البعد الاقتصادي  في برامج الأحزاب السياسية الموريتانية حزب الاتحاد نموذجا / د.حمودي ولد شيخنا ولد عالي

في إطار الحراك الشامل والاتجاه نحو تنظيم تشاور وطني بين جميع الأحزاب السياسية في البلد، لايسعني الا أن أعود إلى نشر مضمون مقالات سبق أن كتبتها وتتعلق أساسا بالجوانب الاقتصادية في برامج الأحزاب السياسية الموريتانية، ومدى تأثيرها على ارادة الناخب  وتجذير وعيه و تعلقه بحزب معين على اساس البرنامج  والمزايا المتوقعة بعيدا عن اي اعتبار لقضايا أخرى متعددة الأبعاد والخلفيات.

بموجب دستور العشرين يوليو 1991 دخلت موريتانيا مرحـلة جديــدة من التعاطي الســياسي بعدما أقر الدستــور الجـديد نـظام التعـددية الديـمقراطية ،فبـدأت الخــلفيات السيــاســية

تتــعامل مع المنحنى الجديد من خلال إقـامــة بعض أجنحتها لتـشكـيلات سـياسـية تعمل في الـعلن بـعدما أصبح منطق العمــل الـسري الـذي كانــت تـقـوم به غير مبرر في ظـل الديمــقراطية المعلنة ، هــنا بـــدأت تشـكيلات سياسيــة بـوضع مـقاربات وبرامج سـياسيــــة لم تـخــتلــف كثيرا من حـيــث المـــضــمون والــطــرح، فكان كـل حـزب يقــدم رؤيــتـه بوصفــها الإطـار الـــذي سيخلص من تراكمات الماضي وتجـــــــاوز عقبات الحاضر والتطلع لمستوى حياة أفضل ينعم فيه الكل بالحرية والعدالة والديمقراطية.

لقد مرت الآن قرابة ثلاثين سنة على التعددية الحزبية في موريتانيا والأحزاب السياسية لا تزال عاجزة عن أن تنال اهتمام المجتمع الموريتاني ولا تزال قاصرة عن أن تكون أداة للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، والأسباب وراء ذلك كثيرة ومتشعبة.

صحيح أن البيئة السياسية الوطنية تمتاز بخصائص يؤخذ منها ويرد ،وصحيح أن النخبة السياسية مبدعة في مجال التعاطي والتكيف،لكن الأحزاب السياسية بدورها لم تأت بجديد يذكر ،فجاءت فعلا وليدة هذه البيئة ،فلم تتميز عمليا في غالبيتها برؤى ومناهج واضحة تركز على مشاغل الناس وتطلعاتهم المستقبلية ، ولم تعتمد مقاربات اقتصادية وسياسية منبثقة من النموذج التنموي المعتمد على الذات ،لذلك لم تساهم من خلال برامجها ونشاطاتها في وعي المجتمع وضرورة تحمله لمسؤولياته في جميع مجالات الحياة المختلفة ،لذلك تركز الاعتقاد بأن أغلب الأحزاب السياسية في موريتانيا ليست جدية وليست إلا مجرد اسم وشعار اقتضتهما مسايرة مرحلة لم تتهيأ المقومات الثقافية والاقتصادية لقيامها ،ولعل غياب المعالجات الاقتصادية الواقعية لمشاكل الاقتصاد والتنمية ضمن برامج الأحزاب السياسية الموريتانية هو أكبر مؤشر على عدم جدية هذه الأحزاب.بل من البدع الغريبة أن تكون أحزابنا السياسية إن صح التعبير تتنافس موسميا لضم أكبر عدد من المواطنين لعضويتها، وتريد الحصول على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان في حين تكاد برامج هذه التشكيلات تخلو من رؤية اقتصادية منسجمة مع متطلبات التنمية الوطنية وتعمل لتحقيق مستوى معيشي مقبول ورفاه اقتصادي شامل ،وكأن الحزب السياسي يقتصر أمره على الحديث في السياسة.

و لتسليط الضوء على الأبعاد الاقتصادية ضمن برامج الأحزاب السياسية سأتعرض لبعض  المضامين والأفكار والخطط والسياسات الاقتصادية التي تتبناها تلك الأحزاب السياسية ومن خلال ذلك يتم التعرف على مستوى حضور الحل الاقتصادي لدى الأحزاب السياسية بوصفه المحفز الأول منطقيا للولاء لهذه الأحزاب الباحثين عن الوصول للحكم، وستكون البداية  مع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي  يتزعم المشهد السياسي الموريتاني ،وبه أكبر عدد من البرلمانيين وهو الحزب الحاكم الذي يعتبر الآن الذراع السياسي للحكم، فهل شكل البعد الاقتصادي في برنامج هذا الحزب استثناءا في النسق العام الذي تحدثنا عنه في المقدمة، جعل أغلبية الشعب تتعلق ببرنامجه الاقتصادي  أملا في تحسين الظروف والحد من آثار الفقر والتخلف ؟ أم أن كشكولا لتأمين المصالح كان وراء سيطرت الحزب  على المشهد السياسي ؟

للتعرف على مدى حضور الجوانب الاقتصادية ضمن برنامج الاتحاد من أجل الجمهورية سنقوم منهجيا بعرض بعض ما جاء في وثائق الحزب (المستوى النظري ) ،لنتناول بعد ذلك الأبعاد والمضامين التي وردت في هذه الوثائق على أن يكون ذلك في ضوء ما نعتقد أنه مدخلا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن تكون الأساس في تحديد الولاء لهذا الحزب أو ذاك .

