في جذور الغش(6) / إسلك أحمد إزيد بيه النّيّه

قد  يتساءل البعض : ما المبرر لكتابة هذه النصوص القصيرة الست حول "جذور الغش"؟ في الواقع، قررت كتابتها عندما سمعت بنبإ طرد العشرات من المترشحين لشهادة الباكالوريا هذه السنة، على خلفية اكتشاف هواتف جوالة بحوزتهم خلال الامتحانات، علما بأنني لا أعرف أي أحد من بينهم. فأردت، وقبل أن أبدي أي رأي في المسألة وتفاديا لأن أتحدث من فراغ، إعطاء نماذج ميدانية ومقنعة من مظاهر الغش (مع الأسف) لدى بعض الكبار، في مجالين خبرتهما لحوالي ثلاثين سنة في هذه الربوع:  الانتخابات والشهادات ؛ لم أتطرق إلى مظاهر أخرى لأنه نقل عن شخصية وطنية وازنة قولها إنني -ولله الحمد-  "لا أفهم البيزنيس"...

فهل يعقل أن نتخذ من تلاميذ فصّر أكباش فداء في عمليات غش أخذوها على الكبار  (بعض الساسة وبعض الآباء وبعض المربيين وبعض الأوساط الإجتماعية) ؟ ألا يمكن اعتبار التلاميذ المعنيين "أذكى" جيلهم لأنهم طبقوا بدقة ما استشفوه من سلوك بعض الكبار؟ فكما يقول العلامة محمد ولد سيدي يحيى :"اطفيله اتراعي فيه (أي الغش)..."

وفي وقت يتذمر فيه بعض الكبار (وهم محقون في ذلك!) من التشهير بهم في وسائل التواصل الاجتماعي، فهل تم التفكير مليا في التبعات النفسية والاجتماعية  لنشر أسماء هؤلاء الأطفال على كل الوسائط الإعلامية المتاحة، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل تم التفكير في مضاعفات هذا الإجراء على أسر هؤلاء التلاميذ في مجتمع نعرف جميعا خصوصياته؟ ولمَ نبحث دائما في بلادنا عن مسؤولين عن التجاوزات دون البحث، ولو مرة واحدة، عن الأسباب الموضوعية لهذه التجاوزات ومحاولة المعالجة انطلاقا من الجذور؟ لمَ لا نستأنس بأفضل الممارسات الدولية لمحاربة الغش عموما والغش المدرسي على وجه الخصوص؟ فمقاربة "كبش الفداء" هذه تعني أنه بدلا من مواجهة التحديات المجتمعية من خلال التشخيص الدقيق وتوفير "الدواء" وإجراء القياسات "الإحصائية" اللاحقة للتأكد من شفاء "المريض"، نقوم ببتر أحد أصابعه، دون مسكنات، فيتحول التركيز الذهني والمناعي إلى منطقة البتر، لنلاحظ لاحقا أن أعراض المرض الحقيقي قد تفاقمت إلى حد مقلق.

إن أخطر ما في ظاهرة الغش لدى الأطفال، يتمثل في قضائه، وإلى الأبد،  على ثقتهم في أنفسهم  وفي قدراتهم الذهنية  والإبداعية. ف-"نجاح" مغشوش واحد كاف لتهديد مسار  تعليمي برمته. 

كعضو في طواقم التدريس في هذا البلد، واجهت عشرات الحالات من هذا النوع، فكنا نحرر تقارير مفصلة عن الوقائع لتتم المداولات حولها على مستوى المجالس المختصة (التربوية أو التأديبية) ؛ هذه المجالس التي كانت تضع دائما نصب أعينها مصلحة الطالب أولا ثم ضرورة ردعه بشكل يتناسب والحطأ المرتكب وعلى نحو تستحيل فيه إعادة الكرّة... لم يشكل أبدًا التشهير خيارا ضمن لوائح العقوبات، فمجرد إلغاء امتحانات الدورة المعنية كلها كان يعتبر  أقصى مستويات العقوبة، مع التهديد بالطرد نهائيا في حال تكرار عملية الغش. 

أود في النهاية أن أتوجه من هذا المنبر  إلى الجهات العمومية المختصة، لأطلب منها  شطب أسماء التلاميذ المعنيين من كل الوسائط الإعلامية التي تظهر عليها وإيجاد صيغة مرنة لإتاحة الفرصة أمامهم لاستئناف مسار دراسي بلا غش، مع إجراء دراسة علمية وموضوعية للظاهرة (الغش) في الامتحانات والسبل الكفيلة بالقضاء عليها بصفة فعلية ومستدامة.

 

 

14. أغسطس 2021 - 13:30

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا