الوحدة العربية - الإفريقية كيف نحققها؟؟!! / التراد سيدي

إذا كان الأوروبيون الذين شهد تاريخهم من الصراع والحروب والمذابح ومختلف الفظاعات مالم يشهده مكان آخر في العالم بجميع قاراته و يختلفون في أصولهم ولغاتهم وكثير من جوانب ثقافتهم وطبيعة حياتهم ، إذا كانوا مع كل هذا التاريخ الدموي وكل هذه الاختلافات قد اقتنعوا تحت ضغط الحاجة للبقاء وضرورات القوة والوجود الفعال ومن أجل استمرارهم متمتعين بقوة تنافسية مؤثرة كل ذلك جعلهم يقتنعوا أن رغم الكم الهائل من خلافات ومشكلات الماضي وتناقض كثير من المصالح في الحاضر يتجاوزون ويلغون كل عوامل التفرقة ويجمعوا قواهم ويوحدوا سياساتهم ويتخلون عن عملاتهم التاريخية المانيا عن المارك وفرنسا عن الإفرنك وإطاليا عن الليرة إلى غير ذلك من الدول ذات التاريخ الطويل مع عملاتها المعروفة لأنهم أدركوا أهمية حجم السكان و اتساع السوق لدعم النمو والتطور الاقتصادي والتكنلوجي وزيادة القدرة التنافسية في عالم بدأت فيه السيطرة والصعود والنمو كلها من نصيب الكتل البشرية ذات الحجم الكبير مثل الصين والهند وإمريكا إلخ ..
نقول إذا كان الأوربيون المتقدمون صناعيا وتكنلوجيا والذين تعيش شعوبهم في بحبوحة ونعيم قد تأكدوا أنهم مالم يجمعوا قواهم ويتوحدوا فإن الأمن في الحاضر والأمل في مكانة معتبرة ودور مناسب في المستقبل لن يتحققا إلا بالوحدة الكاملة.. إذا كان هذا ماتوصل إليه الأروبيون وفرض عليهم الأرتقاء فوق كل الاعتبارات وقهر كل الصعوبات وتجاوز كل العقبات لتحقيق الوحدة الأوربية التي نراها اليوم... أفلا نستطيع نحن العرب والإفريقيين الذين نشترك في أمور كثيرة وتتداخل مصالحنا بسلسلة من الروابط المتنوعة وتتشابه ظروفنا ومشاكلنا؛ فلنا نفس الأمال: نحتاج جميعا للنمو والتغلب على الفقر والجهل وتأمين حياة كريمة لشعوبنا ونتوق كلنا لحرية بلداننا والسيطرة على مقدراتنا ونعاني نفس الآلام من التهميش في السياسة الدولية ونقص السيادة والمؤامرات واضطراب الأحوال من صراعات إثنية وطائفية ومن إرهاب واضطراب في الذهنية وعدم القدرة على استيعاب نظم الحداثة بما يضمن الرسوخ والأستقرار
إن أي متمعن في دراسة الواقع يدرك بسهولة أن مشاكل العرب وإلإفريقيين متشابهة وحاجاتهم وظروفهم هي نفسها وإن اشتراكهم في كل شيء يجعل المثقفين العرب الإفريقيين مطالبين بوعي الواقع الحقيقي لهذا الفضاء والعمل لتصحيح المسار والتوجهات والعمل بجد لوحدة هذا الفضاء فليس هناك حل لمشاكل العرب وإفريقيا إلا بالوحدة الكاملة للفضائين العربي- الإفريقي ..وليس هناك مايمنع هذه الوحدة أو يعرقلها سوى عدم الوعي بأهميتها و عدم العمل لتحقيقها ..
