لعل من حسن التقدير المطلوب، أن نتأمل خيرا من أصحابه، ومن النظام السياسي العام الذي أمر بذلك، وسيسجل التاريخ الوطني لقادته هذا الانجاز إن حصل،، ولذلك نقول ربما المشاورة التي جاءت متأخرة ـ وإن كان احسن من ألا تأتي ـ للتعبير عن الشعور العام بأن التعليم في بلادنا يشكل حاصل التخلف، والعجز معا، بمعنى التخلف عن الابداع، والاكتشاف العلمي، والفكري،، والعجز عن تمثلهما، واستيعابهما،، فما هي الخطوات العملية لانتهاج سبيل التقدم العلمي، والمعرفي، الموصل إلى تلك الاهداف، ولو بعد حين؟
وهل هذا الاعتراف العلني والصريح، هو للبحث عن الأسباب "المعنوية" لمظاهر التخلف التربوي، والعلمي، وعلاقته السببية باستقلالنا الوطني الذي يحتاج الى مخلصين له من التبعية للآخر،، لذلك، كان هذا التوجه نحو البحث عن شروط التقدم العلمي، والتقني، وهو توجه إن خطا خطوة أولية موفقة، فسيكون الأمر متعلقا بضرورة التخلص من لغة فرنسا، واستبدالها بلغة الوطن، وأهله، وتعليم الناشئة بما تفهم من لغة الأسرة، والشارع، وكذلك وسائل الاعلام الوطني، لذلك يجب التخلص من اللغة التي هي أداة للتعليم التي يحتاج التلميذ الى تعلمها من اجل ان تكون وسيطا للتعليم، وهو ما يستنكره المربون في جميع حقول التربية والتعليم في المجتمعات المعاصرة ،، فهل يسترشد بذلك المتحاورون في بلادنا؟
وهل لجنة التشاور تعبر عن الخطوة الأولى لفهم طرفي المعادلة المتلازمين للعلم، والحكم الرشيد، في التقدم الثقافي، والتغيير السياسي،، وبالتالي تكون لجان المشاورة، بمثابة "المعادل الموضوعي" الذي يزاوج بين الذاتي ـ الوعي الوطني ـ، والموضوعي ـ التوجهات السياسية، إن كانت قادرة على الاستجابة لمطالب الوطن، أكثر من الإذعان لإملاءات السفارة الفرنسية في نواكشوط؟
لعله التبصر الصحيح لفهم ابعاد "المدنية" المعاصرة، المتعلق بتعليم عالم الاشياء الذي تقود إليه الثقافة في عالم الافكار، وذلك سبيلا للانتفاع بمنجزات الحضارة في بعديها المادي، والثقافي معا،، فهل استوعب المتشاورون الفكرة؟
لعلنا من المتفائلين بهذا الإحساس بالمسؤولية، والسعي المشكور، ونتمنى على أصحابه تحديد جوائح التعليم في بلادنا، وأن يكون بعد الفحص اللازم، تقديم الحلول المنتجة، والمخلصة من الأوجاع في التعليم،، ولذلك سنشارك بالتشخيص الذي حدده علماء التربية في أربعة أقانيم، فما هي؟
وفي سبيل النهضة العلمية في أي بلد، يسعى لطرق ابواب العصر، فلا بد من اشراك، بل اسناد التعليم الى كل من : ( الأسرة، والمدرسة، والمؤسسة التعليمية، والمعلم)، وذلك لتطوير الخطط البحثية، وتغيير المناهج التربوية، والعناية باللميذ، وترتيب الأولويات، وتطوير اساليب التعليم من التلقين، والحفظ الى الفهم، والوعي، والاستيعاب، والبحث الميداني التطبيقي، والتجريبي، إن بالتمارين اليومية، أو في المختبرات المعملية،،
فما قيمة ، أن يتم التشاور بين افراد لجان التشاور، دون إشراك المعلمين، ومدراء المدارس، و أولياء الأمور؟
فإذا اهمل طرف من اطراف العملية التعليمية، فإن دوره سيبقى ناقصا في المشاركة في الأداء، وهذا سينعكس على نتائج العملية التعليمية كلها، لأن " التلميذ" اذا لم يجد بيئة تربوية تساعده في مراجعة دروسه، فإن لجنة التشاور، ستعود ب"خفي حنين" من رحلتها التي تقوم بها الآن في ربوع الوطن، وقد خصصت وزارة التعليم لها ميزانية معتبرة، وتستحق اكثر من ذلك بشرط أن تثمر رحلتها باصلاح تربوي، يرجع للتعليم العام قيمته التربوية، والتعليمية..
ثم هل توافق لجنة التعليم بإشراك المعلمين في هذا التشاور الذي يسعى الى تشخيص العوائق التي تعترض سبيل المدرسة، والمعلم في تنقيح، و تقديم المنهج الدراسي،، وهو الأمر الذي يستوجب الاهتمام بالمعلم نفسه، وتقديم المحفزات المعنوية والمادية التي تجعله عنصرا فاعلا، حتى ينظر إلى التعليم من جهة الواجب الوطني، والضمير الاخلاقي، والديني، والأبوة لتلاميذته، ليجسد تفاعله معهم عظيم المعاني كالصبر، والعدل، والتواضع، والقدرة في الأداء، واتقان التخصص ،، أو أن المعلم سيستثنى، ويهمل دوره في التشاور، كما يهمل من حيث الاعتناء به، وينحصر دافعه في الراتب الوظيفي، المفتقر الى شحنة القيم الاعتبارية، والمهنية السابقة؟
ومن اجل أن يكون للتشاور معنى، وأي معنى هو الآخر؟، لذلك من الواجب أن يكون الاهتمام المعطى للمدرسة بنسبة مرتفعة، وإلا، كيف للتعليم أن يصلح، وهو يفتقر الى مؤسسات، لتكون بيئة صحية للتلاميذ، ومجهزة بالاجهزة العلمية الحديثة التي تعتبر أساسية في تقديم الدروس ، وتقديم الصور، والخرائط، والمكتشفات الحديثة في كل تخصص، وهذا يساعد على استيعاب الدروس من خلال اشراك مختلف الحواس من سمع، وبصر، وذلك في سبيل التفاعل مع المدرس، وفهم أكثر للدروس،،؟
لكن أنى ذلك من اعتماد بيوت القصب كمدرسة، لما يعبر عن الاهمال، واللامسؤولية من وزارة التعليم، ومن الدولة، ومن غياب الوعي لدى الآباء الذين يقبلون من نظامهم العام، أن يسمح بتدريس ابنائهم في بيوت من القصب، والمعرضة للأشتعال، وبدلا من الاحتجاج على الدولة، يكون شرطهم الوحيد أن يكون المعلم، غير مدخن ـ كما شاهدنا في الصورة ل"مدرسة " عبارة عن كوخ كبير من القصب في وسائل التواصل الاجتماعي ـ؟!
أوليس للدولة الموريتانية تلك النظرة العامة، كما للانظمة السياسية المعاصرة، والمتمثلة في النظر إلى التعليم على أساس: التنمية، والتقدم، وضمان الحياة الكريمة للمواطن، وإعادة تأهيله، مما يستوجب إصلاح المناهج الدراسية، ومواكبة التطورالعلمي؟
وبالحديث عن الاصلاح التعليمي الذي اعتمد منذ حين في المجتمعات المعاصرة، كأداة اجرائية، لم تتوقف مراكبه ، وذلك للانتقال بالتعليم، وبالنظم، و بالإنسان في الحواضن الاجتماعية ،، من التخلف الى التقدم،، لكن كيف كانت رحلة الإصلاح التعليمي في بدايتها في القرنين التاسع عشر، والعشرين الماضيين؟
( يتبع)