يعتبر التعليم ركيزة الأمم واللبنة الأولى في صرح بناء الدول والضامن الأوحد لنهضتها وتطويرها فبدونه يظهر خَوَرُ المجتمع والدولة مما يجعلهما وكرا للفساد والإفساد لأنه لا مناص للأمم التي تروم أن تتبوأ الصدارة من العناية بالعلم كونه الوسيلة الوحيدة التي ترتفع بها مراتب الإنسان إلى الكرامة والشرف، كما أن خلق الإطار المناسب للنهوض بالدولة مرده للتعليم وهو بالضبط ما أدركه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني حين قرر التقدم لنيل ثقة الشعب الموريتاني حاملا معه برنامج "تعهداتي" الذي شكل بلسما للجراح الغائرة لوطن كابد الفساد ردحا من الزمن، وظل قطار تنميته يتعثر من حين لآخر بسبب البرامج الانتخابية التي تُسَطَّرُ للمرشحين دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءة مضامينها، مما جعل فخامته يحرص كل الحرص على كتابة برنامجه الانتخابي بنفسه كي لا يُضمَّن إلا ما يقبل التنفيذ لاستحضاره لمعنى العهد والوفاء به، فسن لأول مرة في تاريخ البلاد إطلاق العام الدراسي من الأحياء الهشة إيمانا منه بأن التمييز الإيجابي لهذه الفئات يجب أن تصاحبه إرادة قوية لتحقيق تعليم مناسب لأبنائهم يمكنهم من تغيير واقعهم نحو الأفضل سبيلا لضمان مقومات العيش الكريم، ووفاء بعهد قطعه فخامته على نفسه بالشروع الفوري بإصلاح نظامنا التعليمي المترهل الذي يقول عنه: "إنني على يقين تام من أن مدة خمس سنوات لا تكفي لإصلاح جميع الاختلالات في منظومتنا التعليمية، ومع ذلك فإنني مصمم على الشروع بدون أي تأخير في تنفيذ الإصلاحات الضرورية لإرساء قواعد المدرسة التي نحلم بها جميعا لأجيالنا الصاعدة".
وبما أن إصلاح النظام التعليمي ظل أكبر معوقات التنمية البشرية التي عجزت أمامها كل الأنظمة السياسية التي حكمت البلاد فقد تميزت بدايات الاستقلال بمحاولات للإصلاح كان أولها إصلاح 1967 والذي تلته إصلاحات 1973 و 1979 إلى أن وصلنا إلى إصلاح 1999 الذي ورث لوحة معتمة عن سلفه إصلاح 1979 وحاول -نظريا- معالجة نواقصها لكن ظروفا كانت تقف دون الإصلاح عمل النظام الحالي على تذليلها فتم إصدار مرسوم رئاسي بموجبه أنشئ "مجلس وطني للتهذيب" سيساهم لا محالة في تنفيذ خارطة طريق الإصلاح التي صادقت عليها الحكومة مؤخرا، وذلك بعد اكتمال دراسة استثمار الإصلاحات السابقة، وتقييم إصلاح 1999 وتحديد مواضيع تشاور سينطلق خلال الأيام المقبلة لهذا الغرض، بعد أن تم إطلاق مشروع تثمين مهنة المدرس الذي تضمنت خطة عمله برمجة الاستجابة لجل مطالب عمال القطاع والتي من بينها تأسيس سلك المعلم الرئيس الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا، وإنشاء سلك جديد للرفع من جاذبية مهنة التدريس في التعليم الثانوي، والشروع في ترقية المعلمين المساعدين والأساتذة المساعدين وفي تسوية وضعية مقدمي خدمات التعليم وغير ذلك من الإجراءات المادية والمعنوية.
ووفاء بتعهد انتخابي قطعه فخامته على نفسه برفع مخصصات التعليم بنسبة 20% فقد سجل القطاع خلال العام الحالي زيادة في ميزانيته بلغت 18% مكنته من القيام بإنجازات هامة وملموسة حيث شهدت كتلة أجور العمال زيادة بلغت 14 مليار أوقية قديمة منتقلة من 48.9 مليار أوقية قديمة سنة 2019 إلى 63.38 مليار أوقية قديمة سنة 2021 وهو ما يمثل ارتفاعا ملحوظا مكن من اكتتاب 6000 مدرس جديد ما بين موظف ومقدم خدمة تعليم، وأتاح الزيادة المعتبرة في علاوة البعد التي انتقل البند الخاص بها من 800 مليون أوقية قديمة سنة 2019 إلى 4 مليارات أوقية قديمة سنة 2021 ووعيا من القائمين على الشأن العام بأنه لا يمكن تصور إصلاح ما لم تهيأ له الأرضية المناسبة فقد نال دعم المدرسة الجمهورية النصيب الأوفر من التمويل حيث رصد له ما يزيد على 40 مليار أوقية قديمة مكنت من إطلاق برنامج طموح للبنية التحتية تتولى الإشراف على تنفيذه كل من وزارة الإسكان والمندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء "تآزر" وتضمن تشييد 2000 حجرة دراسية، تم حتى الآن تسليم 1000 حجرة منها من ضمنها 42 مدرسة مكتملة، وبما أننا على أعتاب تسليم هذه المنشآت لمزاولة التدريس بها فإنه يجب في الوقت ذاته وضع مدراء هذه المؤسسات التعليمية أمام مسؤولياتهم، وتكريم المتميزين منهم على غرار ما حدث في حفل الافتتاح الأخير من "مدرسة القطب ولد أمم" حيث قدمت لهم الجوائز من قبل فخامة رئيس الجمهورية وهي رسالة واضحة الدلالة مفادها أن لا مكان للمقصر في أداء واجبه في هذا العهد الميمون الذي يسابق ربان سفينته الزمن كي تستعيد المدرسة دورها كحقل للقيم الجمهورية، ودعامة للوحدة الوطنية مرتكزا بالأساس على التلميذ الذي يشكل نجاحه الهدف الأسمى معولا في عملية الإصلاح التي دشنها على كافة القوى الحية في البلد والتي تعتبر طواقم التدريس في طليعتها فهم حجر الزاوية في أي إصلاح يراد له النجاح وهو ما انطلق منه فخامته الذي لم يعد يخفى على أي كان ما يحيطها به من عناية سعيا لتذليل الصعاب التي قد تعترض طريقها، وضمانا لخلق جو يساعدها على إيصال رسالتها النبيلة، دون أن يغفل فخامته حجم التحديات التي تواجههم مع عقده العزم على تذليلها.
ونتيجة لما يشهده العالم في الوقت الحالي من ثورات علمية وتكنلوجية غير مسبوقة أحدثت تغييرات كبيرة في جل مناحي الحياة بات من الضروري إعادة النظر في كيفية التعامل معها وإقناع متخذي القرار بضرورة تطوير السياسات التعليمية في ضوء المستحدثات التكنولوجية التي أفرزتها، والتغييرات العالمية التي أحدثتها لتتسنى لنا الاستفادة من الإصلاحات الحالية التي نعلق عليها آمالا كبيرة بإخراج نظامنا التعليمي من الأزمات المتوارثة التي يعانيها إلى حالة من التوازن والتكامل تضمن استمراره في أداء وظيفته بصورة منتظمة ومتوازنة وعلى مستوى عال يفي بمتطلبات وتطلعات المجتمع الموريتاني ويجعل التعليم قطاعا انتاجيا فاعلا وخلاقا فيما بعد جائحة كورونا خصوصا وأن لدى القائمين على الشأن العام قدرة على ذلك حين وقفوا سدا منيعا أحال دون تحويل سنوات الدراسة زمن الجائحة إلى سنوات بيضاء مضاعفين الجهود ومستمرين بأعلى وتيرة ممكنة في إصلاح المنظومة التربوية، والتوسع في إنشاء البنى التحتية المدرسية، وتكثيف التكوينات سعيا إلى قيام المدرسة الجمهورية التي ينشدها الجميع.
كل ما تقدم -عزيزي القارئ- ليس إلا غيضا من فيض عديد الإنجازات التي طالت إصلاح المنظومة التربوية، وتبرهن بجلاء على جدية فخامة رئيس الجمهورية في إصلاح النظام التعليمي الذي تتوالى المؤشرات الإيجابية على قرب إصلاحه ككل القطاعات الخدمية التي طالتها يد الإصلاح التي لن تستثني مرفقا خدميا، كل ذلك يتم بِتَروٍّ وتُؤدة في جَوٍّ من الانسجام والتوافق سيتوج بإذن الله بقرب إطلاق "تشاور وطني" قال عنه فخامته: "أنه لن يستثني أحدا، ولن يحظر فيه موضوع من أجل أن نتوصل معا إلى أمثل الحلول الممكنة في مواجهة مختلف التحديات".