لا جدال في أن التعليم هو قاطرة التنمية، ولا مبالغة في أن المدرس هو حجر الزاوية في العملية التربوية، ولا برهان أصدق من نتائج الامتحان؛ فعندها يكرم المرء أو يهان.
لقد حملت نتائج الباكلوريا لهذا العام رسائل تربوية هامة جدا، وحملت تدوينة الوزير حولها رسائل أخرى تزيد الأمر أهمية؛ وتؤسس لمبدإ الاعتراف والاستعداد لمواجهة الخلل، بعيدا عن التجاهل المعهود والإنكار الذي تعودنا عليه من القائمين على الشأن التربوي لسنين خلت.
لقد شكلت نسبة 8% التي مثلتها نسبة النجاح؛ صدمة لدى بعض المتتبعين للشأن العام عموما والتربوي خصوصا؛ وحق لهم ذلك، ولكن هل كانت هناك نتائج أكثر توقعا من هذه؟
وهل هذه النسبة بكر في نتائجنا الوطنية عموما؟ ، وهل تجاوزنا المشاكل البنيوية التي تجعلنا نتطلع لنتائج هي حصاد ثورة تعليمة ثبت عليها قطار التعليم وواصل المسير سنوات وسنوات؟
إن المتتبع للشأن التربوي لن تفاجئه هذه النسبة فهي نفسها التي كان تحصل في السنوات الماضية بما في ذلك سنة التعليم 2015 التي كانت دونها، والسنة التي تلتها والتي كانت نفس النسبة وذلك قبل اصطحاب الهواتف والاستيطان الذهني في الواتس آب!!، إذ لم تتجاوز نسبة النجاح في السنوات الماضية 10% بل كانت تترنح بينها كحد أعلى و7% كحد أدنى؛ باستثناء سنة 2020 التي وصلت فيها نسبة النجاح 16% وربما تكون لذلك أسباب غير مشروعة؛ يظهر ذلك من خلال نتائج الإجراءات المستحدثة، لمحاربة الغش، والتحلي بالمسؤولية الذي ظهر في السنة الحالية، وهذا هو الجديد الذي اعتمد المكاشفة والصراحة والصرامة في التعامل مع الامتحان والقطيعة مع الأساليب القذرة التي كانت منهجا سائدا في السنوات الأربع – على الأقل- الماضية.
لا شك أن المنظومة التربوية تعاني من مشاكل بنيوية كثيرة جدا ؛ ولقد أكد الوزير على ذلك في تعليقه على نتائج الباكلوريا هذه السنة، إذن لا بد من مباشرة علاجها سريعا كي نضمن سير قطار المنظومة التربوية على السكة الصحيحة في الظرف المناسب؛
ومن المهم جدا إعادة النظر في هيكلة شعب التعليم الثانوي؛ كما أشار الوزير إلى ذلك، ويثلج صدري أني كنت قد أثرت هذه النقطة سابقا من خلال مكتوب على صفحة الوزير؛ ونبهت إلى أكثر من قضية اللغات التي تحدث عنها الوزير وكيفية تدريس العلوم الذي لا يوجد أنسب له من التدريس بلغة الأم، والذي تحدثت عنه دراسات عالمية برعاية اليونسكو، وكنت قد تناولت ذلك في مقال خاص بعنوان: التعلم باللغة الأم ومكامن الإبداع، لقد ذهبت في التنبيه المذكور إلى أن المواد الثانوية في المرحلة الثانوية ينبغي إعادة النظر إليها، اعتمادا، ومحتوى، فلا يعقل أن نشغل بال طالب الباكلوريا برؤوس أقلام قد ننهي موضوعها في مرحلة الإعدادية ونعينه بتقليص المقرر العام على التركيز حول المواد الأساسية التي هي عماد اختصاصه في ما بعد؛
ثم إن هذه النقاط لن تؤتي أكلها بمجرد تطبيقها لوحدها، بل لن نتجاوز المشاكل البنيوية التي تعاني منها المنظومة التربوية قبل معالجة النقاط التالية:
زيادة الإنفاق العام على التعليم من ميزانية الدولة.
زيادة الأجور والعلاوات التحفيزية؛ من أجل جودة العطاء والثبات في القطاع.
اعتماد التكوين المستمر للمدرسين جميعا دون استثناء، وسبق أن أشرنا إلى إمكانية ذلك أسبوعيا أو شهريا على الأقل وفي الميدان التربوي.
التركيز على التدريس بلغة الأم (اللغة العربية) وبالتالي إزالة التعقيدات اللغوية التي تزاحم التعقيدات العلمية.
جعل مادة التربية الإسلامية في الوسط بالنسبة لكل الشعب باستثناء الآداب الأصلية، من خلال ضارب وتوقيت معتبرين، وغاية ذلك الحفاظ على الهوية الإسلامية، والحد الأدنى من التشبع الديني للتلاميذ.
إدراج اللغات الوطنية في المناهج التربوية، من أجل خلق أجيال متصالحة مع ذواتها ومتصالحة فيما بينها.
مواءمة المناهج التربوية مع ملامح المخرجات المنشودة.
ضرورة تلاقي المقاربات التربوية مع إملاءات المحيط التربوي؛ ومراعاة الاختلاف - مهما كانت بساطته - من جهة إلى أخرى.
توفير الكتاب المدرسي بشكل ينهي الاضطراب الحاصل، والتذمر الأهلي، والمضاربة في الأسواق.
اعتماد سلك للمؤلفين من أجل ضمان التأليف الجيد وصولا إلى جودة الكتاب المدرسي.
