عندما يصل الخطاب إلى درجة الإسفاف / د.الشيخ ول باباه اليدالي

   من الطبيعي أن تكون هناك علاقة شد وجذب بين المعارضة والموالاة، ومن الطبيعي كذلك أن تنتقد المعارضة الجماعة الحاكمة كلما وجدت ما يهيج شهيتها لذلك؛ هذه هي طبيعة الأمور، وهذا هو ما يجعل من المعارضة معارضة؛ إذن لا لوم على المعارضة إن سلكت هذا السبيل أو أخذت بطرف من هذا المنحى؛ ما دامت هناك ذرة من الموضوعية أو متكأ – ولو متهالكا – من الغيرة على الوطن!

  ولعل من البدهي – هنا – الإشارة إلى ما للمعارضة من أهمية بالغة في الأنظمة الديمقراطية، وذلك للدور الذي تلعبه في سبيل تصحيح الأخطاء، وتقويم الطبقة الحاكمة، ونصحها وتوجيهها وإرشادها لما فيه خير البلاد والعباد؛ هذا إذا كانت المعارضة صالحة، وقادرة على لعب الدور المنوط بها حقا، أما إذا كانت تحركها الأنانية والأطماع الشخصية وآخر ما تفكر فيه هي المصلحة العامة؛ فهذه تكون "كعليل بُعث إلى المسيح به طبيبا" على حد وصف المتنبي الذي نقلته بتصرف

  أريد في هذه السطور أن أسلط الضوء على مخرجات المؤتمر الصحفي الأخير الذي عقدته أحزاب المعارضة أو بعضها على الأصح، وتصريحات البعض الواصلة إلى درجة الإسفاف

  في الواقع لا أحد ينكر حكمة الرجل وما ضيه النضالي، ولكنه في هذه الخرجة لم يكن موفقا؛ لقد بدا متهافتا وفاقدا لأدنى درجات الاتزان والموضوعية، لم يكن صاحبنا – وهو يفتعل الأزمات الغير موجودة – يستند إلى منطق ولا إلى معطيات واقع ولا إلى دوافع المصلحة العامة، وإنما كان يشحنه الغضب من فوات مكاسب مادية كان يطمع فيها لنفسه ولحزبه ولأصحابه الأدنين

  كل المراقبين للوضع الحالي للبلد يدركون أنه (أي البلد) أبعد ما يكون عن الأزمات وعن الاحتقان السياسي أحرى ذلك الانفجار الكارثي الذي يتحدث عنه صاحبنا المتحرق لعدم أخذ نصيب من الكعكة، كل الأطراف السياسية الموضوعية راضية عن راهن البلد؛ إذ تشاهده يسير بخطى حثيثة على كل دروب التنمية، وجميع أصعدة التقدم بفضل السياسة الحكيمة والرؤية المتبصرة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ول الشيخ الغزواني

  إن صاحبنا يتحدث عن ثورة في الشمال، وأخرى في الجنوب وربما ثالثة في الشرق، ونحن نقول له: {هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}، وما أصدق الآية الكريمة التي تقول: {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين}

  غني عن الإبانة أن فخامة الرئيس ترك أبواب القصر مفتوحة على مصراعيها أمام كل ألوان الطيف السياسي، واستمع للجميع وتبادل الآراء معهم؛ فعن أية أزمة يتحدث هذا الرجل ورفاقه يا ترى؟

  إن مصطلح "التشاور" الذي آثره فخامة الرئيس هو المصطلح المكين في الثقافة العربية الإسلامية؛ حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {وشاورهم في الأمر} ويقول جل شأنه: {وأمرهم شورى بينهم}، فالشورى – إذن – مبدأ أصيل في الثقافة الإسلامية/ العربية، والحوار "مفهوم" وافد وهو من إفرازات الحضارة الغربية، وقد أصبح - لكثرة الاستعمال – مبتذلا وخاليا من الدلالة، ولعل – لهذا السبب –  عدل عنه فخامة الرئيس واصطفى "مصطلح التشاور" المفعم بالإيحاءات الثقافية والحضارية الأصيلة

  بقي أن نشير إلى أن الوحدة الوطنية بخير، وكل الشرائح مشركة في تسيير البلد، وليس هناك ظلم ولا حيف ضد شريحة بعينها؛ فالتعليم متاح للجميع والصحة متاحة للجميع والحقوق المدنية والسياسية متاحة للجميع، والفرص متكافئة أمام الجميع...، صحيح أن هناك جيوب فقر في بعض المناطق، وهشاشة في فئات اجتماعية بعينها بفعل مخلفات تاريخية انتهت ولم يعد لها وجود في يوم الناس هذا، ومع ذلك فجهود الدولة مضاعفة في تطويق مظاهر كهذه؛ سواء تعلق الأمر بالترسانة القانونية أم بالتدخلات الاجتماعية المعتبرة

 خلاصة القول في هذه النقطة هو أن اللعب على وتر الحقوق لم يعد يحقق مكاسب سياسية كبيرة، فالدولة أخذت المبادرة ولم يعد هناك مجال للمتاجرة بقضية الاسترقاق ودغدغة عواطف الجماهير بالمغالطات والأكاذيب 

 

23. أغسطس 2021 - 11:36

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا