طريق الصحيح للإصلاح التعليمي / د.محمدعالي الهاشمي

عند الحديث عن الإصلاح التربوي غالبًا ما تتم الإشارة إلى التغييرات والتحولات في النظام المدرسي فيما يتعلق بعوامل مثل الفلسفة التعليمية وورقة سياسات التعليميه والمناهج الدراسية، والتربية والتعليم والتنظيم والإدارة والتمويل، والإجماع على أنّ الغرض الأساسي من التعليم هو رعاية وتحسين التعليم الشامل في مرحلة الطفولة المبكرة وخاصة بالنسبة لمعظم الأطفال الضعفاء والمحرومين وضمان الوصول المجاني والإلزامي والتعليم عالي الجودة.

 إصلاح التعليم ضرورة فردية ومجتمعية ووطنية، ويجب أن يقتنع الجميع بأن بقاء وضع التعليم على ما هو عليه يعني خسارة للفرد والمجتمع والدولة، ولذا يجب أن ينطلق الإصلاح من رؤية وطنية واضحة يتوافق عليها أصحاب المصلحة والقوى الفاعلة كافة في المجتمع، وأن تتحول هذه الرؤية إلى مقاصد وأهداف وطنية واضحة ومحددة يعبر الوطن من خلال تحقيقها إلى المستقبل .

إصلاح التعليم له كلف مالية واقتصادية واجتماعية، وبالتالي يجب أن تتحول تصريحات الرئيس إلى التزام واضح لتحمل هذه الكلف، و من الضروري أن تضع الحكومة ورقة سياسات لإصلاح التعليم بعد التشاور مع أصحاب المصلحة، وأن تعرض هذه الورقة على البرلمان لنقاشها واقرارها، لتصبح نهجاً وبرنامجاً عابرا للحكومات .

تنطلق ورقة السياسات من فلسفة ومقاصد وأهداف التربية والتعليم المنصوص عليها في قانون التربية والتعليم، وتحويلها إلى برنامج عمل وطني توافقي. ومن المعلوم أن السياسات تعبر عن نوايا (النظام /الدولة في حالة التعليم) عما تعتزم عمله، وكيفية ترجمة هذه النوايا إلى برامج وخطط عمل، وطريقة تنفيذ وتقييم هذه البرامج والخطط، وتعديل مساراتها بناءً على التقويم الكلي لنتائجها إن لزم. وبالتالي فإن السياسات هي الهادي والموجه لجهود التعليم كافة، وللأسف الشديد لا يوجد على حد علمي ورقة سياسات واضحة ومتفق عليها فيما يتعلق بالتعليم في موريتانيا ، وكثيراً مما يسمى بالسياسات هي في حقيقة الأمر تشريعات وتعميمات إدارية أو فنية لا ترقى لمفهوم السياسات بالمعنى المقصود أعلاه.

إن وثيقة السياسات التعليمية، ضرورية لتأطير وتنسيق العديد من الجهود الإصلاحية التي بدأت بها وزارة التربية والتعليم، بدءاً بإصلاح امتحان شهادة الدراسة الثانوية الباكالوريا ، ووضع نظام للمساءلة، وآخر للترخيص لمزاولة المهنة، وانتهاءً بتأسيس مركز وطني لتطوير المناهج، ووضع الإطار العام للمناهج.

إن أحد الأسباب لبطء الإصلاحات أو فشلها أو حيدها عن الطريق المرسوم يكمن في غياب السياسات الثابتة والواضحة والمحددة التي تشكل الإطار العام والمنارة الهادية للجهود التي تبذل بشكل مبعثر في كثير من الأحيان، وهذه الظاهرة ليست موريتانيه فقط، بل هي ظاهرة عربية عموماً. ويؤدي هذا الغياب إلى ضعف المردود والنتائج للخطط والبرامج التي أنفق عليها المليارات . وبالإضافة إلى غياب السياسات العامة هناك تحديان كبيران يواجهان إصلاح التعليم؛ أحدهما ضعف تأهيل المعلمين ووجود الألاف منهم ممن لم يتلقوا أي تدريب على طرق ووسائل التعليم والتقييم الحديثة، الأمر الذي يؤثر على ضعف العائد على الكلفة الباهظة للتعليم، والآخر هو ضعف تمويل برامج إصلاح التعليم. وبالتالي فإن وضع إصلاح التعليم على السكة الصحيحة يحتاج أولاً إلى بدء برنامج واسع ومكثف لإعادة تأهيل المعلمين القائمين حالياً، وإعداد المعلمين الجدد بمقاربة مختلفة عما يجري حالياً لمواجهة تزايد الطلب على التعليم، وثانياً، إلى زيادة الإنفاق على التعليم وتحسين كفاءته. وفي ظل الأوضاع المالية والاقتصادية للدولة والأوضاع الصحيه السائدة في العالم، قد يبدو الطلب بزيادة الإنفاق على التعليم  طلباً غير مبرر ، ولذا لا غنى عن زيادة كفاءة الإنفاق، والبحث عن بدائل جديدة لتمويل التعليم. وفي هذا الإطار يمكن التفكير جدياً في إنشاء صندوق خاص لإصلاح التعليم تتكون موارده من الدوله والقطاع الخاص والمجتمع الدولي. إن من مصلحة القطاع الخاص المستخدم لمخرجات التعليم تطوير التعليم إلى المستويات التي يرغب فيها، وعليه يجب أن يساهم في جهد وطني من هذا النوع. وباعتقادي من التجارب السابقة أن المجتمع الدولي سيساهم  في هذا الجهد أيضاً، ولنا مع فرنسا والدول العربيه والولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي تجارب إيجابية جداً في هذا المجال.

إن العناصر التي تشتمل عليها ورقة السياسات متعددة، ومن الضروري أن تنبثق عن الرؤية العامة للدولة وأهدافها الوطنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن يكون مقصدها الأسمى الارتقاء بنوعية التعليم بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع والدولة هي. 

1. التعليم النوعي الجيد مفتاح للتنمية الذاتية والإصلاح الاقتصادي والرفاه المجتمعي، وهو إحدى الركائز الأساسية لبناء منعة وقوة الدولة وقدرتها على تحقيق التنمية المستدامة ومجابهة تحديات المستقبل.

2. التعليم النوعي الجيد حق للجميع وليس للنخبة، ومسؤوليته الأساسية تقع على النظام، إلا أن أدوار القطاع الخاص والأهالي وأولياء الأمور والمجتمع المحلي في غاية الأهمية حتى تثمر الجهود الحكومية وتعطي أُكلها.

3. التعليم النوعي الجيد تعليم جامع للجميع بغض النظر عن قدرات الأفراد، ومستواهم الاقتصادي والاجتماعي، وخلفياتهم الأسرية، ومناطقهم الجغرافية ؛ إذ إن كل طفل قابل للتعلم إذا عرفنا كيفية الوصول إليه، وإلى طريقته في التعلم، وذكاءاته المختلفة، وميوله، واتجاهاته.

4. التعليم ملك للجميع ولا يجب أن تتحكم فيه وتوجهه فئة أو مجموعة معينة بأي دعوى كانت استعماريه او غيرها ، ويجب أن يبنى على الاحترام والمحبة والعدل والمساواة والقيم المشتركة واحترام الآخر والرأي المختلف، والتسامي عن الاختلافات.

5. التعليم النوعي الجيد مدخل للحراك الاقتصادي والاجتماعي للأفراد، والتغيُّر الاجتماعي الإيجابي للمجتمع، ولذا يجب أن يكون مفتوحاً للجميع، ومدى الحياة، وأن يكسب الأفراد مهارات كيفية التعلم، والاتجاهات الإيجابية نحو مركزية العقل في التعلم والتصرُّف والتعامل مع الآخرين.

6. التعليم النوعي الجيد يخاطب الشخصية المتكاملة للفرد، وينمي الفكر، والوجدان، ومهارات الأفراد بالتساوي والتوازي، ويطلق قدرات الأفراد الذهنية وإبداعاتهم ويحقق ذواتهم، ويرتقي بهم نحو المواطنة الكاملة والعالمية.