اعتماد سلك معلم رئيسي الذي سبق أن بشَّرَ به الوزير؛ فذلك أدعى لتشجيع المدرسين على العطاء؛ والتنافسية، وجلب الكفاءات إلى الحقل التربوي.
ضبط المدرسين في المدارس العمومية، والصرامة مع المدارس الخصوصية في الاعتماد على مدرسين غيرهم؛ تقدم لوائحهم لإدارة الأشخاص وتتابع؛ ولا يسمح للمدرس النظامي بالتعامل مع هذه المدارس إلا خارج وقت الدوام؛ وإن كان الأجدى سد هذا الباب لما له من إنهاك المدرسين النظاميين والتشويش على انتظامهم في المدراس العمومية.
ضرورة المصاحبة التربوية للمدرسين؛ فالمستوى الذي لا يعمل على زيادته بالتأطير يتناقص، وقد يستمرئ صاحبه أخطاء تربوية قاتلة يزرعها في الأجيال.
معالجة جيوب الفقر التي تضيق الخناق على التعليم وتحد من جودته.
القضاء على الاكتظاظ من خلال تسريع وتيرة التشييد والعمل على جعل البنية العمرانية التربوية قادرة على الاحتواء.
القضاء على المدارس شبه الافتراضية التي لا تلاميذ معتبرين بها ولا مسافة بعيدة تفصلها عن المدارس المكتملة؛ ولإن كان هذا النوع من المدارس يكثر في المدارس العمومية في الريف؛ فإن التعليم الخصوصي له حظ منه؛ حيث بعض المدارس التي لا تسعفها الهيكلة العمرانية ولا البنية التربوية؛ وبالتالي وجودها مع فقدان المعايير خلل كبير.
تفعيل مبدأ العقوبة والمكافأة فلا معنى لتساوي الحاضر المجد مع كثير الغياب الذي قد ينجو من عقوبة التعليق بفعل فاعل!.
ضرورة الوقوف على المردودية التربوية في الزيارات الميدانية؛ وهذه الجزئية غائبة تماما؛ لا أدري لماذا؟!!.
إشراك أباء التلاميذ أكثر فأكثر في الإشراف على العملية التربوية من خلال التنسيق والتوجيه لمتابعة التلاميذ خارج الوسط المدرسي.
تجنب العنف المدرسي والمنزلي ضد الأطفال لما له من انعكاسات سلبية تتطلب التذكير دائما وإنعاش ورشات لتوظيف البدائل.
احتواء المتسربين من التعليم العمومي ودمجهم مبكرا في التكوين المهني؛ الذي لابد من اتساع دائرته حتى يكون معينا يعول عليه في انتعاش المنظومة التربوية.
دمج مقدمي خدمات التعليم والزيادة في الاكتتابات، ومصاحبة العملية بتكوينات مكثفة.
التفكير في اعتماد نظام الأسلاك؛ وكل إجراء من شانه الدفع بعجلة المنظومة التربوية إلى الأمام.
توفير الوسائل الديداكتيكية ووسائل الإيضاح التي غالبا ما تكون مفقودة حيث يفترض بها أن توجد.
توفير المختبرات الضرورية لتطبيق التجارب العلمية والتفاعلات الكيميائية؛ والابتعاد عن النهج القديم وتلقين التجارب العلمية نظريا!.
فرض التحضير وحيازة تخطيط البرنامج وإلزامية التقيد بالجدول الزمني الأسبوعي؛ وهي جزئيات بسيطة يستسهل السواد الأعظم من المدرسين التخلي عنها ولذلك ماله من انعكاس على أداء الرسالة التربوية وجني ثمارها.
تعميم الكفالات المدرسية خاصة في أماكن الخصاصة.
ضبط التحويلات بمعيارية تعتمد لم الشمل واعتبارا للأقدمية إنصافا وتشجيعا على العطاء الجيد.
غربلة الهياكل الإدارية لوزارة التهذيب وخلق جهاز إداري متماسك؛ يبتعد كل البعد عن طبيعة اللوبيات المخربة التي كانت تنتشر كالفطر في هذه الوزارة لسنوات وسنوات.
استقلال سياسة التعليم؛ وهنا تلزم المصارحة فلكي نبني منظومة تربوية حقيقية لا بد من وقف الأنماط التقليدية في التدخلات وترك الوزير المعني يباشر تنقية حقله وزرع عناصره بالطريقة التي تجعله يراهن عليه.
تقوية دعائم التعليم الأساسي بإشراك كوادره أكثر في صنع القرار التربوي لأنه يمثل السواد الأعظم؛ ولأن الطيف الأكبر سيتأثر بذلك إيجابا كما يتأثر بأي تغييب أو إهمال سلبا.
الزي المدرسي له إيجابيته التي تحد من ظهور الفوارق على الأقل داخل الحيز المدرسي، وهنا يلزم اعتماد ومراعاة الزي القابل للاستخدام طيلة سنة دراسية وأكثر وهو ما يبعد الملحفة وأشباهها ويقوي وجاهة اعتماد العباءة للإناث والسترة الطويلة للرجال.
جدير بالذكر ختاما أن الإجراءات التي اعتمدت في الامتحانات هذه السنة قد تكون هي البداية الفعلية للإصلاح الذي يتطلب الثبات والإسراع في تصحيح المسار ومعاجلة الخلل بالمعالجة؛ وانتظار النتائج التي لا يمكن أن تحصد قبل سنوات من المثابرة والعض على هذه الإصلاحات بنواجذ العزيمة والإصرار وقوة الإيمان؛ وعلى الله التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.