سؤال يتردد في ذهن دارسي علمي الاجتماع، والثقافة ( الأنتروبولوجيا)، حين يطالعون من حين لآخر مختلف المواقع الافتراضية الموريتانية التي يكتب فيها كوكبة من الكتاب المرموقين من ذوي الشهادات العالية، وكذلك ذوي الثقافة الرفيعة من الذين نفتخر بكتاباتهم التوعوية،، ومن المؤكد أن دافعهم الى الكتابة المرهقة، هو التشجيع على العطاء الفكري في سبيل النهضة الثقافية المنتظرة،، ولكن هل من الأهمية، أن نسأل انفسنا، وإياهم عن قيمة التخصص، لتجنب "الموسوعية" التي تسم البحث بالفجاجة في الكتابة عن موضوعات تحتاج الى مزيد من التخصص، أو على الأقل الاطلاع على المعلومات الموجودة بنسب مرتفعة في المواقع التي تساعد "الروابط" البحثية على الارشاد اليها، ذلك أن الشيخ "جوجل"، يفتح للجميع أبواب المكتبات العالمية، بمختلف اللغات،،؟
ومتى يتذكر بعض كاتبنا قيمة الاطلاع على المعلومات المستجدة التي يسعون للكتابة في مجالاتها في الواقع الاجتماعي، والثقافي الموريتاني بدلا من الكتابة المسترشدة بالتذكر، والتداعيات الذهنية؟
ففي موقع" موريتانيا الآن"، لفت انتباهي في الصفحة الأولى، مقالين عن الطبقة المتوسطة، والأخير منهما ركز على تعريفات للطبقة في مجتمعي الطبقات الأنجليزي، والأمريكي،، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن، هو: ماهي أوجه الشبه بين المجتمعين، وبين مجتمعنا، حتى نقارن بين أوضاع الطبقة المثقفة فيهما مع أوضاعها في مجتمعنا؟ وهل المجتمع الموريتاني، يتسم بخصائص المجتمع الطبقي؟ أو أنه لازال في مراحل أولية، فيخطو بتمهل على السلم التراتيبي في مصاف المجتمعات الفئوية التي يغلب عليها الاجتماع القبلي، وبمواصفات الأخير الذي يأتي في المرحلة الثانية، حسب تصنيف " عبد الرحمان ابن خلدون" للتطور المديني التالي: (أ) ـ مرحلة البداوة، ثم (ب) ـ مرحلة النظام القبلي، و(ج) ـ طور النظام السياسي، وهذا الاخير في مجتمعنا الحالي، يوجد في حالة ضمور، أو تخفي، وبلغة المناطقة "كمون" في سابقه، ولا يجادل في ذلك الا متكبر غير آثم في أن نظم الحكم السياسية السابقة، كما الحالي، ابرمت اتفاقا استيراتيجيا جعلها تحت الحماية الثقافية، والاجتماعية للنظام القبلي الذي قاوم الأحلال المباشر، حتى " تكيف" الاجنبي الدخيل معه منذ 1902 الى 1960، كما أظهر مجتمعنا من خلال أوضاعه الاجتماعية، والثقافية، إمكانية التعايش ـ ما شاء الله رب العالمين ـ مع المعطيات المحلية، و الاقليمية، والدولية، ولذلك، فعلى الباحث الموريتاني، أن يكون واقعيا، ويبتعد ما أمكنه ذلك عن " الطوباوية" الحالمة بمحاولته الفاشلة " إلباس" مجتمعنا لباس التنقل، الانتقال، والمميزات في المظاهر، والمعاش التي لا تتلاءم مع الذوق، ولا مع البيئة، بدلا من "الملحفة"، و"الدراعة"، و"العيش"، و"كوسكوس"، و" مارو"، و " اللحم الاحمر" بدلا من السمك الطري، حتى ولو كنا نوزع الأخير في هدايا، كلما كانت هناك مناسبات محلية، أو إقليمية،، فهذه مظاهر حيوية ومعبرة عن الحالة الرامزة للأستقرارالداعي للطمأنينة على مجتمعنا من طرف الأصدقاء، والأعداء على حد سواء، ذلك أن المظاهر السابقة "مفصلة" على جسمنا الاجتماعي في مفاصله الفئوية ـ لا الطبقية ـ ومظاهره الثقافوية غير الإيبستيمية،،
وعجبي من الباحث الموريتاني الذي لا تجذبه مظاهر الواقع المعيشي العام، فيذهب، كالنورس إلى ما وراء البحار، أو إلى الحالات الخاصة، ويعممها، وكأنه ينظر من نافذة طائرة عابرة للأجواء، ولكن الأكثر عجبا منه، هو المتحدث عن مجتمعه، وكأنه يمشي على أرصفة شوارع " لندن"، و" باريس"، فيعدد الطبقات الاجتماعية، وينسى دور المثقفين فيها ، ويستلها بريشة قلمه ـ كما يستل الخياط سلكه من إبرته ـ بعد أن رقعها فوق فئات مجتمع القبيلة السياسي في المدن" المريفة"، والقرى المهجورة، إلا من الادارة العمومية، وكأن الفئات الاجتماعية غير متساوية في الأوضاع الشائهة بسوء التغذية، والأمراض البيئية التي تدر المداخيل ـ من قوت العائلة الموريتانية ـ على اصحاب العيادات الطبية للسياحة التونسية، والمستشفيات المغربية، والسينغالية،،!
أيها الباحث الموريتاني، ألا تسأل نفسك قبل أن يسألك الآخرون، أين الطبقات الاجتماعية، واين ريادة الثقفين في المجتمعات العمالية، والمثاقفة الزاحفة من مدائن الجنوب الفرنسي الى باريس لتسقط النظام الملكي وتعلن عن ثورة 1789م.؟
ألا يكف الكتاب الوطنيون عن هذه التشبيهات التي لا تقوم على أوجه شبه بين مجتمع الفئات القبلية، والمشايخ المحظرية، ورؤساء الطرق الصوفية، وريادة العسكر السياسية، واتباعها من جوقة المسرح السياسي " البريختي" الذي يتوزع ممثلوه في القاعة، ومن حين لآخر، يظهر ممثل، ثم يختفي، ليأتي الدور على غيره، كحال نخبتنا السياسية،،الحالمة بالهدوء السياسي رغم الغبار السرمدي، وامواج الاطلس العاتية، ودورات الجفاف الماحقة، والمجاعات المبررة لقتل صفة "الفقر" لو كانت رجلا، لا " زئبقا" قانيا، يستجير بالقوي والضعيف، ويخالط سارق الغنى، ويضاحك الفقير، ويجالس الصغير، والكبير على حد سواء، فاكتسب ود الجميع، خلافا لحالة البائس في مجتمعات المدن التي تعتد اجيالها بردات الفعل الاجتماعي العنيفة، و المدمرة ـ والعياذ بالله ـ للنظم الاجتماعية، والقيم الثقافية، والأوضاع السائدة التي لا يتوارثوها، كما نتوارثها خلال جيلين، ولا تألف نفوسهم معها، كما ألفتها نفوسنا، ودانت لأهلها جموعنا، فاصبحت لصيقة لهويتنا الوطنية، والإقليمية، والقومية ؟!
فهل أنتم دعاة ثورة، وتغيير اجتماعي،، أو أنتم قراء لواقعكم المجتمعي الذي يمسي، ويصبح مطمئن الحال على احواله ـ ولله الحمد ـ قنوعا بما هو عليه،، ولعله يردد بالاجماع مع الحكماء " القناعة كنز لا يفنى" و الخروج على ذلك الاجماع، وحكمته، قد يجر على اصحابه البحث عن الذهب في الصحراء، واستجلاب مظاهر السغب، ولكنه لن يهدد بعواقب الأمور المتثاقفين منا، والمتظاهرين بالوعي السياسي، ولن يصدقهم أحد، إلا الاعلام الرسمي المحذر من بث الاحقاد، والحسد، والحرمان الوراثي، والمكتسب معا؟