لا جدال في أن مقاطعة آركيز بما تحمله من إرث حضاري و فكري متميز و تنوع في سكانها و أهمية لموقعها الجغرافي
الإستيراتيجي جعل منها واحدة من أهم مقاطعات الترارزة و أحد أكبر التجمعات السكانية بالبلد بعد وصول تعدادها الإجمالي إلي حدود 70451 نسمة حسب تعداد سنة 2000.
و تصنف مقاطعة آركيز بإعتبارها نموذجا للمقاطعات الرعوية و الزراعية بالبلاد ، كما تلعب دورًا متميزًا في مجال التجارة التي تعتبر هي الأخرى موردا
رئيسيًا لا يستهان به. بالنسبة
للسكان نظرًا لقربها من السينغال.
لهذه الإعتبارات وغيرها لم تتلكأ حكومة الإستقلال في الإستجابة
لمطلب جعلها مقاطعة سنة 1964م ، رغم التكلفة المالية الباهظة المترتبة على هذا الإجراء الذي تطلب وقتها
تشييد بنى تحتية ادارية
وخدمية ضرورية في منطقة
معزولة و معروفة بوعورة مسالكها الطرقية في ظل دولة ناشئة تعاني شحا كبيرًا في الموارد.
ويري العديد من المراقبين أن هذه المقاطعة تميزت منذ
تأسيسها وإلى وقت قريب بحضورها الفاعل في المشهد السياسي الوطني ، حيث كانت تؤثر و تتأثر بصفة إيجابية في كل مجريات الأحداث التي عرفتها الدولة الموريتانية
خلال مختلف محطات تاريخها.
وحسب اعتقادنا فإن إقدام مجموعة من أبناء المقاطعة
على تخريب منشآتها الحيوية بعد مرور ما يزيد على خمسة عقود ونيف على تأسيسها وبعد جهود مضنية من العمل على تنميتها يطرح استفهامات
عديدة؟
لمصلحة من ينفذ هذا العمل التخريبي ولماذا هذا التوقيت بالذات؟
ألا يعلم هؤلاء أن حفظ الموجود أولى من طلب المفقود؟
ألم يكن هذا العمل المشين يأتي في وقت تبنت فيه الحكومة تقطيع إداري جديد يهدف إلى تقريب الإدارة من المواطنين و تحسين الخدمة العمومية و هو ما سيستفيد منه سكان آركيز بالدرجة الأولى وذلك
بإستحداث مقاطعة
أنتيكان التي تضم الجزء الأكبر من الساكنة؟
ألم يعط رئيس الجمهورية السيد
محمد ولد الشيخ الغزواني تعليماته للحكومة إبان زيارته الأخيرة لولاية الترارزة بضرورة إستصلاح أكبر قدر ممكن من الأراضي الزراعية بالمنطقة وتعبئة الموارد الضرورية لذلك و هو ماينعكس إيجابًا اليوم علي بحيرة اركيز التي هي موضع إستصلاحات زراعية كبرى
ستعود بالنفع على الجميع من خلال مساهمتها في الحد من البطالة ومحاربة الفقر و تحسين الظروف المعيشية للمواطنين؟
أيعقل أن يكون إنقطاع المياه و الكهرباء مدعاة لكل هذا العنف
أليس في ذلك نوع من الشطط الزائد؟
ألا يمكن إعتبار ثقافة العنف والتخريب هذه دخيلة على قيم
مجتمعنا و كيف السبيل لمحاربتها ؟
و مهما يكن من أمر فإن الموريتانيين اليوم مجمعون أكثر من أي وقت مضى على أهمية التصدي لكل من تسول له
نفسه العبث بأمن البلاد و إستقرارها ووحدتها الوطنية
لأنها خطوط حمراء و فوق
كل الإعتبارات.
في هذا السياق ، فإنه بالرغم من أننا نثمن عاليًا الخطوات التي أتخذتها وزارة الداخلية من خلال
تدخلها الحاسم و الفعال في إسترجاع الأمن و السكينة في مقاطعة آركيز ومباشرة التحقيقات المطلوبة
في الكشف عن الأسباب
الكامنة وراء الأحداث و تحديد مكمن الخلل و هو واجب وطني
يحسب لها ، فإننا نتقدم بالتوصيات التالية:
– القيام بحملات تحسيسية وتوعوية للسكان في أركيز عمومًا حول مخاطر العنف
و نبذ ثقافة التحريض
والكراهية و ضرورة المحافظة على المكتسبات و خاصة المنشآت العمومية.
و يجب على جميع النخب الفكرية والدينية والسياسية
المحلية الإنخراط في هذا المجهود،.
– وضع حد نهائي للتناقض الصارخ بين القدرات الطبيعية
الهائلة لمنطقة آركيز في مواجهة تدني المستوى المعيشي لسكانها ، وهو ما يمكن
تحقيقه فيما يلي:
– خلق فرص إستثمارية جديدة
في مجال الزراعة وتربية الماشية وهو ما من شأنه
إستقطاب نسبة كبيرة
من الشباب العاطلين عن
العمل و خلق مزيد من الدخل
و الثروة،
– تفعيل دور التكوين
والتأطير والإرشادات في
جميع المجالات التنموية
على المستوي المحلي
من أجل الرفع من مستوي الخبرات لدى الأهالي،
– وضع آلية مستقلة و فعالة لرفع
المظالم على مستوي المقاطعات
تتبع مباشرة لوزير الداخلية و تمده بالمعلومات اللازمة
لإتخاذ القرارات المناسبة في إطار نظام للإستشعار عن بعد
– تفعيل البعد التنموي للإدارة
الإقليمية و النظر في إمكانية إختيار الإداريين والعمد الذين
يتولون تسيير المقاطعات
والولايات على اساس إعداد برامج تنموية تراعي خصوصية
المناطق التي يديرونها
و على قدرتهم على التعاطي مع
حل مشاكل المواطنين.
و الخلاصة أنه قد آن الآوان أن يدرك سكان هذه البلاد أن إستقلال دولتهم ما كان ليتم
لولا تظافر جهود الجميع و نبذ الفرقة و التضحية بالمصالح الضيقة لصالح المصلحة العليا
للوطن و هو ما يستوجب اليوم على ضوء الإختلالات مزيدًا من رص الصفوف والالتفاف حول
القيادة الوطنية، لأن ذلك هو السبيل الأوحد الذي يمكن
من فرض القانون و النظام وبسط العدل بين الناس و التي هي محددات أساسية لدولة
قوية ترفض الظلم و الغبن والتهميش وتتصدى بقوة
لكل أشكال القبلية والجهوية
و الشرائحية والفئوية ولكل خطابات التحريض والكراهية وهذا الطرح تطابق مع نظرية
إبن خلدون التي وضعها منذ
قرون خلت حيث يري أن :
” الخوف يحي النزاعات القبلية
و الطائفية و المناطقية.. و الأمن
و العدل يلغيها” .