أولا : عرض لأهم مرتكزات الرؤية الاقتصادية لحزب الاتحاد من اجل الجمهورية

لقد عبر الحزب في برنامجه السياسي

الذي لم يتم تحيينه منذ التأسيس عن أربعة محاور من بينها المحور الاقتصاد ي ،لذي رأى فيه ضرورة قيام تنمية اقتصادية مستدامة تعتمد على استغلال أمثل للمقدرات الوطنية وضرورة الاستفادة من ماتتيحه ميزات اقتصاد السوق وما توفره التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية من مزايا وضمانات،ومن هذا المنطلق وعلى ضوء هذه الخلفية يبدو أن الحزب رسم إستراتيجيته الاقتصادية على أساس ما أسماه التشخيص وتحديد المقدرات والمعوقات ومنه تحديد الخطط والآليات اللازم اعتمادها لتنمية البلاد ،وقد عبر الحزب عن اهتمامه بالبناء الاقتصادي محددا أولوياته في سبعة نقاط على النحو التالي :

1 ـ الاستغلال الأمثل و المعقلن للثروات الطبيعية المختلفة الموجودة في البلد كالصيد والزراعة والتنمية الحيوانية والأمن الغذائي والمعادن والطاقة والسياحة .

2 ـ خلق أقطاب تنموية :

ذكر الحزب في برنامجه أنه سيعمل على خلق أقطاب تنموية تأخذ بعين الاعتبار المؤهلات والموارد المحلية لكل منطقة وذلك ضمن إطار سياسة شاملة

3 ـ تطوير البني التحتية :

اعتبارا لدورها في إحداث التنمية الاقتصادية قرر الحزب انتهاج سياسة تهدف إلى تطوير البني التحتية من أجل تسريع وتيرة التنمية

4 ـ خلق مناخ استثماري فعال حيث يشمل على الخصوص :

- خلق مناخ ملائم للاستثمار والتحسين المستمر من المنظومة القانونية

- وجود نظام قضائي مطمئن

- تحسين سياسات الولوج إلي التمويلات المصرفية

- تحسين خبرة اليد العاملة

- مواءمة النظام الضريبي

- احترام قواعد المنافسة السليمة

5 ـ تنويع وتشكيل موارد تمويل الاقتصاد الوطني وتفعيل آليات التمويل المتوفرة والبحث عن مصادر جديدة وتحسين الخدمات المصرفية وتطوير الأسواق المالية المحلية .

6 ـ تحسين الحكامة الاقتصادية من خلال

تبني إستراتيجيه محاربة الفساد وتفعيل آليات الرقابة والتفتيش

7 ـ الاستفادة من الاتفاقيات الاقتصادية الدولية

وبعد عرضنا للمحاور الاقتصادية الأساسية التي تضمنها برنامج حزب الاتحاد من اجل الجمهورية في إطار برنامجه النظري فإننا سنقدم قراءة نقدية تحليلية للأبعاد والجوانب الاقتصادية التي تضمنها البرنامج .

من خلال تتبع المحاور الواردة في برنامج  الحزب وبالذات حول : 

- مدى الجدية ومستوى القناعة وهل مستوى الحضور البرلماني يجسد تعلق الجماهير ببرنامج الحزب وقناعتهم به؟ أم أن ادعاء الحزب انه الأقرب الى السلطة وهو ذراعها السياسي كان السبب في اندفاع الاغلبية الى التصويت لمرشحي هذا الحزب دون أن يكون لمضامين البرامج دور في التأثير على الاختيار.

- كذلك موقف الحزب من الخيارات التنموية واشكالية تحديد طبيعة السياسات الحمائية للصناعات الوليدة وطبيعة وتوجهات السياسة النقدية التي يتبناها لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للتنمية الشاملة ،كالمعدلات المناسبة للتضخم والاستخدام( التشغيل )،ونمو الناتج الإجمالي الداخلي

- مقترحات الحزب و سياساته لادارة الوضعيات الخارجية لميزان المدفوعات .

- سياساته فيما يتعلق بالصيد والمعادن و العدالة الاجتماعية وتوزيع الاستئثار وخلق مرتكزات متعددة لحماية الاقتصاد الوطني من التشوه في النمو والقدرة على مواجهة الهزات التي قد تحدث بفعل الأزمات الاقتصادية الدولية ،

- رأي الحزب حول سياسة التشغيل.

نقدنا لهذه المواضيع ومحاكمتنا لها في ضوء المبادئ والمرتكزات التي أعلن عنها الحزب في سياسته الاقتصادية ستكون محل نقاش الحلقة القادمة

 ان شاء الله.

15. أكتوبر 2021 - 15:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا