الأمر جلي ولا حاجة لتكراره.
إن الطريقة التي نزع بها غزواني السلاح من عزيز سلميا، ذي الجبروت بالأمس القريب، تكفي وإلى الأبد للاعتراف بذكاء الرجل وقوته الهادئة المذهلة. وعادة ما تنتهي الأنظمة الديكتاتورية، مثل نظام عزيز الأحادي الذي كان يستجيب له الكل إما بالانقلاب الصريح المباشرالعنيف، أو بسجنه أو إستغلال فرصة غيابه .
لم يسبق قط أن شوهد ديكتاتورا بهذا العيار على ثقة تامة من جهازه يتنحى عن الحكم بطيب نفس ديمقراطيا على طريقة بوتن وينتهي به الأمر بصدمة عنيفة بعد رؤية الجهاز، الذي كان يعتقد أنه موالي له يؤول بالكامل إلى شخص آخر؛ شخص تمكن وبإطقان من السيطرة على الوضع؛ شخص لطالما قلل من شأنه في السابق بل واحتقره وحسبه تابعه الأبدي. لم يظنه قادرا على السيطرة على ضبط الأمور إلى هذا الحد.
ذلك ما حدث بالضبط. عزيز في السجن، دون ما حاجة لإطلاق رصاصة واحدة،
دون أدنى مقاومة من مؤيديه. وغزواني، الذي تولى السلطة من خلال صناديق الاقتراع، تمكن من الحكم بنفس الجهاز من خلال تحويله من الداخل.
إنه لأمر مدهش لايصدق.
ولكن صحيح.
ثم صار بوسع غزواني أن يحكم مثل عزيز الذي ترك قوانين محكمة لضبط البلاد
والقيام بما يريد:
فرق تسد، مضاعفة مديونية البلاد على مشاريع زائفة ونفقات بريستيج لامتناهية، وإنشاء ضرائب لفرض الاحترام على رجال الأعمال، والقمع الوحشي ضدالمتمردين
خرجات عزيز الإعلامية تسعى لتقسيم الموريتانيين وتغذية شوفينية شعبوية أولية غير مناسبة بحيث أثار الموريتانيين ضد فرنسا لمدة 10 سنين
و أضاف الأحمر للعلم باسم المقاومة وعين على المجلس الدستوري فرنكوفونيا لا يتحدث العربية اللغة الرسمية والدستورية ولا حتى الحسانية.
وبدلا من طريقة التوتر الدائم هذه التي لايعرف عزيز، اختار غزواني أسلوبا ثوريا الحكم دون ضجة، واسترضاء المعارضة المتطرفة، إظهار حضور لحراطين المهمشين في الحكومة وعلى مستوى عالى كما هو الحال بالنسبة للموريتانيين الزنوج، استقبال أكبر قدر ممكن من ممثلي القوى الحية في البلاد
الفكير بالشباب والحداثة دون أن نسيان التراث الثقافي لأن موريتانيا متعددة والمحافظون لديهم الحق كشركاء كغيرهم.
وتتطلب هذه الطريقة براعة نفسية استثنائية ورقة حاشية مع العلم أنه من أجل استرضاء معظم القوى المعنية من الضروري حتما التعامل مع الجماعات التي غالبا ما تكون أعداء لبعضها البعض، ولكل منها سلبياتها وجدول أعمالها الذي يمكن الاعتراف به إلى حد ما في الحاضر والمستقبل القريبين.
إن استرضاء المشهد السياسي مع غياب الحركات الراديكالية بحجج معقولة يمكن الدفاع عنها يظهر قوة وفعالية هذه الطريقة الغزوانية.
حول البطء الذي يتحدث عنه البعض في لقد اعتادوا على مدى السنوات العشر لعزيز الذي قرر بمفرده دون استشارة أي كان، كما تحيه شخصيته إنما ذلك أمر في غاية البساطة لكنه لايخلو من مخاطر جمة ثم ذلك تصرف غير معقلن
يظهر الوضع الحالي لعزيز إلى أين يمكن أن تؤدي مثل هذه الطريقة إلى طريق مسدود لايسلكه إلا من كان أعمى .
يأخذ غزواني الوقت الذي يستغرقه قياس عواقب القرار بشكل صحيح وسليم.
ذلك هو ثمن الوضوح المطمئن لأن الديكتاتور العنيف لا يحتاج إلى التفكير بما فيه الكفاية إذ أنه لا يهتم بالحفاظ على توازن سلمي اكتسبه على ثمن حركة سياسية او اجتماعية اواقتصادية او ثقافية او أمنية عالية الدقة
أدنى خطأ يمكن أن يخلق ما يسمى تأثير فراشة كارثي
ثم، وعلى عكس عزيز، فإن غزواني حوله معاونون يمنحهم حرية كبيرة في العمل.
إنهم بشر، موريتانيون مع نقاط ضعفهم، وعند حدوث خطأ واضح، فإن الجهاز الغزواني يسمح دائما للمشكلة بأن تصل إليه على غرار مغامرة صحفي بسيط تعامل مع حاشيته المباشرة و أحدث التداخل العائد إلى طبيعة السلطة تعقيد الأمر.
لا أحد حول غزواني، بالرغم من الثقة الكاملة التي يتمتع بها، لايستطيع أن يدعي أنه يمسك بأذن الرئيس ليسمعه ما يريد .
على عكس عزيز، هناك أشخاص لامعون حول الرئيس، دون عقد، بكل أريحية يمزجون بين التقاليد والحداثة، يرعون مصالحه السياسية حتى من دون مناصب . لديهم الوسائل للولوج إلى الرئيس مباشرة إذا اقتضت الضرورة. رسمية .
لا أحد يستطيع فعل شيئ حيال ذلك.
وهذه قوة لا تقدر بثمن لأن هؤلاء المراقبون يجب ألا يسيئوا استخدام صلتهم المباشرة وإلا يمكنهم خسارة كل شيئ لأن شأن الدولة هو الحكم.
لا يتدخلون إلا كملاذ أخير عندما تكون هناك حالة طوارئ؛ وبالتالي قد يبدو أن بعض الحالات تستغرق وقتا لتسويتها.
غزواني رجل ذو ذكاء بشري فائق
. وكل من قابله يشهد على ذلك. الذين خرجوا من مكتبه يعترفوا جميعا بذلك لأنهم شعروا أنهم كانوا يتعاملون مع رئيس يريد أن يفعل الخير مع كل من اراد خيرا للبلاد
لقد أرث ملفات معقدة لا علاقة له بها ولكن يمكن أن تكون ذات خطورة لأنها تؤثر على الوحدة الوطنية. وعليه أن يتعامل مع الوضع الحالي المتأزم نفسيا لشعب لطالما استفز و احتقر طيلة عقد من التسمم قصد التقسيم.
من ناحية أخرى فإذا أعت النخبة أن غزاواني هو بالفعل رجل السلطة القوي، فإن الشعب لا يمكنه فك الشفرة عبر وسائل لإدراك طريقة غزواني وأسلوبه وفوائد
مساعيه
الناس عرضة للشبكات الاجتماعية والمدونين المنفيين والشائعات بسبب الفراغ الذي خلفته الهستيريا الإعلامية العزيزية.
هذا الفراغ الإعلامي يسمح للشائعات الأكثر سخرية أن تنتشر
وهكذا ينتهي الأمر بإقناع الشعب بأن الرئيس غائب، وأنه ليس هو الذي يحكم، وأنه ينام ليستيقظ في وقت متأخر.
في نهاية المطاف لا يصدق الناس إلا ما يرونه وبما أنهم بعيدون من السلطة لايرون ما يحدث فيصدقون أن لا شيء يحدث
لأن الفضاء الإعلامي ليس مشغولا إلا للإثارة ضد عرق أو منطقة أو تاريخ.
شخصيا أعتقد أن غزواني لن يغير أسلوبه ولاشخصيته ثم يتوافق كل ذلك مع شخصيته وارثه الثقافي
واعتقد ان طريقته فعالة سياسيا لأن نظامه يحكم بهدوء من خلال إجراء تغييرات معتبرة على ممارسة الحكامة والوظائف السياسية هذا ما يسمى بالتجديد البطئ ولكن بخطى ثابتة
فمن مسيولية الجميع التواصل لمواجهة الخصم والشعب. إلا أنه من المؤسف الإعتراف بأن المواجهة رديئة رديئة جدا هنا تكمن المشكلة...
الشائعات والمدونون الذين يقولون كل شيء وأي شيء إلى حد تهنئة المخربين على سوئاتهم ونهبهم
لا ترى أنهم في الخارج لأنه ما من موريتاني في البلاد إلا ويأسف لوقوع فوضى وتخريب
بعد كل ثورة إنكشف الأمر ألا وهو أن جهة ثالثة تخرج من الظلام لجني الثمار على حساب الثوار أنفسهم و المضحك هو أن التابور الثالت هذا منثق من رحم النظام البائد الذي أطاحت به الثورة
والسناريو الأخيرلا يتيح كير الخيارات
إما الإسلاميون، أو جماعة مسلحة أو تفكيك البلاد.
أما نحن، فيبدو أن الدولة قررت اتخاذ إجراءات صارمة ضد الموظفين الجهويين الذين فشلوا فشلا ذريعا في المعاملة مع المواطنين. بل أثاروا إسياء الساكنة حتى أضروا الدولة. هذه هي الطريقة الصحيحة لأنه لايمكن عقاب المخربين وترك من أثار الغضب
من جانبي، هذه الأحداث لا تقلقني على الإطلاق لأنني أعرف أن الدولة قوية جدا لكنني أعتقد أن الفراغ الإعلامي الذي خلفه عزيز يجب أن يملأ بطريقة أو بأخرى إلى أن يستكمل الشعب فطامه .
ومن المؤكد أن هكذا سيكون مستقبل نظام الغزواني،
الذي لا يزال في نظري رئيسا ذا دقة هائلة، وقوة هادئة، قبضة من حديد في قفاز مخملي.
يلتقى الكثير للتعامل مع المشاكل التي لا يمكن حلها على مستوى أدنى.
يجب أن تساعده الحاشية لتجنب خلق مشاكل زائفة للتفرغ للدفاع عن طريقته ...