و السؤال الذي يلح علي ويكاد يصرخ مبددا السكون الذي يكتنف هذه الرتابة والجمود التي تسود واقع هذه الأمة الباحثة عمن يوقظها هو: ألا يرى سياسيو هذه المرحلة من عرب وأفارقة أنهم مطالبون بوقف مأساة موجات المهاجرين الذين تبتلعهم أمواج المحيط وهم يحاولون الهروب من الفقر والبؤس بالانتقال لأوروبا التي لا ترحب بهم رغم مسؤولياتها عن مايعانون لما تسبب به الاستعمار من نهب للثروات التي جعلت أوروبا تحقق ما هي فيه من تقدم ثم صارت تسد الأبواب دون المهاجرين اليوم؟؟؟.!!!
إن مثقفي الفضاء العربي الإفريقي مطالبون بعمل تأسيسي تنظيري وتنظيمي فعال لقيادة شعوب هذا الفضاء لتكوين كيان قادر على إنهاء معاناة وضعف وذل طال العيش تحت ألمهم وقسوتهم!!
فهذه المجموعات البشرية تشترك في الكثير من الأمور في الماضي والحاضر وتتقاسم عددا من الأوطان من السودان وتانزانيا وكينيا والصومال وإثيوبيا وادجبوتي وأرتريا واتشاد والنيجر ومالي وحتى موريتانيا!!! في كل هذه البلدان تتداخل حدودنا وتتشابه مشاكلنا ونتشارك في استغلال مياه الأنهر ( النيل ونهر السينغال ونهر النيجر) وتدين أكثريتنا بالإسلام مع أقلية مسيحية في مجموعتينا وإن الكثير من تاريخنا مشترك ولدينا تكامل اقتصادي ومستوى نمو متشابه وإننا بوحدتنا نزيل الكثير من ظروف الفقر وأسبابه و نزيل الحاجة الشديدة للمياه التي تعاني منها الكثير من البلدان العربية وفي نفس الوقت ستزيل الوحدة حاجة دول كثيرة للرساميل وأمور أخرى تحتاجها بعض البلدان الإفريقية..والعربية
بعد ما عرضنا وبينا من تشابه ظروف وتداخل شعوب وتكامل وتبادل منافع وفوائد.. أَلَمْ يتضح أن المصالح تفرض علينا العمل بكل قوة لتحقيق الوحدة العربية- الإفريقية لنستطيع الحياة بكرامة في عالم أصبحت الكتل الكبرى فيه هي القادرة على ضمان دورها ومكانتها بقوة واقتدار ؟؟؟ !!!
أيمكن أن يبقى مثقفو العرب وإفريقيا مغمضي الأعين عن كل حقائق الواقع ومتطلباته حيث تذهب الرساميل العربية في كل اتجاه في إمريكا وكندا وأستراليا وفي أنغلترا والمانيا وتذوب في المضاربات والمشاريع غير ذات الجدوائية وتضيع اتروليونات في انخفاض وارتفاع العملات وفي المضاربة والمقامرة في البورصات و شراء العقارات والأندية الرياضية و اليخوت والملاهي الليلية، وصنوف أخرى من السفه والبذخ الجاري منذ اكتشاف الثروة النفطية لتبديد تلك الثروات القادرة على تغيير واقعنا إذا استغلت فيما يفيد؟؟؟!!!
إن توجيه الثروات العربية نحو بناء الأمة العربية الإفريقية التي نطمح لقيامها كفيل بتغيير وجه المنطقة العربية الإفريقية وجعل البحيرات الكبرى وضفاف الأنهر والغابات الاستوائية في إفريقيا جنانا عامرة زاخرة بالحيوية والجمال، وجعلها مخازن لغلال حبوب وافرة تشارك في تأميننا وتأمين البشرية من مخاطر نقص الغذاء ونتمكن من تأسيس قاعدة صناعية متطورة تسهم في نهضة وتقدم في كل المجالات في هذا العالم المتسم باالسرعة والتطور والتغير المستمر!!
