الوطن هو الجميع / القصطلاني سيدي محمد إبراهيم

في خضم السياسة و في منعرجات النقد و أمام عواصف الإختلاف؛ قد يغيب عنا الحضور المناسب لقيمة الوطن و معناه.

الوطن هو الجميع ليست كلمة تقال باللسان على منصة مهرجان أو تكتب بالبنان في مقال محكم البنيان.

بل هي واقع و مصير و مبدأ.

فالمعارضة الديمقراطية لا معنى لها إذا لم تأخذ بالحسبان مصلحة الوطن و الوطن فقط.

و الموالات مثلها، لا معنى لها إذا كانت لا تعتبر ولاءها للوطن فوق كل ولاء السياسي.

لا بد إذن من إرتداء عباءة الوطن في كل فكرة أو قول أو عمل؛ و إلا غاب المعيار الفاصل في كل محاور البناء و التنمية.

حين نكتب فإننا نكتب للوطن أولا؛ لتاريخه و جغرافيته؛ و لا نكتب لمجرد تأييد أو تفنيد.

لقد عشنا في هذا الوطن و لا وطن لنا سواه.

جلسنا على مقاعد الدرس نفسها التي عانت من فساد التعليم الذي نكتب عنه الآن.

و شاركنا في مسابقات الشهادات الوطنية نفسها التي نكتب عن إختلالاتها الآن.

و خضنا المسابقات الوظيفية نفسها التي ننتقد شفافيتها الآن.

و كأن شيئا لم يتغير.

لكن يبقى الوطن فوق الجميع.

قد نتمرد في نقدنا للتسيير الخاطئ حد الجنون.

و نصرخ غاضبين في وجه كل المفسدين ما دام للفساد قلب ينبض.

لكن سنتمسك بوطننا حتى آخر رمق.

تراب وطننا و نسميه أقدس من أن يدنسهما إختلاف في الآراء و الأذواق.

و مدنه و أريافه و أزقته أغلى من كل كعكة يتقاسمها سكارى أكلة المال العام. 

فليذهب المتزلفون و المتعجرفون بالمال و الشهرة و تذهب أنت  بولائك لوطنك و وفائك لأرضه و سمائه و هوائه.

قد يقول القائل و ما فائدة حب الأوطانا إذا لم يكن للعيش الكريم فيها مكان.

أقول إن خبز وطني الحافي أغلى من جنفة الغير المكللة لحما المدفقة ثردا؛ و عريشه أظل من قصور كسرى و قيصر.

و لقد صدق إبن الرومي حين قال:

 ولي وطنٌ آليتُ ألا أبيعَهُ

 وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا

 وحبَّبَ أوطانَ الرجالِ إِليهمُ

 مآربُ قضاها الشبابُ هنالكا

 فقد ألفته النفسُ حتى كأنهُ

 لها جسدٌ إِن بان غودرَ هالكا

و صدق القائل :

بلادي و إن جارت علي عزيزة

و قومي و إن ضنوا علي كرام

إن الوطنية إيمان في القلب و ليست إسما على ورق.

و إن خير من نتأسى به هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 ففي صحيح الترمذي عن عبد الله بن عباسٍ ( رضي الله عنهما ) أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة : "ما أطيبكِ من بلد ، وأحبَّكِ إليَّ ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ "

إن الذين يعزفون على وتر السياسة و يتمايلون على أنغامها ؛من أجل تحقيق أهداف خاصة؛ 

حري بهم أن يعزفوا على وتر الوطن فأنشودته أكثرا أسرا للنفوس و راحة للقلوب.

 و قد تكون مصالحهم تلك؛تضر نسيج و إنسجام الوطن الحبيب...! فيتناقض المقصد الخاص مع المقصد العام و الفرع مع الأصل!.

ولا يعني ذاك العزوف عن السياسة؛ بقدرما هو توطين للسياسة؛ و توجيه لها حتى تكون سياسة وطنية بإمتياز.

لقد ذهبت بنا الديمقراطية بعيدا حتى أصبح بعضنا يفضل تأزيم الوضع لأغراض سياسية بحتة.

و ذهب بنا التحزب و التخندق إلى حد إعتبار الوطن قطعا مترامية و جهات متباينة.

الوطن هو الجميع.

هو تلك الأرض التي حين يأتيها فصل الصيف يتشبث بها أهلها رافعين أكف الضراعة يستسقون الله.

و تلك المدينة التي تخرج عنها ايام الخريف لتستريح من ضوضائها ثم تعود بعد ذلك و أنت تشتاق حتى سماع أزيز شاحاناتها المزعج.

و أولئك الأحبة الذين تمنحهم من وقتك و قوتك و صحتك ما أستطعت، ليعوضوه لك بمجرد بسمة السرور التي تبدو على وجوهم.

الوطن معنى سام و ليس فقط حالة إقتصادية و سياسية و إجتماعية؛ يترنح عليها لاعبوا كرة الأهداف الخاصة الضيقة؛ لتحقيق أهواءهم في لحظة إنفصام عن الذات و الوطن.

 

14. أغسطس 2021 - 13:33

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا