا لا تزال حتى الآن تحدّ من عمل الحكومة، على مستويين، مستوى الإغلاق الذي يزيد معاناة الشعب، وخصوصا محدودي الدخل والفقراء، ومستوى مكافحة الجائحة التي تستنزف الموارد المالية والبشرية للدولة بشكل كبير، مما يعيق بعض الخطط الحكومية خاصة على المستويين الصحي والاجتماعي، وهذا سبب وجيه للتباطؤ الملاحظ في أداء الحكومة، وإن كان ذلك لم يمنعها من القيام بعمل جادٍّ في عدة مجالات.
الملاحظة الثالثة هي أن جو الهدوء السياسي الحاصل في البلاد وخفوت أصوات المعارضة، لا يمكن أن يكون صدفة، كما لا يمكن أن يكون عن تواطؤ تمليه دوافع شخصية أو حزبية، لأنه هدوء عام شمل جميع أحزاب المعارضة، فلا يمكن أن يتهم كل أولئك القادة السياسيون أصحاب الأقدام الراسخة في المعارضة، وفي السعي لأهداف وطنية، بأنهم تخلوا جميعا، ومرة واحدة عن مطالبهم الوطنية وأهدافهم السياسية، ولو كان ذلك من حزب واحد أو شخصية واحدة لكان يمكن اتهامه بالتواطؤ والتراجع عن أفكاره، فهذا الهدوء السياسي لا يمكن أن يعزى إلا إلى كون هذه الأحزاب رأت أن هنالك أفقا جديدا وتوجها في الاتجاه الصحيح، جعلها تتوقف وتراقب لتعرف مدى عمق وجدية هذا التوجه، لكي تتخذ في النهاية مواقفها منه، بالانخراط فيه أو معارضته، وتعزز ذلك بما شهدتْه الساحة السياسية والإعلامية من حرية وانفتاح، فتح الساحة للمعارضة لتطرح أفكارها على الشعب من دون أن يضيق عليها، وفتح لها أبواب وسائل الإعلام الرسمي لكي تدلي بآرائها وتقدم أفكارها، وأكبر دليل على ذلك هو التصريحات المتكررة لزعيم حركة الانعتاق "إيرا" برام ول عبيدي، التي يبدي فيها ارتياحه لظروف العمل السياسي والحرية الإعلامية، ورفع اليد عن العدالة، مما مكنه وأمثاله من العمل والتواصل مع الجماهير بحرية ودون مضايقة.
الملاحظة الرابعة أن هناك إحساسا عاما لدى الموظفين والعاملين بالقطاع الحكومي بأن شيئا ما بدأ يتغير، قد لا يعرفون ما هو ولا إلى أين يتجه، ولكنه يجعلهم الآن أكثر حضورا وحرصا على العمل، وأكثر حذرا من الوقوع في الأخطاء، وتظهر تجربة امتحان الباكلوريا لهذا العام شيئا من ذلك على مستوى قطاع التعليم، حيث اتخذت إجراءات فورية ورادعة ضد كل من ثبت تهاونه من المشرفين على الامتحانات، وكذلك ضد الطلاب الذين ثبت تلبسهم بجريمة الاختلاس، وهذه مؤشرات جيدة على أن تغيرا ما يحدث على مستوى الأداء الإداري.
الملاحظة الخامسة أن هناك تدخلات استعجالية كانت قوية وناجعة في ظل أزمة كورونا، ومنها الدعم المباشر للفئات الأكثر فقرا واحتياجا والمتمثل في توزيع مبالغ نقدية على مئات الآلاف من الأسر، وكذلك تعميم الضمان الصحي على فئات اجتماعية كانت في أشد الحاجة إليه.
وإذا أضفنا إلى تلك الملاحظات حقيقة أن الدعاية المضادة للحكومة التي أطلقها الرئيس السابق محمد ول عبد العزيز وأنصاره والتي رافقت ملف التحقيق في فساد العشرية، وكان من مظاهرها المناكفات الكثيرة في الشارع بين ولد عبد العزيز وعناصر الشرطة المكلفين تحركاته، وذلك قبل توقيفه، هذه الحملة الواسعة خصوصا على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي قد أضرت كثيرا بصورة الحكومة، وصورة رئيس الجمهورية ولد الغزواني، وأظهرت ولد عبد العزيز كأنه ضحية لتعسف الأمن، وذلك بسبب غياب حملة إعلامية مقابلة تشرح عمل الحكومة وجهاز الأمن، وتضع الأمور في نصابها، فهذا الجانب الإعلامي غائب في جميع مستويات العمل الحكومي، وهو ما يجعل كل ما تقوم به الحكومة غامضا وباهتا، ولا يمكن للمواطن أن يفهمه، وكان ينبغي على الحكومة منذ البداية أن تعد هذا خطة إعلامية واضحة تتولى نشر المعلومات الضرورية وشرحها للمواطن، حتى يفهم توجهات هذه الحكومة، ويتبين مواقفها، مما يمكنه من اتخاذ موقف سليم منها، ويذهب عنه الشك، ويرتفع اللبس.
انطلاقا من تلك الملاحظات يمكن القول بأن كثيرا من الشك والتشكيك الحاصل حول أداء الحكومة، ليس له مبررات عميقة، وأن نظرة معمقة لحصيلة سنتين من العمل تكشف ملامح توجه جادّ نحو التغيير والتطوير، وإننا نأمل أن يصدق الحدس، ويصدق ما تعد به تلك المبادرات الحكومية والمشاريع التي تعمل عليها، وأن نرى قريبا ثمرة حقيقة يجنيها المواطن البسيط على شكل عيش كريم، وأن لا يكون ما نراه اليوم مجرد سراب يظهر عن بعد ثم يتلاشى كلما اقتربنا منه، كما تلاشت من قبله وعود كثيرة لحكومات تعاقبت على هذا البلد المسكين.