وليس العرب هم الذين يملكون ماينفع في دولة الوحدة العربية الإفريقية إن وحدة العرب مع إفريقيا تنهي مشكلة حاجتهم للماء التي هي مشكلتهم الأكبر ؛ إن العرب دون إفريقيا مهددون بالعطش وبمشاكل لا يمكن حلها فسوريا والعراق تعتمدان على أنهر تنبع من خارج أراضيهم الفرات ودجلة بالنسبة للعراق و الفرات بالنسبة لسوريا وهذين النهرين تأتي مياههما من تركيا التي تتحكم بما تريد من المياه وإذا شاءت لسبب أو آخر حجز مياه أكثر مما هو حاصل الآن فسيكون الوضع كارثي بلا حل! وإن مصر والسودان تعانيان من نقص القادم إليهما من مياه النيل وإذا وجدت أية مشاريع جديدة على مجرى النيل وروافده التي تمر بعدد من الدول الإفريقية التي لا يعلم أحد متى ستبدء عمل سدود ومشاريع أخرى عليها فإن وضع الدولتين ساعتها سيكون في غاية الصعوبة أما الخليج والمغرب العربي والأردن وفلسطين ولبنان فإنهم جميعا في حاجة للمياه لذلك إن الوحدة العربية الإفريقية تضمن للطرفين مصالح حيوية يتوقف عليها مستقبل الكيانين !!!
إننا نعلم أن الوحدة العربية أعيت الجميع وفشلت محاولات تحقيقها من طرف أكثر من جهة وأكثر من نظام حتى كاد الشعب ييأس من تحقيقها !! ومثلها الوحدة الإفريقية تعب قادة كبار في محاولة تذليل الصعوبات أمامها ولم يتقدموا كثيرا رغم مابذلواا!!
إن الذي تسبب في عدم تحقيق الوحدة العربية أو الإفريقية عاملين تضافرا: نقص الوعي والتآمر وإذا استطعنا -ونحن قادرين على ذلك- بث الوعي الحقيقي في الجماهير مع العمل الجدي الذي يحسن الاستفادة من الماضي وتجارب السابقين فإننا نستطيع خلق نقلة نوعية ..
وهناك مشكلة أخرى حيث يعتبر البعض من مثقفي العرب وإفريقيا أن الأمة اصطلاحا هي التي تتكون من جنس معين وأصل واحد مع وحدة اللغة والتاريخ المشترك و الذي يعتبر الأمة هكذا يحبس نفسه ضمن مفاهيم بائدة وأفكار خاطئة تنبني على أسس واهية فالأمة لايشترط لوجودها وحدة الأصل إذ لو كان ذلك صحيحا لما قامت الأمة الإمريكية التي فيها عشرات الأجناس ذات الأصول المختلفة؟ وكيف نعتبر تاريخ وأمجاد الأمة البريطانية التي تسببت في قيام الولايات المتحدة وكندا واستراليا وانيوزلاندا وكانت من الأتساع بحيث لاتغيب عنها الشمس ولم تكن يوما من مجموعة واحدة فهي دوما تتشكل من أربعة أثنيات معروفة:( انغلترا، اسكتلاندا، ويلز، وإرلندا) وكم من الأجناس والأقوام تتكون الأمة الصينية والأمة الهندية؟
إن وحدة المصالح هي العامل الأهم كما يدل عليه جميع التاريخ وكما يعكسه ما بدأنا به المقال من وضع أوروبا ويأتي تشكيل النظام السياسي ومبادئ الحكامة والدستور والنشيد الوطني كعناصر مكملة !!

وقصارى القول:
نتمنى على المثقفين من كل الإتجاهات والأحزاب كتاب وصحافيين، سياسيين وناشطين، اجتماعيين وحقوقيين، التفكير وإعادة التفكير فيما نحن فيه وكيف يمكن تصحيح الأخطاء وحسم الخيار وتوحيد هذا الفضاء الذي بتوحيده تنحل مشاكلنا كلها وندخل التاريخ من أوسع الأبواب !!!

 

 

23. سبتمبر 2021 - 15:29

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا