لقد شهدت مدينة أنواكشوط على امتداد تاريخها المعاصر تطورات مهمة لم تكن في
الحسبان منذ أختيارها مركزا عسكريا من طرف الضابط الفرنسي
أفريرجان ( frère jean) سنة 1903م يقوم بدور الإسناد و الإمداد للحملة العسكرية التي قادها كابولاني بهدف إحتلال كل من لبراكنة و تكانت سنة 1904 ، مرورًا بإحتضانها لأول إجتماع للحكومة
الموريتانية في ظل الإحتلال الفرنسي في 12 يوليو 1957 م وإنتهاءا بوضع حجر أساسها بإشراف الرئيس الراحل المختار
بن داداه كعاصمة سياسية للدولة
الموريتانية المستقلة و ذلك في
العام 1958م .
و يري بعض المراقبين المهتمين بالشأن السياسي أن أختيار هذا الموقع بالذات كمكان لتشييد عاصمة الدولة الوليدة كان يحقق
عدة مزايا و في مقدمتها:
– أن هذا المكان هو مكان ملائم
يتوسط البلاد الموريتانية عمومًا ،
و هو في الوقت ذاته يتميز بقربه
من المحيط الأطلسي الذي سيمكن العاصمة من أن يكون
لها ميناء مستقل يربطها بالعالم الخارجي و هي ميزة إستيراتيجية ذات أهمية
بالغة.
و مع أن هذه العاصمة تعرضت لعدة فياضانات خلال أواخر الخمسينات و بداية الستينات نتيجة لإرتفاع المد البحري ، فإن
ذلك لم يمنع من إرتفاع عدد سكانها الذي عرف زيادة مضطردة وذلك بفعل سنوات
الجفاف التي ضربت المنطقة
بين 1969 و 1973م و ما سببته من تأثير سلبي على
الظروف المعيشية لسكان المدن الداخلية و الأرياف التي هاجر معظمها إليها بحثًا عن حياة
أفضل .
و من هنا بدأت ظاهرة
العشوائيات من ( مدن الصفيح)
التي نشأت في المناطق المتاخمة لها ، وهي في الواقع تفتقر لأبسط معايير التخطيط العمراني المتعارف عليها.
و أمام هذا الوضع الصعب لم تفلح جميع اللخطط التنموية
في المجال العمراني التي
أطلقتها الحكومات المتعاقبة في حل
هذه المعضلة رغم الموارد المعتبرة التي تمت تعبئتها لهذا الغرض من خلال جهود الدولة و دعم الشركاء الخارجيين .
نتيجة لذلك ، فقد ظلت المدينة ذات
المقاطعات التسع تعاني من انعدام
الساحات العمومية و نقص في المرافق العمومية و غياب شبه تام لدور السينما و الحدائق الخضراء و أماكن الترفيه و الفضاءات الثقافية ، وعدم وجود شبكة طرقية عصرية تربط بين جميع أجزائها.
هذا علاوة على إفتقار المدينة لسور يحميها من الفيضانات مصمم وفق المعايير الدولية للتكيف مع التغيرات المناخية المحتملة و عدم وجود شبكة للصرف الصحي تمكن من امتصاص مياه
الامطار التي تتحول غالبا في فترة
الخريف إلى برك ومستنقعات مائية
تؤثر سلبا على الصحة العمومية.
إذن أمام هذه التحديات فقد جعل رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ
الغزواني ضمن أولوياته أن يجعل
من العاصمة أنواكشوط واحدة من أهم المدن المحركة للتنمية.
في هذا السياق، فقد شرعت السلطات الوصية على قطاع العمران و الإسكان منذ يوليو ٢٠٢١م في تنفيذ استيرانيجية جديدة لغرض النهوض بهذا القطاع الحيوي و التغلب على جميع الإختلالات ، وذلك عبر مراجعة الإطار التنظيمي والقانوني
و الإستغلال غير المقنن للقطع الأرضية بالإضافة إلى وضع حد للتمدد الأفقي للمدينة الذي شكل ضغطا كبيرا على موارد الدولة.
في هذا الإطار، فقد تم إكمال المخطط العمراني و إصداره لأول مرة ليكون إطارا ضامنا للحقوق
ومانعا للتزوير والمغالطة .
كما تم اتخاذ إجراءات جديدة تستهدف ترحيل حراس تفرغ زينة وأسرهم إلى اماكن تمت
تهيئتها خصيصًا لإيوائهم ضمن عملية منح قانونية مكنتهم من الحصول على رخص ملكيتهم
لقطع أرضية بصفة نهائية.
ومهما يكن من أهمية لهذا العمل
و دوره في التحسين من ظروف حياة المواطنين في سياق تنفيذ برنامج تعهدات الرئيس
في مجال الإسكان والعمران .
، فإنه لا تزال هناك امور جوهرية ينبغي
أخذها بعين الأعتبار ضمن أية خطة
مستقبلية لتنمية المدينة بصفة
مستديمة نجملها فيما يلي:
– تنظيم أيام تفكيرية علمية علي
المدي القريب حول التغيرات المناخية
بالتعاون مع جامعة أنواكشوط العصرية و إقتراح حلول ناجعة لوقاية مدينة نواكشوط وكل المدن
الموريتانية الشاطئية الأخرى من أي غرق
محتمل ووضع خطة للتعامل مع الطوارئ
– تبني نهجًا شاملًا لتخطيط البنية الحضرية بشكل فعال وتوفير الموارد المالية الكافية لذلك،
– دمج حماية الموارد المائية في التخطيط الحضري وتحسين فعالية تشغيل مرافق
المياه و إنجاز شبكة طرق عصرية أكثر إنسيابية وذلك بالتنسيق بين قطاعات الإسكان والنقل
و المياه .،
-إقامة نظام للصرف الصحي لمدينة أنواكشوط و ربط التنمية الحضرية بالحكامة الرشيدة من
أجل الوفاء بإحتياجات السكان
و الإستجابة لتطلعاتهم .
– ترسيخ ثقافة متحضرة بواسطة
حملات تحسيس السكان حول ضرورة التقيد بكل مظاهر النظافة ووضع قطيعة مع كل اشكال
الممارسات الضارة كرمي الأوساخ في الشوارع
والإحتلال غير الشرعي للساحات العمومية و تشييد المساكن بدون ترخيص،
و عدم مراعاة المخططات العمرانية الصادرة عن
الجهات الرسمية المسؤلة وغيرها من المعوقات
التي تحول دون تنمية معظم مدننا في الداخل.
والخلاصة أنه من أجل الحفاظ على العاصمة نواكشوط مدينة عصرية ومستديمة
، فإنه لا بد من تظافر جهود الجميع من
أجل التركيز على كل العوامل التي من شأنها أن تساهم في تحسين نوعية الحياة وكفاءةالعمليات و الخدمات الحضرية و الرفع من القدرة على
المنافسة لأنها هي الضمانة الأكيدة لتلبية حاجات
الآجيال الحالية والمستقبلية وذلك في شتى
المجالات الاقتصادية والاجتماعية
والبيئية والثقافية وهي التي على أساسها تقاس مؤشرات البقاء والصمود في وجه عاتيات الزمن
التي لا ترحم…!!
.