7. التعليم النوعي الجيد يكسب الأفراد مهارات حل المشكلات، والتفكير النقدي والتحليلي، وينمي لديهم القدرة على توليد المعرفة، واحترام العلم والتفكير العلمي، ومهارات التواصل والاتصال الفعال مع الآخرين، والعمل معهم كفريق.

8. التعليم النوعي الجيد ينمي لدى الأفراد حب الوطن، والانتماء لأرضه وتاريخه وثقافته، ويغرس فيهم حب الأرض، والحفاظ على البيئة وعدم استغلالها بشكل جائر واستدامتها كجزء من استدامة الكوكب الذي يعيش فيه الجميع.

9. التعليم النوعي الجيد يحتاج إلى مناهج متطورة وعصرية وكتب مدرسية رشيقة وجذابة وتوفير وسائل التعليم والتعلُّم المختلفة بما فيها وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات الحديثة.

10. التعليم النوعي الجيد يحتاج إلى معلم مؤهل ومدرب ومرخص للقيام بواجباته ولديه الشغف والرغبة في التعليم وامتهانها كمهنة حياة.

11. التعليم النوعي الجيد يحتاج إلى بيئة مدرسية وصفية غنية وثرية وداعمة تحفز التعلم والاستمرار فيه في المدرسة وخارجها.

12. تحتاج المدرسة إلى دعم أولياء الأمور لأبنائهم، ومتابعة تعلمهم وإثرائه وإغنائه، ودعم جهود المعلمين.

13. تحتاج المدرسة الناجحة إلى مدير مؤهل ومدرب وداعم وموجه للمعلمين، يساعد على تهيئة البيئة المناسبة للتعلُّم، ويسند ويساعد المعلمين على الارتقاء بعملهم وتعظيم منجزاتهم.

14. إصلاح التعليم يحتاج إلى كلف مالية ويجب التفكير جيداً في توفيرها والبدائل المحتملة لذلك إذا أردنا إصلاح التعليم بالمعنى الحقيقي للإصلاح.

15. التعليم النوعي الجيد ضروري ليس للتنمية الذاتية للفرد، بل لإعداده لسوق العمل من خلال اكتسابه المهارات الجديدة لاقتصاد متغير ومتشابك ومعقد تقوده التكنولوجيا والريادية.

16. التعليم النوعي الجيد يقتضي تكاملية ومرونة مراحل التعليم وأنواعه ومساراته بحيث تهيئ كل مرحلة للمرحلة اللاحقة وتكون مساراته مفتوحة على بعضها بعضا.

17. التعليم المبكر للأطفال ضروري لتهيئتهم وإعدادهم للنجاح في مرحلة التعليم الأساسي، ويسهم في القضاء على اللامساواة وتحقيق العدالة.

18. تطورت وظائف المدرسة ولم تعد ذلك المكان المغلق، بل أصبحت مركزاً للتعلم للمجتمع المحلي، ويقتضي هذا الأمر انفتاح المدارس وتمكينها ومنحها مزيداً من الاستقلالية الإدارية والمالية، وخاصة فيما يتعلق باحتياجات معلميها من التنمية المهنية المستمرة.

19. يحتاج المعلمون في العصر الحديث إلى التعاون والتنسيق والتشبيك فيما بينهم من خلال مجتمعات الممارسة، يتبادل من خلالها المعلمون ذوو الاختصاصات والاهتمامات الواحدة خبراتهم وتجاربهم الناجحة ويتأملون فيها ويتعلمون من الدروس المستفادة منها.

20. يستدعي تطوير واقع التعليم اعتباره مهنة كغيرها من المهن المحترمة تقوم على التخصص ممثلاً بالجسم المعرفي، وعلى الأخلاق والقيم المهنية التي تحكم التصرف الصحيح والسليم والمشرف، وعلى المعايير الحاكمة لتقييم الأداء ذاتياً ومؤسسياً.

 

 

25. أغسطس 2021 - 9:32

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا